رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ثلاثة أحداث توضح ملامح حكمة مصر وصلابتها

منذ نزولى أرض مطار بغداد لم أشعر أنى خرجت من مصر ، بل شعرت بالمزيد من المودة والترحاب، فكل من يعرف أنى مصرى يكاد يأخذنى بالأحضان، دون أن يعبأ بمخاطر الإصابة بوباء كورونا، والإجراءات المشددة للحيلولة دون انتشاره.

ولم تقتصر تلك المشاعر الودودة والمحبة على العراقيين، بل شملت جميع العرب الذين التقيتهم فى العاصمة العراقية بغداد وهم كثيرون ومن مختلف بقاع منطقتنا العربية، وشعرت وأنا أسير فى شوارع بغداد بنفس مشاعر اللقاءات الرسمية التى تسودها الثقة والود والدفء، فالعلاقات بين البلدين ظلت على عمقها رغم كل الظروف والأحداث التى شهدتها المنطقة فى العقود الصعبة الأخيرة، وكان العراق دوما يستقبل المصريين بكل حفاوة، ويعتبرهم جزءا من نسيجه.

فالعمالة المصرية كانت تدخل العراق بلا تأشيرة ولا إجراءات، وكان يستقبل الملايين من المصريين الذين يصعب حصر أعدادهم، فهم فى كل مكان، وتوجد أحياء وشوارع فى بغداد تحمل أسماء وعادات المصريين، من المقاهى إلى المطاعم والكثير من التفاصيل، وهذا الود وتلك المحبة لا تجدها مقصورة على طائفة عراقية واحدة أو جماعة إثنية، فكل العراقيين بمختلف طوائفهم وأديانهم وتنوعهم يحملون الكثير من التقدير والمحبة لمصر.

وهناك آمال واسعة بأن تتعمق العلاقات المصرية العراقية، وأن تصبح اتفاقيات الشراكة والتعاون الاقتصادى مجسدة فى مشروعات ضخمة وطموح، وأن تشارك مصر بشكل كبير فى إعادة إعمار ما تم تدميره فى العراق سواء بفعل الحروب المتوالية أو العمليات الإرهابية والمعارك الدامية والطويلة مع الإرهاب، وأن يستعيد العراق عافيته ومكانته، وجاء التفاؤل من الدور المصرى من كون البلدين يسعيان إلى رأب الصدع بين الدول العربية على أسس من الأخوة ونبذ الخلافات، وإعادة الثقة بين الأطراف التى تباعدت كثيرا، مما سهل استغلال تلك الثغرات فى الوقيعة وإشعال الأزمات، وكان العراق ساحة خصبة لتلك الأزمات العنيفة لطول ما عاناه من حروب وصراعات، وأصبح مسرحا للاشتباكات الإقليمية والدولية، وتكبد العراقيون أثمانا باهظة نتيجة تلك الاستقطابات والأزمات التى أصابت بلدهم، لكنها علمتهم الكثير من العبر والدروس، وهى النأى بالنفس عن الصراعات، ونسج علاقات متوازنة بين الفرقاء والسعى إلى التقريب بين الأشقاء، وأن يكون التعاون هو الأساس ومصدر الخير للجميع، بدلا من إهدار الثروات على الصراعات التى لا رابح فيها، فقد دفع العراق أثمانا باهظة، وآن له أن يرمم تلك الندوب ويعالج الجراح.

وكانت مصر فى طليعة الساعين لتعزيز علاقات التعاون والصداقة بين البلدين، فهناك مشروعات ضخمة يجرى تنفيذها وأخرى الإعداد لها، منها الربط الكهربائى والمشروعات المشتركة، فى مجالات البناء والطاقة والصناعة والزراعة والخدمات، وكل الأطراف فى العراق والمنطقة تحفز تلك العلاقة بين مصر والعراق، فالكل يثق فى السياسة المصرية، وأنها لا تحمل أى أجندات أو رغبة فى تحقيق غاية خاصة على حساب أشقائها، إنما تبادلهم حبا بحب، وتتمنى عودة الوئام والاستقرار بسرعة إلى المنطقة، بما يحقق الخير للجميع.


الثقة التى وجدتها فى بغداد فى الدور المصرى الذى يأمل الجميع فى تعزيزه لمسته عند جنوح الناقلة العملاقة «إيفرجيفن» فى قناة السويس، فقد لمست كل دول العالم أهمية القناة، وكان كل يوم يمر يضرب الاقتصاد العالمى ويلحق به الخسائر، وارتبكت حالة التجارة العالمية، وتصدرت أخبار جنوح الناقلة عناوين صحف وقنوات العالم، وتبارت كل البلدان لتقديم العون، لكن السواعد المصرية القوية كانت تسابق الزمن، وتصل الليل بالنهار فى عمل معقد وشاق ومتواصل، حتى تكللت الجهود بالنجاح رغم الأخبار المشككة التى كانت تحاول إشاعة أجواء من التشاؤم، وتعتقد أن الأمر سوف يستغرق أسابيع بل شهورا، لأن ناقلة بتلك الحمولة الضخمة لا يمكن تعويمها خلال أيام، لكن خابت ظنون هؤلاء، وتمكنت السواعد المصرية الخبيرة والعفية من تعويم الناقلة العملاقة، لتنطلق صيحات الفرح ليس فى مصر وحدها، بل فى كل بلدان المنطقة والعالم، مشيدة بجهود المصريين، ورغم هذا النجاح الكبير والجهد الشاق، والخبرة الكبيرة لرجال مرفق قناة السويس، ومتابعة الرئيس الدقيقة لكل خطوة فإن هذا النجاح لن ينسينا أن علينا توفير المزيد من المعدات، خصوصا القاطرات العملاقة، حتى نكون على أهبة الاستعداد لأى طارئ، وهذا ما أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى عقب النجاح المبهج، فالفرحة لا تنسينا تدارك أى نقص أو خطأ، وأن يكون التأهب الدائم هو هدفنا، وأن الأفضل من القدرة على تجاوز أى طارئ أن نتجنب وقوعه أولا، ثم توافر الإمكانات لسرعة تدارك أى طارئ، وهذا هو مفتاح التقدم، فالدروس المستفادة من الحادث لا تقل أهمية عن النجاح فى تجاوزه.

الحدث الأهم الذى كان حديث العالم كله كان التحذير الذى أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسى بأن مصر لن تفرط فى نقطة مياه واحدة، وأن إقدام إثيوبيا على المساس بالحقوق المصرية فى مياه النيل سيكون له تداعيات خطيرة على استقرار وأمن المنطقة.

هذا التصريح القوى والواضح جاء بعد جولة طويلة من المباحثات، تحملت فيها مصر مراوغات الجانب الإثيوبى وسعيه إلى كسب الوقت، وانتقاله من جولة مباحثات إلى أخرى، والاكتفاء بالتصريحات، بينما لا تخطو باتجاه اتفاق محدد وملزم يأخذ بعين الاعتبار الحقوق المصرية والسودانية، لكن الصبر المصرى جاء تفسيره بصورة خاطئة، فمصر كانت حريصة ومازالت على أن يتحقق النماء والخير للجميع دون إضرار بأى طرف، وطرقت كل السبل، وكانت حريصة على الهدوء وعدم إطلاق تصريحات تعكر صفو العلاقات، لكن الجانب الإثيوبى مضى فى طريق آخر، غير مكترث بالعواقب التى يمكن أن تحدث نتيجة تلك المراوغات، والتهرب من أى اتفاق ملزم يراعى حقوق الجيرة والقوانين الدولية، بل أطلق المسئولون الإثيوبيون تصريحات مستفزة، فكانت الكلمة القوية والحاسمة من جانب الرئيس السيسي، والتى ستظهر نتائجها بسرعة، وتحرك المياه الراكدة، وتدفع الجهود الإقليمية والدولية من أجل التوصل إلى اتفاق يضمن لمصر والسودان عدم حدوث أى ضرر، وأن تضع حدا لتلك المماطلات الإثيوبية لأن عاقبتها ستكون وخيمة، وسترحب مصر بأى اتفاق يضمن التنمية والاستقرار لكل الأطراف، على أساس من الاحترام والتعاون وليست النظرة الأحادية والأنانية الضيقة والمضرة بالجميع، فالقيادة المصرية مثلما تتحلى بالصبر والحكمة، فإنها أيضا تتمتع بالقوة والقدرة والإرادة التى تحمى مصالح مصر وحقوقها.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثابت

رابط دائم: