رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أحلام وأوهام السلام فى عقل «نيتانياهو» وحكومته!

يصر بنيامين نيتانياهو على أن يغرد بعيدا عن السلام، ومازال يمارس هوايته فى خلط الأوراق، وتصدير أحلام وأوهام غير حقيقية على الرغم من سابق فشلها خلال سنوات حكمه السابقة الطويلة والممتدة، والتى أصبح بموجبها أطول رئيس وزراء توليا لحكومات إسرائيل المتعاقبة.

توقفت طويلا أمام حديث رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نيتانياهو، الأربعاء الماضى، فى أثناء استقباله الرئيس التشادى، محمد ديبى، حينما كرر الحديث عن أوهام «الاتفاقيات الإبراهيمية» بديلا للسلام مع الفلسطينيين.

خطورة كلام «نيتانياهو» أنه يأتى عقب نهاية زيارة وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، للمنطقة، والتى أكد خلالها رؤية الولايات المتحدة الأمريكية بشأن حل الدولتين، وضرورة إيقاف التصعيد الإسرائيلى ضد الفلسطينيين، وأنه لا بديل عن السلام، لأنه «الطريق الوحيد» الآمن لإسرائيل.

من الواضح أن «بلينكن» لم يقم بما فيه الكفاية لكبح جماح التطرف لدى «نيتانياهو» نفسه أو حكومته الأكثر تطرفا فى تاريخ الدولة العبرية.

ربما تكون «الحسنة الوحيدة» لزيارة «بلينكن» أنها كانت عبارة عن «قرص مسكن»، لمنع تدهور الأوضاع، واشتعال انتفاضة فلسطينية جديدة عقب اجتياح «جنين»، والانتقام الفلسطينى فى عملية القدس.

أما غير ذلك فمازال «نيتانياهو» يكرر الأفكار نفسها بشأن أوهام السلام، والحديث عن سلام «مكتوفى الأيدى» للفلسطينيين.

الأفكار نفسها رددها خلال مقابلة مع شبكة «سى. إن. إن» الأمريكية مؤخرا خلال الأسبوع الماضى، حينما تحدث عن السلام مع العرب أولا قبل الفلسطينيين، متفاخرا بأنه وقع ٤ اتفاقيات سلام مع دول عربية، وأنه يعمل على توسيع هذه الاتفاقيات قبل أن تبدأ مرحلة السلام مع الفلسطينيين فى إطار حكم ذاتى، بعيدا عن أى صلاحيات أمنية، وأن الصلاحيات الأمنية يجب أن تظل بأيدى القوات الإسرائيلية.


منذ نحو ٧٥ عاما، وبالتحديد منذ قيام دولة إسرائيل فى ١٩٤٨، وإسرائيل لا تؤمن بالسلام والعيش المشترك، وتريد أن تبتلع الأراضى العربية قطعة قطعة لو استطاعت.

فعلت ذلك فى ١٩٦٧ حينما ابتلعت كامل الأراضى الفلسطينية، وهى التى كانت تطالب بحق الاعتراف بتقسيم فلسطين، والعيش داخل حدود التقسيم، إلا أنها انتشرت كالسرطان، وابتلعت كامل الأراضى الفلسطينية، وسيناء، والجولان، وأجزاء من الأراضى الأردنية واللبنانية.

كانت إسرائيل تتذرع بعدم رغبة العرب فى السلام، اعتمادا على قوتها العسكرية، وأنها القوة التى لا تقهر، إلا أن حرب أكتوبر المجيدة نجحت فى تغيير الموازين العسكرية، حيث نجح الجيش المصرى البطل فى عبور قناة السويس، وتدمير خط بارليف، وتحرير أجزاء واسعة من سيناء.

بعد حرب أكتوبر استيقظت إسرائيل على كابوس «الهزيمة» والانكسار، فعاودت مرة أخرى العزف على نغمة السلام، ورغبتها فى العيش المشترك.

واجه الزعيم الراحل أنور السادات الموقف بشجاعة، واختار السلام طريقا ومنهجا كما فى قوله تعالى «وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ».

كان السادات واضحا وقويا فى خطاب السلام مثلما كان واضحا وقويا فى خطاب الحرب، وتم توقيع أول معاهدة سلام مصرية ـ إسرائيلية فى ٢٦ مارس ١٩٧٩، بعد عام من توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» فى ١٩٧٨.

بموجب اتفاقية السلام نجحت مصر فى استرداد كامل أراضيها فى شبه جزيرة سيناء، والتى كانت آخر نقطة فيها هى مدينة طابا، التى تم استردادها بالتحكيم الدولى، طبقا لنصوص اتفاقية السلام المبرمة بين الجانبين.

بعد عدة سنـــــــوات، استطاعت الأردن ولبنان استرداد كامل أراضيهما المحتلة أيضا من خلال المفاوضات المباشرة بين الجانبين الأردنى والإسرائيلى، وغير المباشرة بين الجانبين اللبنانى والإسرائيلى.

دروس اتفاقيات السلام بين إسرائيل والدول المعنية بالأزمة «مصر والأردن ولبنان» أكد رغبة العالم العربى فى السلام الحقيقى والشامل الذى يضمن عودة كامل الأراضى المحتلة مقابل السلام، إلا أن إسرائيل استغلت الاضطرابات والأزمات التى يعيشها العالم بعد ٢٠١١، وبدأت تحاول فرض مفهوم جديد للسلام لا يعترف بحق عودة الأراضى المحتلة، ومبدأ «الأرض مقابل السلام».

رسخ العالم العربى مفهومه للسلام من خلال مبادرة «السلام العربية»، التى أطلقها المرحوم الملك عبدالله بن عبدالعزيز فى ٢٠٠٢ خلال القمة العربية فى بيروت، والتى تبلورت حول ضرورة انسحاب إسرائيل الكامل من جميع الأراضى العربية المحتلة منذ ١٩٦٧، تنفيذا لقرارى مجلس الأمن «٢٤٢» و«٣٣٨» اللذين عززتهما قرارات مؤتمر مدريد للسلام فى ١٩٩١، ومبدأ «الأرض مقابل السلام»، وضرورة قبول إسرائيل بقيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، تكون عاصمتها القدس الشرقية، وذلك مقابل إنشاء الدول العربية علاقات طبيعية فى إطار السلام الشامل مع إسرائيل.

منذ صعود بنيامين نيتانياهو إلى رئاسة الحكومة فى إسرائيل وهو يعمل جاهدا على تغيير معادلة السلام، وفرض مفهوم مختلف للسلام قائم على أفكار وهمية، وأحلام خيالية لا توجد لها أى ظلال حقيقية إلا فى رأس بنيامين نيتانياهو نفسه.

تولى «نيتانياهو» رئاسة الحكومة فى ١٩٩٦ لمدة ٣ سنوات، ثم عاد فى ٢٠٠٩ حتى ٢٠٢١، وعاد مرة أخرى هذا العام، ليصبح صاحب أطول مدة كرئيس حكومة فى تاريخ إسرائيل.

كان دونالد ترامب، الرئيس الأمريكى السابق، أحد الحلفاء الأقوياء المساندين لأفكار بنيامين نيتانياهو حول التوسع فى «الاتفاقيات الإبراهيمية»، وفرض مفهوم مجحف للسلام على الفلسطينيين قائم على التعايش بمفهوم «الحكم الذاتى»، والموافقة على التوسع الاستيطانى فى الأراضى الفلسطينية، والاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل.

الآن عاد «نيتانياهو» يكرر الأفكار القديمة نفسها غير المقبولة من الفلسطينيين أصحاب القضية الأصليين والمعنيين بها، والذين لا يمكن إقامة أى نوع من السلام الدائم والعادل دون رغبتهم ومشاركتهم.

يهرب «نيتانياهو» من الحديث عن السلام العادل إلى الحديث عن اتفاقيات سلام مع دول ليس بينها وبين الدولة العبرية حدود أو مناطق متنازع عليها، فى حين أن السلام الحقيقى هو السلام بين الأطراف المتنازعة الحقيقية، لأن هذا هو جوهر الصراع العربى ـ الإسرائيلى.

حديث «نيتانياهو» الأخير إلى «سى. إن. إن» ليس به جديد، وإنما هو تكرار لمفهوم «نيتانياهو» الشخصى والخاص للسلام، ويشاركه فيه اليمين المتطرف الإسرائيلى الذى لا يعترف بالفلسطينيين أو حقوقهم المشروعة.

الغريب أن «نيتانياهو» اعترف فى المقابلة بأن الفلسطينيين سيستمرون فى العيش فى أراضيهم، وأن الإسرائيليين سيضطرون إلى العيش معهم، وأن 20٪ من سكان إسرائيل عرب.

إذا كانت تلك حقائق لا يمكن إنكارها، فلماذا يحاول «نيتانياهو» وحكومته التهرب منها؟، ولماذا يرفض التفاوض الجاد مع الفلسطينيين حول حقوقهم المشروعة التى لا يستطيع كائن من كان إغفالها أو إقامة سلام عادل ودائم دونها؟!.

ربما تكون زيارة «نيتانياهو» القريبة إلى واشنطن، ولقاؤه الرئيس الأمريكى، جو بايدن، مؤشرا مهما لطريقة تعامل حكومة بنيامين نيتانياهو مع ملف السلام مستقبلا، وهل من الممكن أن تكون هناك بارقة أمل لتغيير مفاهيم تلك الحكومة أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد أحاديث فى الهواء، ومسكنات تؤجل انفجار الأوضاع فى الأراضى الفلسطينية إلى حين؟.

للأسف الشديد أعتقد أن تشكيلة الحكومة الإسرائيلية الحالية تتناقض تماما مع أحاديث السلام، ولا تتفق إلا مع لغة التصعيد والصدام والتهديد لكل ما هو فلسطينى، وتلك هى الشرارة التى يمكن أن تشتعل فى أى لحظة.

[email protected]
لمزيد من مقالات بقلم ــ ‬عبدالمحسن‭ ‬سلامة

رابط دائم: