رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مازلنا نسمع أصوات أطفال بحر البقر..!

كأننا نسمع أساطير تحدث حولنا.

كل مصرى ومصرية عاش أحداث ما مر به بلدنا بعد ٦٧ حتى عبوره فى 1973. ظلت تؤرقه أصوات أطفال مدرسة بحر البقر، التى جاءت بعد الهزيمة بسنوات، وتحديدا ٨ أبريل ١٩٧٠، أى فى منتصف الزمن ما بين الهزيمة والنصر..

اختلطت فى الأذهان ضحكات، وصراخ أطفال فى عمر الزهور، هاجمتهم طائرات أمريكية يقودها إسرائيليون، فاغتالت حياتهم، وهم فى مقتبل العمر، أبرياء، أطهار، لا يتحملون أى مسئولية، أو وزر- هذا إذا كانت هنالك مسئولية، أو وزر- لكن العدوان الإسرائيلى، والأرض المحتلة فى سيناء، بل الأرض المستباحة.. كل السماء المصرية، وما تحتها، شهدت، فى هذا اليوم، تلك المجزرة البشعة، التى لم يخبُ صداها، وصدى صوتها من ذهن أى مصرى ومصرية، حتى الآن، رغم مرور ٥١ عاما على حدوثها، ورغم أن الرد المصرى لم يتأخر كثيرا، حيث تحمل المصريون، ولم يتأخر ردهم؛ برفض الهزيمة، ومقاومتها، وبناء الجيش، فأنشأوا حائط الصواريخ، الذى اكتمل قبل حرب العبور(73)، واختبرته إسرائيل بطائراتها، فكان يوما أسود على سلاح الجو الإسرائيلى، ويوما مشرقا على الدفاع الجوى المصري..

يومها حمل المصريون (مدنيين وعسكريين) على أكتافهم ٣٠ مليون متر مكعب من أعمال الحفر، والردم، و٣ ملايين متر مكعب من الخرسانة، بخلاف شبكات الطرق.

هذا الحائط أنهى عربدة إسرائيلية فى أجوائنا، استغرقت 3 سنوات، بلا ضمير، أوعقل، كما كان المقدمة، التى ساعدت رجال العبور على إزالة خط بارليف، وعبور القناة. أساطيرنا الجديدة تحتاج إلى أن نسطرها بكل عقولنا، فما كادت مصر تنتهى من إنشاء قناة جديدة لازدواجها مع القناة الأصلية، وتطويرها، لكى تتناسب مع العصر الجديد، وحاوياته المتقدمة، فى إطار مشروعها الضخم تغيير وجه الحياة فى مصر- حتى أنهت عُزلة سيناء بين شطرى القناة؛ عبر الأنفاق المذهلة، التى جعلت الرحلة بين مدن مصر، والقناة، وسيناء، بلا عازل مائى (قناة السويس) لأول مرة فى تاريخنا الحديث. كانت تلك مقدمة لكى نرصد الأساطير الجديدة، والمتنوعة، والمتطورة، التى تحدث يوميا حولنا فى كل مكان، والتى تحدث فى بر مصر كله، ونقف أمامها ليس بانبهار، ولكن، على الأقل، بالإعجاب المفرط، حتى نستطيع أن نواصل المسيرة، ونتقدم. المشروع الجديد يحدث على مقربة من مدرسة بحر البقر الابتدائية بالحسينية- شرقية، ويتم، كذلك، بالقرب من مدينة بورسعيد، على مصرف بحر البقر، وكأن هذه المنطقة على موعد بالأسطورة المتقدمة فى حركة بناء مصر الجديدة، وكأنما دماء أطفالنا، وصراخهم، عقب الحادث المفزع فى السبعينيات، أراد الله- من خلال هذا المشروع- أن يعوض أهاليهم، بل كل مصرى ومصرية، بأضخم محطة معالجة لمياه مصرف بحر البقر، الذى يقع على بعد كيلو مترات جنوب أنفاق بورسعيد الخالدة، والذى تتجمع فيه كل أنواع الصرف التى تأتى من 5 محافظات فى شرق الدلتا (القاهرة، والقليوبية، والإسماعيلية، وبورسعيد، والدقهلية) ( ٣ملايين متر مكعب: ١٫٥ مليون من مياه الصرف الزراعى، و١٫٥ مليون من الصرف الآدمى غير المعالج)، والتى تصب كلها فى بحيرة المنزلة، وبقية البحيرات المصرية، وتختلط بمياه الزراعة، ومياه الشرب، مما يسبب أمراضا كثيرة، وفى الوقت نفسه، مياه مهدرة، حيث فجأة، وقبل نهاية الشهر الماضى، أطلقت مصر مشروع تنقية هذه المياه، ومعالجتها، وإعادة ضخها مياها صحية، وسليمة لزراعة سيناء، فهناك ٤٠٠ ألف فدان تنتظر هذه المياه على أحر من الجمر، حتى تتحول إلى أراض زراعية تغير وجه الصحراء فى سيناء إلى أراض خضراء تغير كل وجه مصر الجديدة. هذا مشروع ضخم يقترب من ٦ ملايين متر مكعب من المياه الصالحة للزراعة والشرب يوميا، وهو ينقذ الدلتا كلها، وبحيراتها، من التلوث البيئى، والزراعى، ويعطى وجها حضاريا ضخما لمصر، وشعبها. نحن لسنا أمام مشروع عملاق، أو عظيم فقط، بل إنه رسالة ذكية من العسكريين، والمدنيين، الذين فكروا فيه، لأنه يخترق ١٠٦ كيلو مترات من محافظاتنا، لينقى مياهها، ويحمينا من التلوث، ويعطى إشارة إلى قدرة المصريين على التغيير، والتطور، وأنهم يحمون البيئة، بل يطورونها، ويقدرون موارد المياه، بل يُعظمون قيمتها، وفوائدها. إنه المصرى المعاصر، الذى مازال يسمع أصوات، وترانيم أطفال بحر البقر، وهم الآن يسعدون بما يحدث على أرضهم، ويشيدون بقدرة أهاليهم على استيعاب المتغيرات، ومواجهة الصعوبات، الذين عندما تعرضوا لهزيمة بنوا الجيش، وحينما تعرضوا إلى تهديد لمستقبل دولتهم هبّوا لإعادة بنائها على أسس حديثة، ومتغيرة، سوف يتكلمون، ويكتبون عنها للأجيال القادمة، حتى يقفوا على حجم ما تحمله سابقوهم من صعوبات، وكوارث، لكى يحافظوا على الوطن، ويتكيفوا مع متغيرات الحرب، والسلام معا.


لمزيد من مقالات أسامة سرايا

رابط دائم: