سيظل عالقا، كثيرا، فى عالمنا، وفى الذهن، أو يعيش طويلا بيننا، خاصة نحن، أو عالمنا فى الشرق عموما، اسم زعيمة ألمانيا، المستشارة أنجيلا ميركل، التى تختم حياتها السياسية الآن، وهى القائدة القوية لبلادها، بعد انتخابات متعددة، وهى القادمة إلى ألمانيا الموحدة من برلين الشرقية، بعد سقوط السور، الذى قسم أوروبا بين الشرق والغرب، ووحدها، بعد أن وحد ألمانيا، وهزم الآثار السلبية للحرب العالمية الثانية، التى كانت بلادها أكثر المتضررين، أو المنهزمين فيها، لتعود ألمانيا قوة عالمية.
أعطت السيدة ميركل علامات ضخمة لمسار ألمانيا العظمى، وهذا يخص بلادها، ويخص دورها الراهن، والمستقبلى، الذى نتعلم منه حقيقة، ولكن ما يخصنا نحن جانب مهم فى شخصية السيدة ميركل، حيث كانت عظيمة فى تصديها العاقل، وبشجاعة متناهية، وإنسانية فائقة، لظاهرة الهجرة، بشقيها الشرعية وغيرها. قبلت أبناءنا، بل فتحت أمامهم أبواب ألمانيا، وأوروبا عامة، وهم الفارون من سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا.. من بلدان الشرق، التى سقطت بعد ما سُمى الربيع العربى، ومن قبلهم الفلسطينيون، والأفغان، والإيرانيون، وقبلهم الأتراك!! ميركل، بتصديها الإنسانى، والسياسى، لقضية الهجرة، كانت رؤيتها أشمل، وأعمق، من كل زعماء العالم، خاصة الأوروبى، أو الغربى كله، ويبدو أنها استفادت من تفكير الكاتب الإفريقى، التنزانى، ذى الأصول العربية عبدالرزاق قرنح، الذى أصبح ملء السمع والبصر فى كل العالم، عندما منحته الأكاديمية السويدية جائزة نوبل للآداب ٢٠٢١، والتى تزامنت هذا العام مع الاهتمام بموضوع الهجرة، فهذا الكاتب كل أعماله الأدبية العشرة، التى خرجت للدنيا، والتى حصل بمقتضاها على هذه الجائزة الرفيعة، حملت هموم المهاجرين، وأحلامهم، والقادمين من بلادنا، فى إفريقيا، وآسيا، حيث العالم الثالث، أو الفقير، والمتطلعون إلى حياة أفضل، وهروبا من بلادهم، التى سقطت تحت أقدام الثوريين، والمتطلعين للتغيير، أو القوى، التى استعمرت الشرق طويلا، ولعقود ٦ متتالية. إن خروج المستشارة ميركل، وانتهاء مهمتها فى رئاسة الحكومة الألمانية، وحصول قرنح على جائزة نوبل, أعاد وضع قضية الهجرة فى مكانتها الإستراتيجية، والسياسية، والإنسانية، التى تستحقها عن جدارة، ولعلى هنا أشير، كذلك، إلى القمة، التى شهدتها بودابست، عاصمة المجر، بين تجمع «فيشجراد» ومصر، أو ما يطلقون عليه فى أوروبا، الآن، (4 v وهو تجمع ملهم للأوروبيين جميعا)، منذ أن قام فى ١٤ مارس ٢٠١٤ ، وجاء ردا على التدخل العسكرى الروسى فى أوكرانيا، حيث خافت أوروبا الشرقية على نفسها من أن تُترك وحيدة فى هذا الصراع العالمى، فتعود إلى الحضن السوفيتى مرة أخرى، بأساليب أخرى، أو تفقد استقلالها، وهويتها، أو خصوصيتها مرة أخرى، مثلما فقدتها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. كانت دعوة تجمع فيشجراد إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، ومصر، دعوة صائبة، وإيجابية، لبت، وحققت، كل أهدافها، فهذا التجمع الأوروبى المميز يحمل رؤى متغيرة لهذا العالم، خاصة أوروبا، وكانت مصر السيسى حاضرة، وبقوة، عندما طرحت على أوروبا، من شرقها إلى غربها، أن تتبنى رؤى جديدة لمساعدة كل دول الشرق، الذى يعانى، وتتساقط بلاده، بتقديم نهضة اقتصادية، وحضارية، جديدة، تحافظ على بلادنا، وتلبى طموحات شعوبها المتطلعة إلى التنمية، والحياة، فلن تستطيع دول الشرق أن تصمد طويلا أمام الضغوط الداخلية الضخمة.. أمام شعوبها المتطلعة إلى حياة أفضل، وكان الطرح المصرى أكثر من متميز، وأكثر من قوى، لأنه ربط بين الدعوة لحقوق الإنسان فى الشرق، وحق الحياة، وتوفير احتياجاته عبر جامعات حديثة. كان الرئيس عبدالفتاح السيسى معبرا عن شعوب الشرق كله، خاصة البلدان العربية، التى كانت أكثر معاناة فى مطلع هذا القرن، بعد سقوط بلادها تحت وقع الحروب، والاضطرابات السياسية، الناجمة عن حروب الإرهاب، وشعوبنا العربية كانت الأكثر تضررا، ومعاناة، نتيجة سقوط الدول، وشيوع الاضطرابات السياسية، ولعل هذا الضرر، وهو الأكثر خسائر، وضحاياه بالملايين، بعد الحرب العالمية الثانية، أكثر من ٢٠عاما، خاصة بعد جريمة سبتمبر ٢٠٠١ ، وسقوط برج التجارة العالمى- دفعت شعوب الشرق الأوسط، خاصة العربية منها، ثمن هذا الحادث الإجرامى البشع. طلب الرئيس السيسى، من شرق أوروبا، وكل أوروبا، أن تلعب البلدان الأوروبية دورا جوهريا، عن طريق إعادة توطين التكنولوجيا، والصناعات الجديدة، والطب، والتعليم الحديث، فى بلدان الشرق الأوسط، فهذا يوقف هذه الحرب الدائرة، ويخفف من وطأة الإرهاب، الذى يتغذى على الحروب، والصراعات، ويقلل من الهجرة، بكل أنواعها، وفى الوقت نفسه، يحقق الهدف من دعوة حقوق الإنسان، التى تتمناها حكومات الغرب، متناسية ظروف، واحتياجات، بلدان الشرق، التى عانت التخلف، والحروب، والصراعات العرقية، والدينية، والإثنية، والتى كانت بلادها أرضا خصبة لكل الدعاوى، التى أعاقت التعاون بين الشرق والغرب، وخلقت الصراعات الدعوية، التى تلاحق شعوب العالم الآن، وفى حالة نجاح هذه الدعوة؛ سوف تُحسب للرئيس السيسى، والسيدة ميركل، فهما يستحقان جائزة «نوبل»، مثل قرنح، ولكن فى هذه المرة من أجل السلام، والتعايش العالمى.
> فوزى فهمى
فى عالم المسرح اسم كبير فى عالم الأدب، والكتابة، والثقافة.. سوف يظل فوزى فهمى علامة كبيرة للثقافة المصرية عامة، والفنون خاصة، ولكن كل من تعامل معه شعر بقيمته الإنسانية، ومكانته الرفيعة، التى تكسب الحياة الإنسانية قيمتها، ومعناها. فى الرحيل تتجدد الأحزان، ولكن ترتفع القيمة، وتتجدد باستمرار، لأننا ندركها وحدها، ونعظم قيمتها، فنراها فى وجود صاحبها بيننا، ويستفيد بها عبر كل مراحل حياتنا، ويتركها لنا صاحبها كلها من أجل أن تعظم مكانتنا، وقيمتنا الإنسانية. فوزى فهمى من هذه الأسماء، ومن هذه القيم الرفيعة، ولذلك حرصت على أن يكون بيننا فى «الأهرام» فى كتاباته، وأفكاره..رحم الله فوزى فهمى، وجزاه خير الجزاء.
لمزيد من مقالات أسامة سرايا رابط دائم: