رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

جرائم النشر.. تزوير الكتب نموذجًا

أصدرت كتابى الرواية.. رحلة الزمان والمكان .. منذ فترة وجيزة، ولكننى اكتشفت أن مذكراتى تلك قد جرى إعادة طبعها بطرق غير مشروعة حيث استغل لصوص الكتب رواج كتابى فى الأسواق فطبعوا منه نسخًا وإن كان يسهل على من يدقق فيها أن يكتشف أنها نسخ مزورة من شكل الطباعة ودرجة ظلال الصور رغم الإتقان الشديد فى إعداد الغلاف رغم صعوبته، ولقد اتصل بى الناشر الكبير محمد رشاد صاحب الدار المصرية اللبنانية ورئيس اتحاد الناشرين العرب وهو الذى نشر كتابى المشار إليه، وبدأ الرجل صاحب الخبرة الطويلة يشكو ما آلت إليه صناعة النشر من اختراقات وألاعيب، وكيف أن معظم الكتب خصوصًا تلك الرائجة منها يجرى إعادة طبعها بطرق غير مشروعة وفى الظلام لتنتشر فى الأسواق وتسبب خسائر فادحة للناشرين أولًا والمؤلفين ثانيًا، وأنا أتذكر أن الناشر الكبير المهندس إبراهيم المعلم صاحب دار الشروق كان يشكو من ذات الأمر منذ تسعينيات القرن الماضى بما يعنى أن الظاهرة ليست جديدة ولكنها استفحلت مؤخرًا حتى نجد أن للكتاب عشرات الأسعار المختلفة وفقًا لجهة التزوير أو مستوى الأرباح التى يحددها المتلاعبون بالكتاب المطبوع الذى لازال يجلس على العرش رغم محاولات إزاحته من وسائل التواصل الجديدة ولكنه يبقى مع ذلك خير جليس فى الزمان، وأنا ممن يؤمنون أن الكتاب الورقى المطبوع لن يختفى أبدًا لأن عمره يمتد منذ اختراع آلة الطباعة عام 1440 ميلاديًا على يد (يوحنا جوتنبرج) لننتقل من مرحلة المخطوط بخط اليد إلى الكتاب المطبوع بالوسائل الحديثة، وأنا أتذكر أننى قرأت لـ د.جمال العطيفى - رحمه الله - دراسات فى جرائم النشر وتزوير الكتب منذ أكثر من أربعة عقود، كما أن المحامى اللامع د. شوقى السيد - أطال الله فى عمره – هو ركن ركين فى قضايا النشر وجرائم الاعتداء على الكلمة المطبوعة ولعله أقدر منى ومن غيرى فى فهم سراديب تلك الجرائم والأساليب المقترحة لعلاجها، ويهمنى أن أرصد هنا الآثار السلبية لتزوير الكتب وأهمها ما يلي:

أولًا: إن صناعة النشر مهددة بالانهيار والتوقف نتيجة ازدياد تفشى ظاهرة تزوير الكتب ورقيًا مع ازدياد أعداد القراصنة الذين يسرقون حقوق المؤلف والناشر فى وضح النهار، فالتزوير قد تسبب فى خسائر فادحة للعشرات من دور النشر بما أدى لغلق بعضها بسبب خسائرها المتزايدة لأنها لا تستطيع – والحال كذلك – الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الدولة من ضرائب وتأمينات وغيرها، فضلًا عن توفير المصروفات الأساسية والرواتب اللازمة لاستمرار نشاطها بما يعود بالخسارة على الاقتصاد القومى فى النهاية.

ثانيًا: برزت ظاهرة جديدة فى السنوات الأخيرة إذ إن معظم إصدارات الناشرين يتم تزويرها إلكترونيًا حيث يتم تحميلها بالصيغ الفنية الحديثة المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات ثم إتاحتها للجمهور عامة على الرغم من أن تلك الكتب تتمتع بالحماية القانونية، وبذلك يتم الاعتداء على عشرات الآلاف من الكتب المحمية قانونيًا دون إذن من مؤلفيها أو ناشريها، كما تجرى محاولات عبر مواقع التواصل الاجتماعى وصفحات الإنترنت لانتهاك قوانين حقوق الملكية الفكرية التى كفلتها كافة القوانين الوطنية والمواثيق الدولية وذلك يستقطع من الناشرين والمؤلفين ما يزيد على ثمانين فى المائة من دخولهم بما أصبح يشكل خطرًا داهمًا على صناعة النشر نتيجة إحساس الناشرين والمؤلفين بعدم وجود مردود مالى لجهودهم أو استثمار إمكاناتهم.

ثالثًا: تؤدى ظاهرة التزوير إلى إهدار أموال الدولة نتيجة ضياع حقوقها الضريبية وتخفيض القيمة المضافة للناتج القومى، خصوصًا عندما يتوقف الناشرون عن الإنتاج ويغلقون منشآتهم، كما تؤدى ظاهرة التزوير إلى هدم صناعة التأليف والنشر بما يستبعد الكتاب العربى ويخلى الساحة للناشر الأجنبى إلى جانب انكماش حركة النشر باللغة العربية وتراجع الدور القومى وإسهام العرب فى حضارة العصر من خلال عدد العناوين السنوية التى تصدرها المطابع العربية.

رابعًا: لا تتوقف الآثار السلبية عند الذى ذكرناه إذ إن الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية يؤدى على المستوى الدولى إلى وقوع البلاد تحت طائلة العقوبات الدولية، لأن المزورين لم يكتفوا بتزوير وتقليد الكتب المصرية والعربية ورقيًا وإلكترونيًا بل تعدى ذلك لدور النشر الأجنبية ووصل بعضهم من التبجح إلى عرض تلك الكتب المزورة داخل بلادها ثم تصديرها للبلاد العربية وعرضها فى معارض الكتب السنوية.

خامسًا: لا يخفى علينا أن النشر له أبعاد ثلاثية فهو صناعة وتجارة وثقافة ومن خلال هذه الأضلاع الثلاثة يتشكل المكون الفكرى من عصارة عقول المؤلفين وخبرات وجهود الناشرين وبذلك فإن التزوير يضرب العملية برمتها فى مقتل ويؤدى فى النهاية إلى مشهد عبثى كالذى نعيشه الآن، خصوصًا أن المزور هو لص يسرق المؤلف والناشر إذ لا يتحمل تكاليف إعداد وتجهيز الكتاب للنشر وسداد حقوق المؤلف والوفاء بالتزامات الدولة من ضرائب وتأمينات وغيرها بما يجعل الأمر فى النهاية ظاهرة عالمية وكارثة قومية.

إننا نطالب بإعادة النظر فى قوانين حماية حقوق الملكية الفكرية فى البلدان العربية عامة وفى مصر خاصة بالنسبة للقانون رقم 82 لسنة 2002 وذلك بتغليظ العقوبات لمنتهكى حقوق الملكية الفكرية لتتناسب مع حجم الأضرار التى يسببها المزورون للمؤلفين والناشرين مع حث الجهات الأمنية ورجال النيابة العامة فى كل دولة على تكثيف الحملات التفتيشية على المطابع ودور النشر التى يستخدمها القراصنة ورفع درجة الوعى العام بهذه القضية الهامة من خلال تدريس حقوق الملكية الفكرية فى المناهج الدراسية للأجيال الجديدة حتى يتعودوا احترامها وفهم أبعادها.. أيها السادة إنها قضية أمن قومى ومصلحة عليا للبلاد حفاظًا على صناعة النشر وتجارة الكتاب وثقافة الكلمة.


لمزيد من مقالات ◀ د. مصطفى الفقى

رابط دائم: