من حقنا أن نفخر بأننا أول أمة فى التاريخ حفظت للمرأة مكانتها، واعترفت بأفضالها، وجعلتها شقيقة للرجل، فلها حقوقها المتساوية، وحظيت بالتعليم، ولها حق التملك وإدارة أموالها بنفسها، وحظيت بمكانة رفيعة. وعلماء المصريات الأجانب فى شهاداتهم لا يخفون دهشتهم من الحالة المصرية القديمة الخاصة فيما يتعلق بمكانة المرأة، ويرون أنها ليس لها مثيل فى المجتمعات السابقة أو المعاصرة لها، فالأطفال كانوا يتلقون الرعاية والتعليم دون تفرقة، تبعا لقدرات ومكانة الأسرة. ويصفون المرأة المصرية القديمة بأنها كانت سعيدة، تتمتع بالكثير من الحقوق والمعاملة الطيبة.
فالعنف ضد المرأة كان مذموما للغاية، لكن توجد بعض الوثائق تدل على وجوده فى بعض الأوقات، وعاقبت المحاكم الأزواج على تلك الجريمة، فالمصرى القديم يرى أن المساواة بين الرجل والمرأة شيء فطري، انعكس فى المعتقدات والعادات والقوانين، فهناك آلهة من النساء، وتولت المرأة الحكم فى حالات كثيرة، منها «حتب» أم الملك خوفو، و«خنت» ابنة الملك منقرع، و«تي» والدة إخناتون، وحتشبسوت وكليوباترا، وعملت المرأة فى مجالات الطب والإدارة وغيرها، وتحصل المرأة على ثلث ثروة زوجها إذا طلقها لسبب غير مقنع، وترث ثلثى الميراث، ويتوزع الباقى على الأطفال وأقارب الزوج المتوفى، وتدفن إلى جوار زوجها، وتم العثور على قصائد شعر غزلية تؤكد معرفة الحب قبل الزواج، وليس غريبا أن تتقدم المرأة لخطبة الرجل، ووثيقة الزواج تنص على الاحترام المتبادل، وضمانة من الزوج بالمعاملة الطيبة، وهناك نصوص كثيرة تؤيد ذلك. ويذهب علماء المصريات إلى أن الكثير من المجتمعات المعاصرة لم تكن تشهد مكانة مميزة للمرأة فى العصور القديمة، وإن أشاروا إلى أن تلك المكانة قد اهتزت فى بعض فترات الانحطاط، كما أشاروا إلى أن تعرض مصر للاحتلال، وغزوها ثقافيا أثر بالسلب على مكانة المرأة، وخلال هذه الفترات كانت الخطب الدينية والسياسية تحض الرجال على المعاملة الطيبة للمرأة، لأنها مركز السعادة والأسرة المترابطة.
والسبيكة المصرية التى تشكلت من عصور الدولة القديمة وعصور انتشار المسيحية ثم الإسلام، تلاقت حول المكانة المتميزة للمرأة، ودعت إلى التراحم والمعاملة الحسنة ونبذ العنف بكل أشكاله، وأهم رموزها إيزيس والسيدة العذراء مريم والسيدة زينب، وإن كانت مكانة المرأة تراجعت فى أوقات متفاوتة خلال كل تلك العصور بتأثير ثقافات دخيلة، لكنها سرعان ما تتعافى، وأبرز تلك المحطات حديثا أعقبت ثورة 1919، واستعادت المرأة فى خضم الحركة الوطنية الكثير من حقوقها التى تراجعت فى فترات الغزو الأجنبى الذى أتى بتقاليده ومعتقداته، ولهذا يمكن أن نلاحظ التوازى بين المكانة المتميزة للمرأة والنهوض الوطني، وجاءت الانتكاسة الأخيرة مع انتشار أفكار الجماعات الظلامية المتطرفة، التى جاءت بأفكار وتقاليد دخيلة، وخلطتها بالدين الإسلامي، وأساءت إليه كثيرا، وكانت تتلقى الدعم من جهات أجنبية لتحقيق أهداف سياسية، ودفعت النساء القسط الأكبر من تدهور الحقوق والدور الاجتماعي، وامتدت هذه الحقبة المظلمة منذ سبعينيات القرن الماضى إلى مطلع القرن الحالي، والمؤشرات تؤكد أنها فى حالة انحسار منذ ثورة 30 يونيو 2013، عندما بدأت تحترق أوراق هذه الجماعات وتتكشف أدوارها الفتنوية التدميرية، وإذا كنا نعرف الكثير عما اقترفته تلك الجماعات، فإن ظهور وانتشار جمعيات نسوية مدعومة من الجهات نفسها تقريبا، تحاول نشر قيم وافدة أيضا، لتقوم بدور منافس وليس مناقضا، وتسعى لنشر عادات وتقاليد غربية، ولهذا علينا أن نلقى الضوء على أوضاع المرأة والأسرة فى الغرب، وهل هى النموذج الجدير بالتقليد، أم أن إرثنا الحضارى سباق فى تحقيق مكاسب وخطوات واسعة، يمكن لنا استعادتها وتطويرها بما يلائم واقعنا، ويتجانس مع ثقافتنا وقيمنا الحضارية الراسخة فى وجداننا.

لقد اطلعت على تقارير صادمة للغاية عن أوضاع المرأة والأسرة فى الغرب الذى يتفاخر بأنه الملهم والقدوة فى تمكين النساء، رغم أن هذه المقولة مشكوك فيها، وفيها من الدعاية أكثر مما فيها من وقائع على الأرض، وجاء فى إحصائية وطنية عن العنف المنزلى أن امرأة تتعرض للاعتداء أو الضرب كل 9 ثوانٍ، وفى المتوسط يتعرض ما يقرب من 20 شخصا فى الدقيقة إلى الإيذاء الجسدى، والحصيلة فى العام الواحد 20 مليونا. كما جاء أن امرأة من بين 3 نساء، ورجلا من بين 4 رجال تعرضوا للعنف من جانب الشريك خلال حياتهم. و76% من النساء ضحايا العنف جاء هذا العنف من جانب الشريك، وكذلك 24% من الذكور، نحو 10% منهم يصابون بجروح خطيرة. ويمثل العنف المنزلى 15% من إجمالى جرائم العنف فى الولايات المتحدة، حيث تتعرض 1900 فتاة يوميا للاغتصاب هناك، و18% من مجموع النساء يتعرضن للاغتصاب.
الأرقام بشكل عام مفزعة، وتؤكد أن الولايات المتحدة وأوروبا ليستا جنة النساء، بل فى صدارة الدول التى تتعرض فيها النساء لأشد أنواع العنف، فهل هذه الدول جديرة بأن تصدر لنا الحريات والدفاع عن النساء، وفاقد الشيء لا يعطيه؟! أما الاندفاع مؤخرا لنشر المثلية، وطرح تعديل القوانين التى تسهلها، فهى أكثر ما يهدد الأسرة، ويشوه الإنسان، ويطرح علامات استفهام كبيرة حول الهدف من تلك الحملات، والسعى إلى تصديرها فى جميع أنحاء العالم.
أمام هذه النماذج، سواء فى الجماعات التكفيرية الظلامية، أو جمعيات نشر القيم الغربية، نجد أن إرثنا وتراثنا مليء بالقيم الأكثر رقيا، والأكثر تجذرا وعمقا، وإن كان الغبار القادم مع عواصف الغزو الأجنبى قد أهالت التراب على بعض قيمنا وعاداتنا الأصيلة، فإنها مازالت بخير، ويمكننا استعادة ما تغطى منها، ونعيده إلى رونقه، ونجعله مسايرا لروح العصر، مع احتفاظه بأبعاده الإنسانية الراقية، وهذا ليس بالأمر العسير إذا نشرنا ما كانت عليه مصر فى أزمنة الازدهار والتقدم، وقارناها بما عليه الغرب أو ما حملته لنا جماعات التكفير والظلام، وسنجد الفارق شاسعا لصالح قيمنا الحضارية الراقية، فنموذجنا الوطنى لابد أن يكون من نبت هذا الوطن، خاصة أن لدينا إرثا براقا يثير دهشة وإعجاب الباحثين فى الغرب، وفى خضم احتفالنا بعيدى المرأة والأم، علينا أن نطرح تلك التساؤلات، وأن نفخر بقيمنا وحضارتنا، وأن نتذكر قول الرسول الكريم عندما جاءه رجل يسأله: «من أحق الناس بحسن صحابتي، قال أمك، قال ثم من ؟ قال أمك، قال ثم من ؟ قال أمك، قال ثم من ؟ قال أبوك». فى هذا الحديث الكريم تتجلى مكانة المرأة والأم، ومركزية الأسرة، فهل نقرأ تاريخنا فى مصر القديمة، وما جاءت به المسيحية والإسلام؟ أم نأخذ مما جاءت به الجماعات الظلامية أو الترويج للقيم الغربية؟ كل عام وأمهاتنا ونساؤنا وبناتنا بخير.
لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثابت رابط دائم: