رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فـوبـيـا المــؤامـــرة

المؤامرة.. تستشعرها من كثرة الكـلام عنها من حولك هذه الأيام، لكنك لا تدرى كُنهها، وإنما يعتريك حيالها نوع من خِدر الخلايا، وكأنما على وشك النعاس، بل والاستسلام لبذل آخر الأنفاس كى يستريح وجل الفؤاد، وتكف الشرايين عن الضخ المتذبذب ومؤشر الضغط عن الوقوع فى الغلط، والأطراف عن الشلل الرعاش وانحسار الدماء إلى نقطة اللوكيميا، وتصخر غابات الفكر، وتوقف طاحونة العقل المرهق عن الدوران.. الشر المستتر الذى هو آت ولا تُدرك فحواه ولا مقصده ولا مصدره أو مساره، يأخذ فى وجهه كل ما كان يحفّزك للـهِمة والنشاط والإنجاز ليتركك أنت والفعل المُلزم به والملقى وجوبًا على عاتقك فى حُكم الخواء.. تحسبك قد سُحبت منك فيشة الكهرباء لتغدو بلا إرسال أو استقبال، فأنت فى مواجهة الغموض والتعتيم والتردى على أرجوحة البيْن بيْن كما فردة حذاء مهترئ ملقى إلى جانب رصيف مهدور.. تلك مشاعرنا تجاه المؤامرة التى قد تكون حقيقة وقد تكون من ضروب الخيال، والتى قد تحاك لنا فى الخفاء على الأرض وفى البحر والجو والكوخ والقصر وآخر الشارع وداخل مكاتب العمل وبين جدران البيت، فجميع المشاهد والشواهد الظاهر منها وما بطن تبدو وكأن فى طيّاتها لابد من المؤامرة.. يقسمون بوجودها ويقطعون الأيمان ويقدمون البرهان والدليل والأشباه والاشتباه، ويرصدون البدايات والنهايات، ويدخلون فى سراديب النصوص وبين السطور وثنايا العبارات ليتركوك بعدها فى صحراء التيه.. تبحث سدى عن ذلك المشحون عداء بلا سبب ضدك، والمُجنَد زبانيته بلا جريرة منك لقهرك، والناشر عيونه بلا داع لرصدك، والمفترى بلا قضية كذبًا عليك، والشاحذ أسنانه فى محيطك لالتهامك، والمعبئ مدفعيته خلف السواتر لاغتيالك، والمعتلى دبابته بنية حرب سجال لسحقك، والمشيِّد ترسانة أسلحته لدحرك.. تبحث عن سبب للمؤامرة التى تولد من رحم البغضاء وأنت المحب لكافة البشر ومن يمد يده على الدوام بالسلام!!..

ولأنه الشك يحيى اليقين فما أن يعتريك وسواسه الخنّاس حتى تتمدد داخل شبكة حواسك فوبيا إتقاء المؤامرة فيستفحل هوس الأوهام، وتُستنفر شرايين التوجس، ويتمشى سوء الظن فى الأركان بحجة أنه المنجاة من التهلكة، فتضع الجميع من حولك فى قفص الاتهام حتى يثبت العكس، وقبل ما تقول رأيك فى أيتها حاجة هامة أو خايبة تقفل الباب والشباك وتسرب الموبايل إلى أبعد دائرة تخوفًا من أن يكون مركوبًا، وتغدو من مهامك الروتينية بمجرد ما تُدير مفتاح الباب التنقيب عن الجهاز المدعوق – الناقل لنشاطك وأقوالك بالصوت والصورة – خلف اللوحات وفوق العداد وفى ثنايا الأويمة وتحت رخام الترابيزة وداخل قفص العصافير وفى خزان أوكواريوم السمك وفى بطن ماكينة الكنس.


نظرية المؤامرة وفقًا للعالم السياسى مايكل باركون تتجسد فى ثلاثة مبادئ هى: أن لا شىء يحدث بالمصادفة، ولا شىء يكون كما يبدو عليه، وكل شىء مرتبط ببعضه.. ومن هنا فكارثة زلزال تركيا وسوريا الذى أودى بحياة أكثر من خمسين ألفًا فى غمضة عين دون انتباهتها يكاد يبلغ الشك حد اليقين بأن وراءها مؤامرة محبوكة الأطراف مبنية على نظرية تجاهل عامل الصدفة، فالقوات الأمريكية فى أوروبا EUCOM قد قامت من خلال مشروع هارب الأمريكى السرى بمناورات عسكرية قبل أيام من الزلزال مع قبرص واليونان للتدريب على عمليات إجلاء لزلزال خطير منتظر وقوعه بالذات فى تركيا ويقترب من 8 ريختر بالذات أيضًا!!.. فكيف علم واستعد الجيش الأمريكى بحوالى 60 ألف لزلزال مزعوم، ووضع خطة لإجلاء كامل وبروفة محكمة لإخلاء قاعدة «انجرليك» الأمريكية فى تركيا إلى ألمانيا عبر جسر جوى؟!!

الوالدة رحمها اللـه كانت تطلق على المؤامرة لفظة «المكيدة» لتقول عنها «أشمها وهى طايرة على بُعد أميال» بمعنى التعرف على خيوطها من بدايات نسجها بغرزة السلسلة.. من الذى افترأها ومن الذى طبخها، ومن الذى نقلها، ومن الذى غربلها، ومن الذى غطّاها، ومن الذى سوّاها، ومن الذى أكلها، ومن الذى ستنفجر فى وجهه.. والمثل بيقول: إمسح زواق صاحبتك تلقى سيد ابن عمتك!! وأنا عندى قريب عقيدته إنه ما فى حاجة تحصل غلط إلا ووراءها مؤامرة مرجعها غالبًا للماسونية وحكومتها العالمية بأعضائها المتآمرين المنبثين فى شرايين الحكومات والمؤسسات والهيئات وبين الناس العاديين، ومن قوة دفاع قريبى عن نظريته المتوجسة بدليل غلق عبدالناصر للمحفل الماسونى بالقاهرة شابت نظرتى تجاه البنت سنية الشغالة بعضا من ريبتى خاصة عندما لاحظت ظل ابتسامة غامضة تعلو شفتيها عندما تقدم لى فنجان القهوة التى تباين مذاقها فى فمى بين وقت وآخر، وقد كان أقارب راسبوتين يضعون له كل يوم شعرة من السم لا تكاد تبين حتى أتت نهايته مع ذلك التدرج الطويل الذى قد لا تلاحظ النيابة العامة للأسف مظاهره أو علاماته.. وأتساءل لماذا لا تكون سنية ماسونية والمحفور على جدران الذاكرة ما روتهُ لى يومًا زوجة سفيرنا المصرى فى موسكو أيام الاتحاد السوفيتى عندما جلبوا لها مدبرة منزل روسية قالوا إنها لا تعرف سوى لغة بلدها، فمكثت تُلازمها هى وزوجها وأولادها وضيوفها ليل نهار وفى الرايحة والجاية أكثر من عامين تتكلم السفيرة أمامها على راحتها، وتسب وتلعن كما يحلو لها، وتعلق وتنتقد وتزهق وتطهق وتشكو داخل جدران سفارتها، وفى النهاية تكتشف أن المدبرة الروسية تُجيد العربية قراءة وكتابة!!.. قريبى المتوجس وغيره من معتنقى نظرية المؤامرة يدعون أن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة مثل جورج واشنطن وبنجامين فرانكلين ذات أنفسهم كانوا يمتلكون تصميمات هندسية ماسونية مقدسة متداخلة فى صميم المجتمع الأمريكى كجزء من خطة شيطانية لإنشاء حكومة ماسونية كنموذج للنظام العالمى الجديد، بدليل ما هو موجود خلف الورقة النقدية من فئة الدولار منذ عام 1782 حيث العبارة اللاتينية novus Ordo seclorum بترجمتها «نظام العصور الجديدة لبداية حقبة جديدة» إشارة كما يدعون للتلميح للنظام العالمى الجديد.

و..يقال على سبيل المؤامرة أن أحداث 11 سبتمبر تمت بفعل فاعل داخل الإدارة الأمريكية، وأنها كانت عملية منسقة من قِبل عناصر لا صلة لها بالقاعدة، بل بأفراد داخل الحكومة ذاتها، وأكبر دليل على ذلك أن فكرة وقود الطائرات لا يمكنه إذابة العوارض الفولاذية فى برجى التجارة، وأن البرجين قد سقطا كالركام نتيجة عبوات مزروعة مسبقًا، وعلى نهج قريبى المستنفر بأفعال الماسونية والموساد، فهناك أكثر من ألف كتاب حول حادث اغتيال الرئيس كيندى 90% منها تتبنى فكرة المؤامرة، وحتى برنامج أبوللو للنزول لسطح القمر كان مجرد خدعة تكلفت 30 مليار دولار، وحين واجه منظّر المؤامرة «بارت سيبريل» فى عام 2002 رائد الفضاء الأمريكى «باز أولدين» ووصفه بأنه كاذب وجبان، قام أولدين ابن الـ72 يُلكمه على وجهه ليطرحه مجندلا على الأرض.. وعلى سبيل ذِكر رحلات الفضاء فقد سافر بالأمس أول رائد فضاء إماراتى «سلطان الفيادى» للفضاء تبعا لوكالة ناسا فى مهمة تمتد 6 أشهر عبر صاروخ «فالكون9» المُصنع من شركة سبايس إكس مع كل من الأمريكين «ستيفن بون» و»وارن هوبرج» والروسى «أندرى فيدياييف»..

ومن النظريات الطبية الحديثة أنه إن كنت تنكر صعود البشر إلى القمر فأنت بحاجة لطبيب نفسى، بينما يقول عالم النفس «روب بريثيوتون» أنه يمكن للشك أن يتغلب على المنطق، حيث لا يوجد فرق كبير فيمن يؤمن بنظرية المؤامرة، ومن لا يؤمن بها، وأن فضحها ومواجهتها يمكن أن يؤدى إلى نتائج عكسية حتى عند تقديم أدلة دامغة على أن نظرية المؤامرة خاطئة فغالبًا ما يؤدى ذلك إلى نتائج عكسية مما يتسبب فى زيادة المؤمنين بها.. وحول انتشار الخبر بأن هناك مؤامرة حول مقتل ديانا وراءها الملكة اليزابيث حماتها السابقة لأنها كانت تحمل جنينًأ مسلمًا على دين أبيه «دودى» الابن الوحيد للملياردير محمد الفايد، لكن التحقيقات أثبتت أن الحادث نتج عن إهمال السائق المخمور وملاحقة المصورين تحت الكوبرى لسيارة الأميرة، ولم تزل مؤامرة أبراج الهواتف المحمولة مسيطرة على الأذهان لا تزول من أن الترددات الكهرومغناطيسية الصادرة عنها تؤدى إلى إضعاف جهاز المناعة لدى البشر، إلى جانب مؤامرة لقاحات «covid 19» التى تحمل سلاحًا سريًا يخفى بداخله مواد غريبة تعمل على تحويل البشر إلى روبوتات، وأن هناك شرائح للتتبع داخل لقاحات معينة تتصل بشبكة خفية تتيح لحكومات معينة يسيطر عليها الملياردير بيل جيتس بغرض إبادة نسبة من البشرية..

ورغم نجاح المؤامرة لهدم جدران برلين دون قطرة دم، ونجاح تفكيك الاتحاد السوفيتى من دون إطلاق رصاصة، فإن مؤامرة أكذوبة أسلحة الدمار الشامل العراقية التى تبنتها أمريكا وحلفاؤها لتدمير العراق دولة وشعبا بعدما قررت إدارة جورج بوش الابن اقتلاع نظام صدام حسين، ظهر أن أمريكا ــ الاستخبارات والجامعات ومراكز الأبحاث ــ لا تعرف العراق والعراقيين، فقد توهمت أنهم سيرشقون دباباتها بالورود وسيسارعون لاعتناق النموذج الغربى.. حقيقة سقط النظام لكن الغزو أخل بتوازنات تاريخية ليتلوى الشرق الأوسط كله على ألحان زعزعة الاستقرار.. وفى مؤامرة اجتياح الجيش الروسى للأراضى الأوكرانية حالف سوء الحظ التقدير الروسى فلم تسقط كييف ولم ترفع الراية البيضاء، ولم يلجأ زيلينيسكى إلى سفارة ولم يفر للخارج وسارع الغرب إلى ضخ الأسلحة والمليارات فى العروق الأوكرانية وزاد من حجم العقوبات على روسيا التى أساء فيها الكرملين تقدير قدرة جيشه على انتصار سريع وها هو يتكئ على مجموعة فاجنر الذى يناصب عداءً علنيًا مع قيادات الجيش الروسى ويتهم وزير الدفاع بالخيانة.. و..أليست القضية الفلسطينية كانت ولاتزال مؤامرة بداية من وعد بلفور لتتمحور السياسات الأمريكية والغربية جميعها حول أمن إسرائيل فى المنطقة لينتقد مؤخرًا رئيس الوزراء الفرنسى «مانويل فالس» بشدة قرار اليونسكو بعدم اعترافها بوجود أى علاقة لليهود بموقع المسجد الأقصى الذى أصدرته المنظمة، مشيرًا إلى تمسكه بالوجود اليهودى فى القدس قائلا فى خطابه أمام البرلمان «قرار اليونسكو تضمن عبارات يؤسف لها، وصدر بشكل متسرع وكان ينبغى تجنب ذلك بل تجنب التصويت من الأساس».

وتكتب المتآمرة هيلارى كلينتون فى مذكراتها «كلمة السر 360» الصادرة مؤخرًا فى أمريكا: «دخلنا الحرب العراقية والليبية والسورية وكان كل شىء تمام، وفجأة قامت ثورة شعب مصر فى 30/ 6 و3/ 7 وأطاحوا بمرسى والإخوان ليتغير كل شىء خلال 72 ساعة.. كنا على اتفاق مع إخوان مصر على إعلان دولة إسلامية فى سيناء وإعطائها لحماس وجزء لإسرائيل لحمايتها، وانضمام حلايب وشلاتين للسودان وفتح الحدود مع ليبيا من ناحية السلوم، وكان قد تم الاتفاق على إعلان الدولة الإسلامية يوم 5/ 7/ 2013 وكنا ننتظر الإعلان لكى نعترف نحن وأوروبا بها وفورًا وتم الاتفاق أيضًا مع بعض الدول الأصدقاء على الاعتراف معنا.. وفجأة تحطم كل شىء.. جيش مصر قوى للغاية وشعب مصر لن يترك جيشه وحده».. وصدق العجوز السياسى المخضرم هنرى كيسنجر فى قوله إن أمريكا ليس لها حيال الوطن العربى حينما تراه هادئًا إلا تفجير مشكلة جديدة ينشغل بها عن مستقبله وطموحاته».

ويزخر تاريخ الحروب الحديثة بمؤامرات وخِدع تتناقلها الأجيال، منها مؤامرة «بيرترام» التى قام بها برنارد مونتجمرى قائد الجيش الثامن البريطانى لقوات المحور فى 23 أكتوبر 1942 عندما نقل مونتجمرى الدبابات والمدرعات الحقيقية التابعة له وعددها أربعة آلاف للتجمع فى شمال الجبهة، بينما قام فى الوقت نفسه بنقل هياكل مزورة لمراكب ودبابات عددها 722 إلى الجنوب بداخلها بنادق حقيقية، مع مد خط أنابيب مياه وهمية من علب الوقود الفارغة، فاستبعدت طائرات الاستطلاع الجوى الألمانى أن يكون الجنوب بقواته البسيطة نقطة انطلاق الحرب التى بدأها الحلفاء من الشمال فى وقت متأخر قبل ضوء القمر لتتحطم أسطورة روميل ثعلب الصحراء فى العلمين.. ومثال لقول الرسول صل الله عليه وسلم « الحرب خدعة» فأن أكبر خطط الخداع الاستراتيجى فى التاريخ التى وضعها الرئيس الراحل أنور السادات فى حرب أكتوبر لتدرس إلى الآن فى الأكاديميات العسكرية العالمية، فبنودها تملأ المجلدات ومنها على سبيل المثال تعمُد تكرار إجراء التعبئة العامة والاستدعاء ثم تسريح القوات مما جعل القيادة الإسرائيلية تتردد كثيرًا فى إعلان حالة الاستعداد القصوى إزاء كل تعبئة تقوم بها مصر، وهناك خدعة اختيار ساعة الصفر «الثانية ظهرًا» فى العاشر من رمضان – السادس من اكتوبر – فالعدو لن يخطر بباله أن الجيش سيخوض حربًا فى شهر الصوم، وفى أكتوبر تحديدًا، بينما تنشغل إسرائيل بعيد الغفران اليهودى، وتستعد لخوض انتخابات تشريعية وهناك خدعة اختيار الساعة وقت الظهيرة وتعامد الشمس فوق رءوس العدو بشكل يصعب عليهم الرؤية، وهو ما لم يتوقعه العدو حيث إن العمليات العسكرية تكون مع أول أو آخر ضوء.. ولعلها المرة الأولى التى اطلع فيها على إحدى خدع حرب أكتوبر المجيدة من أنه كان من الضرورى إخلاء عدد من المستشفيات وإعدادها لاستقبال الجرحى كأهم مبادئ الإعداد للحرب، ولما كان ذلك الإجراء سيثير بلا شك مخابرات العدو تم إعداد خطة خداع محكمة بقيام الجيش بتسريح ضابط طبيب كبير للحياة المدنية مُرسلا للعمل فى مستشفى الدمرداش التابع لجامعة عين شمس، فيكتشف الطبيب تبعًا للخطة بمجرد تسلمه مهام عمله الجديد بأن ميكروب التيتانوس يلوّث العنابر الرئيسية للمرضى مما يهدد حياتهم، وبعد ضياع يومين فى الرسائل المتبادلة تبعًا للروتين والمذكرات أمرت وزارة الصحة بإخلاء المستشفى وتطهيره مع تكليف الطبيب بالمرور على باقى المستشفيات لاستكشاف درجة تلوثها، وقامت الصحف بنشر التحقيقات المصوَّرة حول ظاهرة التلوث والتطهير، وما أن حلَّ أكتوبر حتى كان العدد اللازم من المستشفيات تحت الطلب.

ولعل أبرز المؤمرات التى عاصرناها العدوان الثلاثى الفرنسى الإنجليزى الإسرائيلى على مصر فى 1956، ومحاولة اغتيال مبارك فى الحبشة، وبروتوكولات حكماء صهيون التى تعد وثيقة تآمرية لسيطرة اليهود على العالم، والحكم بالسجن ١١ عامًا لكل من يقوم بحرق راية المثليين المميزة بألوان الطيف، وتهمة معاداة السامية فى التشكيك عن عدد ضحايا الهولوكوست اليهود وإن كان مبنيًا على نتائج علمية ومخبرية، تلك التهمة الكفيلة بمعاناة صاحبها أمام المحاكم كما جرى مع المفكر روجيه جارودى، والتى بات كل إعلامى وكاتب يتنصل منها قبل التحدث عن توجهات الغرب تجاه الإسلام والمسلمين.

وأفتش مثل شرلوك هولمز عن المؤامرة فى عالم الرياضة فأجد غالبيتها فى ساحات كرة القدم ومنها فى عام 1990 عندما اتهم النجم البرازيلى المنتخب الأرجنتينى بوضع مادة منوّمة فى عبوات المياه التى أعطيت له ولزملائه قبل مباراة المنتخبين فى كأس العالم، ولم يتم بشكل رسمى إثبات الاتهام، إلا أن مارادونا أكد خلال لقاء صحفى صحة الرواية، كما أن المدرب كارلوس بيلاردو لم ينف الخبر.. وكثيرًا ما شهدت مدرجات الملاعب الافريقية حضور أشخاص يرتدون أزياء غريبة، ويقومون بأفعال مريبة، مثل رش سوائل فى أرجاء الملعب، أو دفن بعض العظام فى أرضية الميدان، أو حتى الوقوف بمظهرهم الغريب بين الجماهير والقيام بأفعال لا تُشبه عمليات التشجيع ويمسكون بأيديهم أدوات لا تُشبه رايات الجماهير ولا طبولهم، بل أدوات تنتمى للجمعيات المحلية الافريقية، ويقال عنهم «سحرة جوجو» ويمارسون ذلك السِحر فى الكاميرون وغانا ونيجيريا، وقد استعان وزير الرياضة الإيفوارى بساحر شهير فى غرب افريقيا يُدعى «جباس بودابو» بغرض دعم الفريق الوطنى للفوز بكأس الأمم الافريقية التى أقيمت بالسنغال، وهو ما تحقق للفريق الإيفوارى، إلا أن خلافات مادية دبت بين الساحر ومديرى الاتحاد الإيفوارى مما جعل الساحر يتوعدهم بإخفاقات متتالية لمدة ٢٥ عامًا قادمة، وهو ما تحقق بالفعل حتى عام ٢٠١٥، وفى مصر يُقال إن الهزيمة التى تلقاها الفراعنة أمام منتخب متواضع مثل النيجر فى عام ٢٠١٠ يرجع إلى السِحر لدرجة جعلتهم يطلقون على تلك الواقعة مباراة «المعزة» وذلك بسبب نزول رجلين غريبين إلى أرض الميدان بالتزامن مع نزول لاعبى الفريقين، لكن المفارقة أنهما كان يصحبان معهما عنزة سوداء طافا بها أرجاء الملعب بينما يقومان بطقوس مبهمة تحت أنظار الجميع، وانتهت المباراة بانتصار النيجر بهدف للا شىء!

ولعبت المرأة فى مصر أدوارا تركت ظلالا على مسيرتها فى قصور الحكم، والمثال الذى يأتى فى الواجهة شجرة الدُر التى كانت جارية اشتراها السلطان الصالح نجم الدين أيوب فحظيت عنده بمكانة عالية حتى أعتقها وتزوجها وأنجبت منه ابنها «خليل» الذى توفى فى مايو ١٢٥٠م لتتولى عرش مصر لمدة ثمانين يومًا لتغدو المرأة الوحيدة التى استطاعت تولى عرش مصر وحكمها من بعد الفتح الإسلامى ــ ليوضع اسمها جنبًا إلى جنب مع حتشبسوت وكيلوباترا ــ بمبايعة من المماليك لتتنازل عن العرش لزوجها المعز لدين اللـه أيبك، لكنه عندما انقلب عليها بعدما أحكم قبضته على حكم البلاد أثار غضبتها خاصة من بعد مشروعه للزواج من ابنة بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، فأرسلت إليه تسترضيه ظاهريًا فانخدع لحيلتها واستجاب لمؤامراتها وذهب للقلعة، حيث لقى حتفه فى عام ١٢٥٧م لتشيع شجرة الدر أنه مات فجأة بالليل لكن مماليكه حملوها لأمه التى أمرت جواريها بضربها بالقباقيب إلى أن ماتت وألقوها من سور القلعة.. والمرأة الثانية كانت ست الملك شقيقة أبوعلى المنصور بن العزيز باللـه ابن نزار المعروف باسم الحاكم بأمر اللـه سادس الخلفاء الفاطميين الذى بُويع للخلافة وعنده ١١ سنة لمدة ربع قرن واتسمت فترة حكمه بالتوتر وكان مسرفًا فى القتل لكى يحفظ لدولته مهابتها، وأصدر عدة فرمانات لها غرابتها مثل منع أكل الملوخية والجرجير وصيد السمك، وأن تقصر ديباجة الخطابات المرسلة إليه على هذه الصيغة: «سلام اللـه وتحياته ونواصى بركاته على أمير المؤمنين» وألا تنزل النساء إلى الأسواق، وكان له عادة يومية فى رحلته صاعدًا فوق حماره إلى جبل المقطم للخلوة بنفسه، وفى رحلته الأخيرة فى ١٣ فبراير ١٠٢١ عاد الحمار وحده وكانت أخته ست الملك من حاكت ضده مؤامرة قتله بمشاركة الأمير سيف الدين حسين ابن دواس تخوفًا من تزايد نوبات جنونه وقراراته الملتاثة وغلوائه فى سفك الدماء، لكن التاريخ لم يزل يذكر له افتتاحه لدار الحِكمة مركزًا ثقافيًا للعلماء والباحثين يضم مئات الكتب والمراجع والمخطوطات، وقام ببناء الجامع المعروف باسمه الذى يعد تحفة معمارية عالمية وتم إعادة افتتاحه بعد تطويره وترميمه يوم الثلاثاء الماضى بتكلفة ٨٥ مليون جنيه.. وكانت مذبحة القلعة أشهر مؤامرة وقعت فى ولاية مصر العثمانية مدبرها محمد على باشا للتخلص من أعدائه المماليك يوم الجمعة ١ مارس ١٨١١م حين أعد حفلا مهيبا بمناسبة تولى ابنه أحمد طوسون باشا قيادة الجيش الخارج للحجاز للقضاء على حركة محمد بن عبدالوهاب فى نجد، ودعا للحفل رجال الدولة وزعماء المماليك فلبى ٤٧٠ مملوكًا الدعوة وحضروا مبكرين إلى القلعة فى أزهى الملابس والزينة، وسار الجميع خلف موكب الاحتفال ليستدرج المماليك وحدهم إلى باب العزب ليفتح عليهم الجنود وابل الرصاص فلم ينج منهم سوى مملوك واحد يدعى أمين بك الذى تمكَّن من الهرب لبر الشام، وعندما تضاءل صوت الرصاص وكان ذلك إعلانًا بانتهاء المؤامرة دخل على محمد على الجالس بهدوء فى قاعة الاستقبال، المسيو ماندريشى طبيبه الإيطالى الخاص قائلا: «قضى الأمر ويوم سعيد سموكم» فلم يجب محمد على بشىء، وطلب قدحًا من الماء شربه على مهل»!!

و..أبحث هل المؤامرة مذكورة فى القرآن الكريم، فأجدها وإن لم يذكر اللفظ وإنما وردت كلمات تحمل نفس المعنى ومنها الآيات البينات: «إنهم يكيدون كيدا»، «وإذ يمكر بك الذين كفروا»، «ومكروا مكرًا كبّارا»، «وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال»، وقال تعالى فى نتاج فكر التآمر والكيد فى الدنيا والآخرة: «وما كيد الكافرين إلا فى ضلال»، «أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون»، «ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله»، «سيصيب الذين أجرموا صغار عند اللـه وعذاب شديد بما كانوا يمكرون»، «فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين»، «يوم لا يغنى عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون».. ولأن المؤامرات الحقيقية ليست معلنة ولا يستطيع عامة الناس الاطلاع عليها فكان اللـه تبارك وتعالى لأصحابها بالمرصاد حين قال: «إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا»، «ويمكرون ويمكر اللـه واللـه خير الماكرين»، «وقد مكر الذين من قبلهم فللـه المكر جميعا».

ومن التوجيهات الربانية لمواجهة الكيد قوله سبحانه مخاطبًا نبيه صلى اللـه عليه وسلم: «قل ادعو شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون إن ولى اللـه الذى نزّل الكتاب وهو يتولى الصالحين».. والمعطيات القرآنية تٌوجهنا إلى أن العديد من الدول التى تحتضن المتآمرين قد عانت نفسها من ويلات الحروب والمنازعات وخاصة فى القرن العشرين، وفى هذا قال القرآن الكريم صراحة فى سورة المائدة «وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كُلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها اللـه ويسعون فى الأرض فسادا واللـه لا يُحب المفسدين»، وفى سورة الأعراف « وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ».. وتأتى البشرى فى كتاب اللـه الكريم بأن العديد من مؤامرات هؤلاء مردودة إلى نحورهم، كقوله فى سورة الحج « إِنَّ اللـه يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللـه لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ» صدق اللـه العظيم.

وإذا ما كانت هناك مؤامرات تهد جبالا وتزلزل أوطانا وتنقل محيطات وتلعب فى الكرموزات وتحوّل البشر لروبوتات، فعلى الجانب الآخر توجد أيضًا مؤامرات محلية على قد الحال سمعية كانت أو بصرية ومنها على سبيل المثال:

- غمزة مستترة بطرف العين يهب على أثرها الزوج المبرمج وكأن قرصه عفريت معلنًا العزم على الانصراف فى الحال للحاق بشغل هام تذكره فجأة، لتهرول صاحبتنا فى ركابه بمظهر ما على الضعيف سوى الطاعة: وكان مرادى أقعد معاكم للصبح لكن أعمل إيه للأستاذ.

- ضغطة يد تحمل فى طياتها أكثر من مخطط: ابقى خلينى أشوفك.. اعملى حسابك.. حتروحى منى فين.. أنا جاى بكرة تانى.. هى دى القوة الناعمة.. المرة دى مجرد سلام باليد.

- موبايل يقع على سهوة يؤخر صاحبه وصاحب صاحبه عن البقية ليتبادلا كلمة السر فى السر.

- هزّة راس تصاحبها زغدة جانبية تقول للغافل صحصح يا بجم وخليك وراه.

- زغرة أمى كان معناها سيبى بقية الطبق للضيفة.

- كتابة أسماء الشقق التى لم تدفع العوايد أصبحت لدى أصحابها بمثابة عيار فارغ فى الهواء الطلق.

- فتح الزوج دولاب زوجته متظاهرًا بأن فعلته عن غير عمد لتظهر الهدوم المزنوقة المتراصة فوق الشماعات بمعنى يسكن فى بطن الشاعر حِسك عينك تطلبى حاجة جديدة.

ولم تزل أغنية ثلاثى أضواء المسرح تشغل مكانتها على قمم المؤامرات المرئية عندما حمل «سمير» صاحب ورشة تصليح السيارات «الضيف» صبى الميكانيكى ليلقيه غيظًا من علٍ فتدخل الأم «جورج» فجأة ليتحول المنظر الدرامى الدامى إلى تدليل وهشتكة على وقع: الواد خلى بالك منه.. لو عيط طبطب على صدره.. لو جاع هات له حاجة ساقعة.

أما أحدث المكائد على وسائل الاتصال ما كتبه أحدهم بالأمس: «هناك واحد استلف منى ٦٠٠ جنيه من شهر وأكثر وأنا هنا لن أذكر اسمه احترامًا لأبوه الحاج عبداللـه إبراهيم الكومى الشهير بالحاج زلطة، واحتراما أيضا لكل من اخوته الذكور جمال الكبير المسافر ينقب فى بيتهم بالأقصر، وصابر الوسطانى الشغال على التوك توك، وشقيقته الصغرى فاطمة الممرضة فى المستشفى التخصصى على ناصية بنك التسليف التعاونى وبتورد للحتة فى شنطتها الشاش والقطن والسبرتو.. يعنى أنا لحد اللحظة عامل احترام لعيلته الساكنة فى شارعنا بالقللى بجوار سوبر ماركت عليش على ناصية أجزاخانة اللواء لصاحبها الدكتور غباشى، وأنا حافضل أحسن منك يا بعيد وأبدًا لن أكشف المستور لكائن ما كان من إنك أخذت منى الفلوس وانت واقع وملهوف لأجل تشترى الدبدوب فى الفالنتاين لحبيبة قلبك إخلاص زوجتك بعقد عرفى من وراء مراتك بنت عم صلاح الأسيوطى صاحب دكان الأدوات الصحية ع الناصية واللى ما فى مخلوق عارف بحكاية جوازك العرفى منها غيرى.. رجع الفلوس يا سامى أحسن.. و..ربنا أمر بالستر»..

ولما يبقى حد طيب فى الزمن ده خده على جنب وفهمه غلطه!!


لمزيد من مقالات سـناء البيـسى

رابط دائم: