هناك أسئلة أخرى لا تقل أهمية عن السؤال الرائج منذ أيام الذى يلحّ على معرفة المنطق والأسباب التى دعت بريطانيا أن تُفرِج الآن عن الوثيقة الخطيرة التى تؤكد أن خطط إثيوبيا لفرض سيطرتها على نهر النيل قديمة، وأن الإمبراطور هيلاسلاسى كان يسعى سراً عام 1961 لتشكيل جبهة من دول المنبع ضد مصر والسودان! فأما الأسئلة الأخرى فهى كثيرة ولا يمكن حصرها فى مقال، ومن الأفضل أن تعمل أبحاث مستفيضة على حصرها ودراسة تفاصيلها. منها: لماذا أجَّلَت بريطانيا الإفراج عن هذه الوثيقة ولم تفُضّ سريتها بعد 20 أو 30 عاما، كما يحدث مع الوثائق التى لا توضع تحت توصيف خاص؟ وما هى الخصوصية التى بررت لبريطانيا تأجيل هذه الوثيقة إلى نحو 60 عاما؟ ولماذا تضحى بريطانيا وتكتم معلومات فى الوثيقة تفيدها، فى ذلك الوقت وبعد ذلك، فى رسم صورة إيجابية لها فى مصر والعالم العربى، عن رفضها المخطط الإثيوبى الذى يستهدف إلحاق ضرر جسيم بمصر والسودان، وعن تأكيدها حرصها رسمياً، آنذاك، فى مكاتباتها مع الإمبراطور هيلاسلاسى، على مصلحة مصر، وعن إدراكها لأهمية النيل لمصر، وعن تفهمها لحساسية المصريين تجاه نهر النيل؟ فما هى الحسبة الأهم التى تجعل بريطانيا تضحى ولا تُروِّج حرصها على مصلحة مصر؟ وما هذه القدرة البريطانية الفائقة على ضبط النفس بكتمان هذه الوثيقة، التى تفيدها جزئياً، وبتفضيل أن تبقيها سرية؟ بما يعنى حرص بريطانيا الأكبر، أولاً، على التستر على نيات إثيوبيا التخريبية ضد مصر والسودان، وثانيا، حرمان الدولتين من إدراك حقائق الموقف الإثيوبي، الذى تصرح الوثيقة، وفق سفير بريطانيا فى أديس أبابا، أن نصائح بريطانيا لن يكون لها تأثير لدى الإثيوبيين لأن العلاقات بينهم وبين المصريين بالغة السوء ومن غير المرجح أن تتحسن!
ألا يجوز أن نستنتج، من كل هذا، أن بريطانيا تستهدف أن تبقى مصر والسودان فى أوهام روح الأخوة مع إثيوبيا، بما يعرقلهما عن رصد أن الإثيوبيين يسيرون على الطريق العكسى، ويخططون لإلحاق أكبر ضرر بهما؟.
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب رابط دائم: