لكنه في النهاية غرس في قلبها سهما مجنونا ليقضي علي آمال ضاقت عنها الدنيا باسرها ، وانتهي كل شيء في لمح البصر وايقظها الحبيب من غفوتها بالغدر الرهيب حتي انطفأ داخلها اخر شعاع للشمس
تخرجت في الجامعة ثم التحقت بالعمل بها كأستاذة جامعية في كلية التربية بجامعة حلوان ، وبدأ الخُطاب يتقدمون إليها، لكنها لم تجد في أحدهم ما يدفعها للارتباط به ، حتي جرفها العمل وانشغلت به عن كل شيء ، وزاد علي ذلك مرض والدتها المسنة التي كانت لا تقوي علي الحركة ، وكانت الفتاة تسهر علي خدمتها وراحتها، حتي بلغت منتصف الثلاثينيات من عمرها، وبدأت تعاني تأخر سن الزواج ، والتوجس من أن يفوتها قطار الزواج.
كانت فتاة جميلة ذات خلق تذهب من البيت إلي الجامعة ، ومن الجامعة إلي البيت التي كانت تعيش فيه برفقة والدتها المسنة ، وعندما تدهورت حالة والدتها الصحية بعد إصابتها بعدة أمراض ، اضطرت علي أثرها الفتاة أن تتعاقد مع طبيب بشري كي يداوم علي علاج والدتها في المنزل.
وظل هذا الطبيب الشاب الذي كان في أوائل العقد الثالث من عمره، يتردد علي منزل الفتاة لعلاج الأم بشكل مستمر حتي أصبح قريبا منهما، وجزءا من تلك الأسرة الصغيرة، حتي شعرت الفتاة بأن قلبها قد اهتز للمرة الأولي تجاه هذا الطبيب، فنشأت بينهما قصة حب قوية رغم أنها تكبره في العمر بسبع سنوات.
وبعد أن أحبا بعضهما طيلة أربع سنوات، وتعلقت به بشدة حتي أحبته حبا جنونيا، وبادلها نفس المشاعر، فلم تعرف معني الحب الحقيقي إلا معه، رغم فارق السن الكبير بينهما، ظلا يتحدثان معا لساعات وساعات، وكانت تذهب معه في كل مكان، وإذا لم يهاتفها تليفونيا أو لم تره لفترات طويلة كانت تمرض ولا تطيق نفسها ولا من حولها، لأنها لا تشعر بالسعادة والأمان إلا في قربه.
أحبته حبا جما ، وصارت لا تطيق فراقه لحظة ، خصوصا بعدما تطورت علاقتهما ووعدها بالزواج منها، وحلمت كأي فتاة بالاستقرار وبناء مملكتها الخاصة بها وباليوم الذي يجمعها بحبيب العمر كي يهنآ معا وينجبا البنات والبنون ويكملون مسيرة الحياة ، ويكونا أسرة سعيدة علي قدر عال من الثقافة والعلم.
وبعد مرور أربع سنوات علي حبهما ، حتي صار عمرها 37 عاما، جاءت رياح الحياة بما لا تشتهي السفن، وبين ليلة وضحاها انقلبت حياة الفتاة رأسا علي عقب ، فبعد أن شربت من كأس السعادة والحب والحنان والأمل ، سرعان ما تجرعت كأس الغدر والإهمال وخيبة الأمل ، من حبيب عمرها الذي دق قلبها له.
ولوّن المرار طعم حياة الأستاذة الجامعية عندما بدأ حبيبها الطبيب الشاب في التغير تجاهها، فلم يعد يحبها مثلما كان، بل واعتاد الغياب عنها وإهمالها لأيام طويلة، حتي أهمل في متابعة وعلاج والدتها المسنة، فاشتاطت الفتاة منه غضبا عندما شعرت بالإهانة من إهماله لها دون مبرر واضح، وعندما حاولت معرفة أسباب هجره لها وبعده عنها كان لا يجيبها ، ولم يثلج صدرها الذي أشعل فيه نار الظنون، فظلت تحاول الاتصال به هاتفيا ، وعندما تجاهل اتصالها داومت علي إرسال رسائل هاتفية لكنه أبي ولم يجبها قط !
مرت الأيام وهي تلاحقه بكل وسائل الملاحقة الممكنة ، كي تذكره بحبه لها ، وسنوات العشرة بينهما، وأنها لا تقوي علي العيش بدونه أو الارتباط بشخص غيره بعد أن أصبح لها كل حياتها، وبأنها لم تتحمل فكرة أن تكمل باقي عمرها بدونه أو حتي مع رجل آخر غيره، وهنا لم تعرف الفتاة ماذا تفعل بعد أن أيقنت أن هناك بالفعل شيئاً قد تغير ، ولكنها كانت تحاول إقناع نفسها بأن حبيبها ربما يكون مشغولا أو أنه يمر بضائقة وسوف تنتهي وسيعود إليها قريبا، بل كانت توهم نفسها دائما بأنه لا يقوي علي فراقها، وهرعت تبكي ألما ووجعاً حتي انهارت، في حين أنها مقتنعة بأنها لم تفعل شيئا اضطره لأن يتخذ قرارا بفراقها وتركها وحيدة في زمن قست فيه القلوب وتبلدت فيه المشاعر ، وطغي فيه حب المنفعة.
ومرت الأيام وهي في صراع نفسي وذهني لا يقوي عليه أحد، فلم تتخيل أن يكون هذا الشاب الذي أحبته من قلبها بصدق، قد سرق منها فرحتها وأحلامها وآمالها، وأنه كان غير جاد في علاقته بها، وأن حياتهما معا كانت مجرد نزوة سرعان ما انتهت بالفشل، حتي فاقت من أحلامها علي صفعة قوية تلقتها من حبيبها الغادر الذي أحبته بشدة، تلك الصفعة أنستها أنها أستاذة جامعية وأكاديمية تربوية، وفكرت فقط أنها إنسانة خُدعت وسرق عمرها وضاعت أحلامها هباءً بعد أن تركها شريدة في هذه الحياة، فما عادت تقوي علي التفكير حتي سيطر علي تفكيرها الانتقام والثأر لكرامتها.
فكرت في حيلة تعيد بها حبيبها إلي حياتها، ولكن بوسيلة يصعب علي أستاذة جامعية أن تفكر فيها، ربما فكرت بعقل فتاة خذلت من حبيبها، فقررت أن تذهب إلي قسم شرطة 15 مايو وحررت ضد حبيبها الطبيب محضرا كيديا تتهمه فيه بسبها وقذفها، ظنا منها أنها بتلك الحيلة ـ غير مدروسة العواقب ـ قد تضغط عليه ومن ثم قد تعيده إليها مرة أخري، إلا أن بتصرفها الماكر هذا قد زادت من كره حبيبها لها ونفوره منها فبادلها بمحضر مماثل واتهمها فيه بسبه وقذفه.
وعندما علمت أنه حرر محضرا ضدها واتهمها بالاتهامات نفسها، جن جنونها، فلجأت إلي أفكار شيطانية، مغلفة بروح الانتقام وأصرت علي تدمير مستقبل هذا الطيب الذي كان يوما ما حبيبها حتي أصبح ألد أعدائها، فقررت أنها تستغل صورة ضوئية من بطاقة الرقم القومي الخاصة بالطبيب كانت بحوزتها من قبل، واشترت بها خط محمول باسم الطبيب الشاب، واستحضرت أرقام هواتف كل ضباط الشرطة التي كانت تعرفهم مسبقا، وبدأت في تنفيذ مخططها الشيطاني بأن ترسل من هذا الهاتف رسائل نصية إلي ضباط الشرطة تحمل تهديدات خطيرة لهم، بل توعدت فيها بالانتقام منهم وقتلهم، فحملت إحدي الرسائل عبارات منها :«أيامكم قربت .. مرسي راجع لكم وحينتقم منكم..» وغيرها من عبارات التهديد لضباط الشرطة.
قام أحد الضباط بالتحري عن صاحب الهاتف وبيانات خط المحمول حتي توصل إلي اسم وعنوان الطبيب الشاب، وتم إصدار قرار بضبطه وإحضاره إلي قسم شرطة مايو، وعندما توجه الطبيب إلي قسم الشرطة وعلم الأمر، أنكر تماما معرفته وصلته بتلك الرسائل، وأنه لا يحمل هذا الخط ولا يعرف مصدره، إلا أنه استشعر أن حبيبته السابقة وراء هذا الفعل المريب، فأبلغ ضباط قسم الشرطة، بأنها كانت تلاحقه وتهدده وتتوعد بالانتقام منه ، وأنها دأبت علي تحرير محاضر كيدية ضده، كي تعيده إليها مرة أخري ويرتبط بها ، فأمرت نيابة 15 مايو باستدعاء الأستاذة الجامعية لسماع أقوالها وردها علي اتهام حبيبها لها بأنها وراء الرسائل التهديدية لبعض ضباط الشرطة، وبالفعل حضرت الفتاة ومثلت أمام النيابة.
وفي بادئ الأمر أنكرت صلتها بالرسائل التهديدية، إلا أنها اعترفت بعد ذلك وكشفت عن حيلتها ومحاولتها الانتقام من حبيبها وحبسه وتدمير مستقبله المهني والاجتماعي، انتقاما منه علي تركه لها ، لتؤكد لنا الحكمة التي تقول:»من الممكن أن يصبح صديق اليوم عدو الغد»، وبناءً عليه أصدرت النيابة أمرها بحبس الأستاذة الجامعية 4 أيام علي ذمة التحقيقات ، لنجد أنفسنا أمام فتاة نظن أنها لم تعرف للحب عنـوانا ولا للشوق مدي، ولا لمستواها الأكاديمي والتربوي اعتبارا ، بل ونجد أنفسنا أيضا أمام طبيب شاب لم يذق يومـا طعم ألم وفراق الأحباء.