رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الدعم مستمر مع علاج تشوهات الأسعار

النقاش الدائر حول إعادة تسعير رغيف الخبز المدعوم، الذى يبلغ سعره خمسة قروش، أثار الكثير من الأفكار والمعلومات عن أشكال الدعم، وأتفق مع أهمية استمرار الدولة فى تقديم الدعم لمحدودى الدخل بأشكال ومسارات متنوعة تحقق عدة أهداف، وأول هذه المسارات وأهمها توفير فرص عمل للعاطلين بما يخفف من الحاجة إلى الدعم، وعلى هذا الصعيد تشجع الدولة وتسهم فى عدد كبير من المشروعات الصناعية والزراعية، وتقدم القروض الميسرة، وتدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومن شأن ذلك رفع مستوى معيشة المواطنين وتحقيق عائد كبير، يحوّل محدودى الدخل إلى منتجين يحققون عائدا أعلى وينتقلون من موقع أصحاب الدخول المحدودة إلى أصحاب الدخول الميسورة، وهذا الهدف المهم يحظى بالأولوية فى جهود الدولة، بدءا من الاستثمارات الضخمة فى مشروعات البنية الأساسية إلى المشروعات الإنتاجية الموجهة للمستهلكين والتصدير إلى الخارج، بما يحقق عائدات كبيرة ترفع مستوى معيشة قطاع واسع من المصريين.

أما المسار الثانى فهو تقديم أشكال متعددة من الدعم النقدى مثل مشروع «تكافل وكرامة» الذى تنفذه وزارة التضامن، والذى يبلغ عدد المستفيدين منه أكثر من ثلاثة ملايين وأربعمائة ألف أسرة، ومشروع «تكافل» الذى يبلغ عدد المستفيدين منه حوالى مليونين و110آلاف مستفيد، ومشروع التضامن الاجتماعى الذى يبلغ عدد المستفيدين منه 388 ألفا، وتنظر وزارة التضامن فى ضم أعداد جديدة من المتقدمين للحصول على رواتب شهرية تعين الفئات غير القادرة ومحدودة الدخل، بما يحفظ لهم كرامتهم ويؤمن معيشتهم، وهذا المشروع الاجتماعى يعزز روح التكافل بين الشعب، ويحمى فئاته غير القادرة، ويقدم خدمات صحية إلى تلك الفئات بالتعاون مع وزارة الصحة، بما يجعل التكافل أكثر شمولا لمختلف الجوانب، وهناك مشروعات أخرى لتقديم الدعم للمرأة المعيلة، وفئات أخرى تحتاج إلى الرعاية.

وهذا المسار يحسن القدرات، سواء بمنح قروض أو تقديم خدمات تعليمية وصحية إلى تلك الفئات، مثل محو الأمية والمساعدات التعليمية والفحوص الطبية والعلاج، ويراعى زيادة الدعم كلما ارتفعت الأسعار، مع إدخال تقنيات جديدة تضمن أن يصل الدعم إلى مستحقيه. إن مبدأ تقديم الدولة الدعم للفئات غير القادرة، من رواتب شهرية وقروض ميسرة وتطوير العشوائيات والمشروعات الصحية والتعليمية هو من ثوابت الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهى المشروعات التى زاد فيها حجم الدعم وعدد المستفيدين بأضعاف مضاعفة.

لكن مشكلة التشوه السعرى لها آثارها الجانبية العديدة، فعندما يكون الفرق كبيرا فى السعر بين سلعتين، إحداهما مدعومة وأخرى غير مدعومة، تظهر بسرعة السوق السوداء، وتنمو وتبتلع الدعم، وحسب إحصاءات وزارة التموين الرسمية يستفيد من بطاقات الخبز المدعم 71٫5 مليون مواطن بمعدل 5 أرغفة يوميا وبلغت فاتورة الدعم التموينى فى الميزانية للعام 2020 ــ 2021 نحو 84 مليار جنيه، تشمل 42.5 مليار جنيه لدعم رغيف الخبز، وأشارت مديريات التموين والتجارة الداخلية إلى أن تكلفة رغيف الخبر تبلغ 67 قرشا، بينما رغيف الخبز المدعوم يباع بسعر 5 قروش أى أن الحكومة تتحمل 62 قرشا من تكلفة كل رغيف، فرغيف الخبز المبيع بخمسة قروش تتكلف الدولة فيه شراء القمح والنقل والتصنيع وأجور العمال والطاقة وهذه التكاليف يتم هدرها عندما يتم تهريب الدقيق إلى مصانع الأعلاف أو المخابز المنتجة للخبز غير المدعوم، الذى يباع بأكثر من 20 ضعف الرغيف المدعوم.


فالكثير من الناس يغيب عنهم كون ذلك بوابة للفساد لأننا نستورد سنويا نحو 12 مليون طن من القمح، رغم بذل قصارى الجهود لتقليص الفجوة ما بين الإنتاج والاستهلاك، حتى أصبحنا نحتل المرتبة الأولى عالميا فى استيراد القمح، وتستخدم الحكومة نحو 10 ملايين طن قمح سنويا لدعم رغيف الخبز، ويستهلك المواطن المصرى 180 كيلو من الأقماح تقريبا كل عام، وهو أعلى استهلاك للفرد على مستوى العالم، حيث يتراوح متوسط استهلاك الفرد عالميا من القمح نحو 75 كيلو فقط.

وهناك علاقة طردية بين الفجوة فى الأسعار والهدر فى السوق السوداء، لذا تسعى الدولة إلى علاج التشوهات فى بعض عناصر الدعم، فعلاج التشوه السعرى لا يستهدف إلغاء الدعم، بل يقتصر على بحث الشكل المناسب لوصول هذا الدعم إلى مستحقيه، ويحقق الهدف المنشود، فلماذا لا نناقش آليات تقديم الدعم التى تضمن وصوله إلى مستحقيه، ولماذا لا نشرك عددا من أساتذة الاقتصاد وأعضاء مجلسى النواب والشيوخ فى مناقشة تلك الآليات؟ لأنه لا خلاف فى المبدأ أو التوجه إلى حرص الدولة لدعم الفئات غير القادرة بالتوازى مع العمل على تحسين الأداء الاقتصادى، بما يضمن تنمية حقيقية ومستدامة، ويفتح الأبواب أمام تحسين ظروف المعيشة والحياة لفئات أوسع من الشعب.

أعتقد أن عقد جلسة نقاش علمى حول حجم الأموال المخصصة للدعم وحجم المستفيدين منه بالأرقام بكل شفافية وهدوء سيوضح أن الدعم قد تضاعف، وأن الغاية هى وقف الهدر وتسرب الدعم ومنع استغلاله من جانب فئة قليلة تستفيد من الفجوة السعرية الكبيرة، فهذه الغاية تستحق منا أن نناقش السبيل إليها بكل هدوء وعقلانية، ونطرح البدائل المناسبة والممكنة لتحقيق هذه الغاية، ونغلق كل أبواب الاستغلال.

لقد قرأت الكثير من التعليقات حول المخاوف من حرمان فئات فقيرة من الدعم، وهى مخاوف مشروعة، لكن علينا أن نثق تماما بأن الدولة تعمل بكل وسعها على توصيل الدعم لمستحقيه بل ورفع مستوى معيشتهم، وهذا ما نكتشفه إذا نظرنا بعين التأنى والمراجعة لخطوات التنمية التى شرعت فيها الدولة على شتى المحاور والأصعدة لتحقيق الهدف من الدعم، والشكل المناسب له، حتى يكون فى موضعه، ويقلل من الآثار الجانبية لتلك التشوهات وانعكاساتها على السوق، وألا تخلق فئة من المنحرفين الطامعين فى تحقيق كسب سريع بالاستيلاء على هذا الدعم، وكذلك تحسين المنتج ليكون مناسبا من حيث الجودة.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثابت

رابط دائم: