رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مصر تستكمل بناء جمهوريتنا الجديدة

إن طى مرحلة الطوارئ، والنجاح فى وأد مسبباتها، يضعنا أمام مسئوليات ومهام جديدة، لاستكمال بناء جمهوريتنا الجديدة، وفى مقدمة تلك المسئوليات أن نراجع أنفسنا، نتعلم من أخطاء المراحل السابقة، ولا ندع سبيلا لتكرار المسببات التى دفعت مصر إلى حالة طوارئ طالت بنا كثيرا، ودفعنا جميعا ثمنها، وأخرت انطلاقة مصر لعقود طويلة، أولى هذه المهام أن نقضى على الحاضنة الفكرية والسياسية والاقتصادية التى فرخت الإرهاب، حتى لا يعود من جديد بعد النجاح الكبير فى استئصاله، وأن نخلِّص التربة من بقايا جذوره وأسباب نشأته، بالتعليم والتربية والفكر العلمى الخلاق، فالإرهاب لا ينمو إلا فى بيئة يسودها الجهل وانعدام الأمل والثقة فى الذات، وهذه مسئولية مجتمعية وحكومية معا.

علينا جميعا أن نبحث ونجتهد ونعمل معا على فتح أبواب الوعي، وعدم ترك تلك البؤر لتعود للظهور والتجدد، وأتمنى من وزارة التعليم أن تضع مادة علمية حول السلوك والأخلاق والقيم وأسلوب التفكير العلمي، لترسى أسسا صالحة لبناء جيل محصَّن ضد تلك الأفكار الهدامة، لننتقل من مرحلة الاستقرار إلى المناعة الفكرية والمجتمعية التى تنظر إلى المستقبل بأفق جديد.

أما المهمة الثانية فهى إقامة حياة ديمقراطية متكاملة، وأن نراجع مسيرة العمل السياسى منذ نشأة الدولة الحديثة، ودراسة أسباب الفهم الخاطئ لدور الأحزاب، التى تجاهلت أهم أدوارها فى ترسيخ القيم الوطنية، وأن يكون التنافس من أجل القضاء على الظاهرة الاجتماعية السلبية، وطرح أفكار وخطط عمل لتجاوز السلبيات التى تجاهلناها، والتركيز على التنافس السلبى بتشويه غيرهم، والبحث عن النقائص أو اختراعها والتضخيم منها، فاعتقدنا أن دور الحزب المعارض أن يقول لا لأى شيء مهما كان إيجابيا، وأن يسعى إلى تلطيخ غيره من الأحزاب، والمكايدة وغرس الضغائن ، والطعن فى وطنية غيرهم، بل امتدت للطعن فى أقرانهم، وبدلا من ترسيخ مفاهيم العمل الجماعى والتنافس على خدمة المجتمع، كان الصراع على التشكيك فى كل شيء حتى فى أنفسهم، مما جعل من ممارساتهم السياسية محنة كبيرة.

وهذه الظاهرة طالت جميع الأحزاب، وكذلك تنظيمات الجماعات الإرهابية، التى لم يسلم منها أحد من تهمة التكفير الديني، وانقلبت على أعضائها، فكل جماعة تكفر الأخرى، أما الأحزاب المدنية فكان ينتشر فيها التكفير الوطنى أو الفكري، والاتهامات بالانحراف والعمالة والخيانة.

ومن هنا نشأت حياة سياسية مليئة بالعيوب فى الفكر والممارسة، وآن لنا أن نتخلص من تلك الظاهرة البغيضة، التى تناقلتها أجيال، وأضرت العمل السياسي، وحالت دون قيام ديمقراطية سليمة تقوم على الحوار البناء والخلاق والتنافس الإيجابى من أجل المنفعة العامة، والارتقاء بالفكر والسلوك، وتقديم النماذج الإيجابية القادرة على العطاء فى حقل العمل السياسى العام.

ولهذا علينا أن ندرس تجربتنا السياسية قبل ثورة يوليو 1952، أثناء الاحتلال، ونستخلص ونعتبر من أسباب فشلها، وأن ندرس تجربة الحزب الواحد، ثم التجربة الحزبية الثانية التى بدأت فى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، ولماذا تعثرت، وهذا ليس دور الحكومات، بل دور الأحزاب والباحثين والمثقفين والإعلام، وأن نتهيأ لتجربة أكثر إيجابية، تتخلص من عيوب الماضي، وتتعلم من تاريخها، ومد جسور الثقة والتعاون من أجل المجتمع، وليس السعى لوضع العراقيل ونشر بذور الشقاق، وتبادل الاتهامات والتشكيك فى كل شيء، وأن نعرف الحدود بين المصلحة العامة ومتطلبات الأمن القومى وبين التنافس الخلاق والإيجابى على تحسين حياتنا فى مختلف المجالات.

فما لا جدال فيه أن المعارضة لا تعنى التطاول والتشكيك والسباب والتشهير واختلاق الأكاذيب، فهذا يضر بها وبالدولة التى تضمنا جميعا، كما أن التأييد لا يعنى تجاهل أى قصور هنا أو هناك، ووصم كل معارض بالخيانة، أو الشك فى أنه يريد إلحاق الأذى أو التعاون والعمل مع من يتربص بالدولة، أو يشمت فى أى حادث أو مُلِمة أضرت المجتمع.


إن تقويم الحياة السياسية وخلق مناخ صحى سيكون نقطة انطلاق مهمة وضرورية لخلق حياة سياسية وإقامة الديمقراطية التى نسعى إليها وطالما حلمنا بها، وعجزنا عن تحقيقها، وأن نبدأ من جديد على أسس تتجاوز أخطاء وعيوب الماضي، فليس دور صحف المعارضة البحث عن نقيصة أو تشويه كل خطوة مهما كانت إيجابية أو النيل من سمعة مسئول، والبحث عن فضائح من أجل الحصول على قراء ومتابعين، فهذه سمة الصحف الصفراء، التى ينبغى أن نبتعد عن أساليبها، كما أن الإعلام الرسمى أو المؤيد لا ينبغى أن يغض الطرف عن أى قصور، وأن يقدم الآراء الإيجابية، ويبحث بنزاهة عن المعلومة الصحيحة، وأن يتسع لآراء مختلفة، ما دامت لا تبتغى إلا المصلحة العامة، وتصويب أى خطأ مهما كان صغيرا، وعندئذ سوف نحصد الكثير من الإيجابيات على صعيد الفكر والسلوك والقيم الوطنية.

أما المَهَمَّة الأكبر والأخطر فتقع على عاتق منظمات المجتمع المدني، والتى يمكن أن يصبح لها دور أكبر ومكمل لمؤسسات الدولة، بأن تتقرب من مشاكل الشعب فى حياته اليومية، وأن تعمل على ترسيخ قيم التعاون من أجل النهوض بالدولة، وأن تسعى إلى المساهمة فى حل المشاكل اليومية بالتعاون مع الجهات المختصة، لتحسين الخدمات، بدءا من مشاكل تكدس القمامة، وإعادة تدوير النفايات، وتجميل الواجهات والقضاء على العادات السلبية فى الشوارع مثل التعدى على الملكية العامة، واحترام نظام المرور، وعدم التعدى على الأرصفة، ومنع ظاهرة استباحة أنهر الشوارع وترك الباعة الجائلين يضعون بضاعتهم فى أى مكان، ودون أدنى اعتبار لشروط الصحة والسلامة، والغش التجارى وبيع السلع الفاسدة، واستغلال الأزمات برفع الأسعار عن طريق تخزين السلع، والهدر الكبير فى المنتجات الزراعية والصناعية، ومتابعة سلامة الشوارع بترميم أى حفرة أو بلاعة مجارٍ أو مطبات عشوائية غير مطابقة للمواصفات ووقف هدر الكثير من مياه الشرب فى غسل السيارات أو رش المياه فى الصيف، والكثير من مظاهر الإهمال التى نعانى منها جميعا.

وكنت أتمنى أن ترفع تلك الإصلاحات عن كاهل الدولة الكثيرمن الأعباء قبل تضخمها، وقبل أن تستفحل، وأن يتم تقديم خدمات للفقراء والأسر المتعففة والفئات غير القادرة، عن طريق الاستفادة من الفائض الزائد عند البعض وإعادة توزيعه، بدءا من الأدوية وحتى البطاطين والملابس والطعام، وقد يرى البعض أن هذه أمور بسيطة لا تستحق الاهتمام، وأراها بالغة الأهمية، وإحدى أهم أدوار الجمعيات الأهلية والخيرية وباقى جمعيات المجتمع المدني، فهذا المجتمع المدنى كان يقدم نماذج وتجارب بالغة الأهمية فى التعليم وتقديم العون وتضميد آلام المرضى والفئات غير القادرة، فلدينا مدارس وجامعات نشأت بالعمل الأهلي، وأطباء بادروا بتقديم خدمات مجانية للمرضى غير القادرين، ومعلمون يساعدون الطلاب المتعثرين بلا أجر، وتنظيم دروس صيفية أو رحلات علمية أو غيرها من الأعمال التطوعية.

لقد كنت أرى كيف يتعاون أهلنا فى مواجهة أى طارئ، عند وقوع حادث مرورى مثلا، فأجدهم ينقلون المصابين ويقدمون الإسعافات ويتبرعون بالدم لإنقاذ حياتهم، ويتعاونون عند اندلاع حريق بشكل سريع وجماعي، فيطفئون الحريق قبل أن تصل سيارات الإطفاء، هذا هو المجتمع المدنى الذى يمكن أن نبنى عليه نموذجنا الخاص، المستند إلى إرث حضارى وتقاليد إيجابية ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، لكنها أخذت تتوارى وتخبو وتتراجع، ويحل محلها مجتمع مدنى دخيل، يأتينا بقيم وأفكار ليست من نبت هذا البلد العريق، ويعتمد على تمويل يأتيه من الخارج، لا نعرف أهدافه، ويمسك به بعض المتكسبين، ويصبح المجتمع المدنى بؤرة فساد وتربح، وهذا مجتمع مدنى لا يأتينا منه غير السلبيات والانحراف عن إرثنا الحضارى فى العمل الخيرى والمجتمعى الذى تناقلته الأجيال، علينا أن نستعيد ونحيى ونطور تلك النماذج الإيجابية ذات الجذور العميقة فى حضارتنا العريقة، لتكون لبنة أساسية فى استنهاض أمتنا، وبناء جمهوريتنا الجديدة.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثــابت

رابط دائم: