رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مع بيرم وبيبرس والبرنامج العام

حالة من المتعة العقلية أعيشها ما بين الثانية والثانية والنصف ظهرا على موجات إذاعة القاهرة ـــ البرنامج العام مع حلقات مسلسل يحكى سيرة الظاهر بيبرس كتبه المبدع المدهش فى أشكال إبداعاته الذى كتب بما يمكن أن يطلق عليها فصاحة العامية وعاش يستلهم فى كل ما يكتب آلام وآمال وأوجاع البسطاء ويتحدث بألسنتهم حتى قال عنه عميد الأدب العربى .د.طه حسين إنه يخشى على الفصحى من عامية بيرم التونسى. ومعروف أنه ولد بحى السيالة بالأنفوشى فسكنته الحارة منذ بواكير عمره وأثار بصراحته وسخريته وجرأته خوف الحكام فعاقبوه بالنفى وقضى مشردا فى الغربة أكثر من عشرين عاما وكما أبدع فى التغنى بعشق مصر هاجم أسباب التخلف والتراجع وحلق صوت سيدة الغناء بكلماته، القلب يعشق كل جميل والحب كده، وحرمه نقده للحكام من بلاده ومن حق أن يحمل جنسيتها وأعادها إليه الرئيس عبدالناصر وكرمه بجائزة الدولة التقديرية وظل بيرم التونسى مثالا رائعا لما يحققه انتماء الكلمة لآلام ومعاناة الناس ورفض نفاق وذهب الحكام وعلى روعة وكثرة ما كتب وأبدع فقد قال: «إن لم اكتب إلا ملحمة الظاهر بيبرس لكفانى»، وقد كتبها إن لم تخنى الذاكرة فى 188 حلقة ورحل قبل كتابة الحلقة الأخيرة وكتبها كاتب آخر.

وفى رأيى أن سيرة حياة ومقاومة ونفى وغربة وإبداع بيرم التونسى توفر مادة درامية لملحمة لا تقل قيمة وإبهارا عن ملحمة الظاهر بيبرس التى أخرجها الفنان والمخرج الإذاعى الكبير السيد بدير ورواها على الربابة السيد فرج السيد والتى أعتبرها من خلال استمتاعى بها من روائع الإبداع الإذاعى الذى تمتلئ به شرائط مكتبة الاذاعة وتتجاوز ما لا يقل عن 400 ألف شريط ـ وأحيى من ينقبون فى هذا التراث العظيم لإعادة إذاعته وهو ينطبق عليه مقولة: «العين تسمع والأذن ترى». وفى موجز تاريخ الظاهر بيبرس أنه من أقدر وأشجع سلاطين المماليك البحرية بمصر وأطولهم حكما وعاش ما بين 1223 و1277 وشارك فى طرد الحملة الصليبية السابعة فى معركة المنصورة وكان القائد للجيش فى معركة عين جالوت 1260 ومجموعة معارك أخرى ضد المغول وأعاد إلى الخلافة العباسية مكانتها الروحية فى القاهرة بعد سقوط بغداد فى قبضة المغول ولسنوات طويلة قاد معارك وأنزل الهزائم بالصليبيين فى فلسطين وسوريا ووسع حدود مملكته ومن بين الآثار الكثيرة والعظيمة التى تركها مسجده بالقاهرة الذى يتم تجديده الآن ويعاد افتتاحه فى الثانى من فبراير. ومثل ما كتبت أعظم السير الشعبية وكيف يضع الكاتب خاصة إذا كان مبدعا فى وزن بيرم التونسى مزيجا من الوقائع الحقيقية والخيال ويملأ الفجوات التى تركها التاريخ بأحداث تدفع بالسيرة إلى مسارها التاريخى وتمجد البطولات الشعبية التى صنعها صاحب السيرة خاصة اذا كانت فى حجم ما صنعه الظاهر بيبرس فى هزيمة الصليبيين والمغول وهزيمة جيوشهم وإعادة العزة والهيبة الى بلاده واستردادها من أعدائها وعدم الاستسلام لهم والتطبيع معهم. ومن أجمل ما تضمه السير الشعبية الحكم والأمثال التى تتناقلها الأجيال وتصير عبر عَبر الزمان مثل ما جاء على لسان الراوى سيرة الظاهر بيبرس: كم من السلاطين الفعل لغيرهم والشكر لهم، وكم من السلاطين يحملون الناس فوق ما يستطيعون احتماله وينسون أن أنين وشكاوى المظلومين يظل معلقا بين السماء والأرض حتى تنفذ.

وكما تساءلت دائما أمام مناسباتنا الوطنية أين استلهامها فى أعمال إبداعية جديدة لإحياء ودعم ذاكرة ووطنية الأجيال الصغيرة وقد ذكرنى الإبداع الإذاعى فى سيرة الظاهر بيبرس بالتعجب والعتاب لعدم استلهام ما يمتلئ به تاريخنا منذ أجدادنا القدماء وفى جميع حلقات المقاومة والانتصار بأبطال من القادة والشعب. وعلى سبيل المثال لا الحصر هزيمة الهكسوس بعد احتلالهم للدلتا وما فعله تحتمس الثالث فى معركة مجدو وأبطال مقاومة الاحتلال الانجليزى وثورة عرابى وملحمة حفر قناة السويس واستشهاد اكثر من 120 ألف شهيد من العمال والفلاحين المصريين فى عملية من اكبر عمليات السخرة فى التاريخ وأبطال مقاومة وهزيمة العدوان الثلاثى فى بورسعيد 1956 وحرب الاستنزاف وصناع نصرنا العظيم 1973 وصولا إلى مقاومة الإرهاب وتحرير سيناء منه وكل ما تجلى من بطولات فى عيد الشرطة احتفالا بمقاومة وانتصار أبنائها على المحتل البريطانى بالاسماعيلية 1952. وأتمنى تكريم شهداء ثورة 25 يناير لتأكيد احتفاء مصر بكل من يضحى من أجل حماية كرامة وعزة أبنائها وأمنهم وحصولهم على حقوقهم وحرياتهم ولقمة عيشهم.

◙ مع شكرى للبرنامج العام على التنقيب فى مكتبة الاذاعة على روائع هذا التراث العظيم مع كل التحية والتقدير لأجيال من المبدعين الإذاعيين ولا أنسى أن أوجه التحية لكل من يسعدنى الحظ بالاستماع الى برامجهم من الأجيال الجديدة وفى مقدمة ما يميزهم احترام وعى المستمع وتزويده دائما بالمفيد والعميق والمهم وقدرة استخدام اللغة الفصحى فى تبسيط محبب أو التى تتوسط العامية والفصحى والتى تؤكد جمال اللغة العربية والآفاق غير المحدودة لقدراتها على التعبير ولا أريد ان اذكر أسماء وأنسى أسماء من جميع ابنائى من المذيعين والمذيعات ومقدمى البرامج متمنية لهم المزيد ليزدادوا قدرة على وضع كلماتهم وبرامجهم فيما يحقق كل ما يستطيع أن يقوم به الإعلام من نشر للوعى وتعميق ثقافة الجماهير وثقتهم واطمئنانهم ومعالجة أهم وأخطر القضايا وكل ما تنص عليه مواد الدستور من آفاق لحريات التعبير.


لمزيد من مقالات سكينة فؤاد

رابط دائم: