فى الوقت الذى تنبهر فيه الجماهير العريضة عبر العالم بثروات اليوتيوبرز، ومنهم من يكسب مئات ملايين الدولارات فى العام الواحد، ومن هذه الفئة أطفال حول العاشرة، كناتج لنجاح نشاطاتهم على يوتيوب، وهو ما يفتح لهم المجال لتعاقدات خرافية مع شركات الإعلان العالمية، التى تستفيد من رواجهم لتمرر إعلانات لماركات تستهدف الوصول إلى سكان الكوكب، وفى الوقت الذى تشتعل فيه الأحلام باتساع العالم بتقليدهم سعيا وراء مكاسب شبيهة، هناك خوف شديد من تبعات هذه الظاهرة على ما حاولت الإنسانية ترسيخه عبر قرون، خاصة فى المجتمعات المتقدمة، من الإعلاء من قيمة العمل، ونشر مبادئ تحث على العمل واحترامه والالتزام بواجباته والتباهى بالتفانى فيها..إلخ. لأنه من المنطقى، ومع ظاهرة المكاسب الفلكية لليوتيوبرز، أن تبهت القيم التى لا تزال بقاياها سائدة حتى الآن، وتتراجع، وتحل محلها بسرعة رهيبة الرغبة العارمة فى تحقيق مكاسب طفرية، بسبل تتعارض بالمطلق مع السعى لترسيخ قيمة العمل، لأن هذه الثروات المستجدة لا تتحقق بالالتزام بمفاهيم العمل التى كان يُروَّج لها، وإنما على أفكار أخرى، لا تهتم إلا بما يعود بمكاسب ضخمة، حتى لو كانت فقرات على يوتيوب عن الخرافة والسحر والعفاريت أو التسلية أو الثرثرة الممتعة أو الاستظراف! وأما إذا كان هناك من يعتبر هذه النشاطات ضمن مصطلح (العمل)، فالمؤكد أنها، على الأقل، لا تتفق مع المعانى السابقة التى كانت تقصد العمل الذى يدخل فى صميم عمليات الإنتاج التقليدية والعلوم الداعمة لها، والتى كان يُرَوَّج لها بأنها تُعلِى من قدر الفرد وتنهض بالمجتمع، حتى لو كانت ستارا لمكاسب أصحاب البيزنس..إلخ.
قبل سنوات من ظاهرة اليوتيوبرز، رصد بعض الباحثين اتجاهات سبقت بهدر قيمة العمل، عندما ظهرت تعاملات، فى مثل مضاربات البورصة، من غير ذوى المعرفة والخبرة، بأمل تحقيق أرباح سريعة دون عمل حقيقى. ورغم أن من نجحوا فى هذه اللعبة أقلية بالنسبة لمن خسروا مدخرات العمر، فإن هناك من ظلوا يدخلون المجال آملين فى الربح مغمضى الأعين عن مآسى الخاسرين.
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب رابط دائم: