رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الحقوقُ المتعلقةُ بالتَرِكَةِ

التَرِكَةُ: هى ما يتركُهُ الميتُ مِن الميراثِ. وتتعلق بها حقوقٌ أربعةٌ: الأول: حقُّ تجهيزِ الميتِ، فأولُ ما يَنبغى أنْ يُخرجَ مِن تَركتِهِ قدْرُ ما يُجهَّزُ به مِن غسلٍ وتكفينٍ ودفنٍ ونفقاتُ حملِهِ ونقلِهِ إذا مَاتَ خارجَ بلدِهِ واحتاج إلى نقلِهِ، ويدخلُ فيها أيضًا شراءُ قبرٍ إنْ لم يكنْ له قبرٌ.

وفى هذا مراعاةٌ لصاحبِ المالِ وصون لجسدِهِ وهو الآلةُ التى كانتْ بها عبادتُهُ للهِ وعمارتُهُ فى كونِ اللهِ تعالى، كما أنَّ فيه بيانًا لقيمةِ السِّترِ.

ويُراعَى فى كفنِهِ أنْ يكونَ مناسبًا لحالِهِ دونَ إسرافٍ أو تقتيرٍ. ولا يُخرجُ مِن التركةِ مصاريفُ الجنازةِ والتأبينِ لأنَّ هذا أمرٌ زائدٌ على التجهيزِ، والمالُ صارَ مِن بَعدِهِ مِلكًا لورثتِهِ.

وفى هذا حكمةُ مراعاةِ الحقوقِ فى جانبِ الأحياءِ والأمواتِ، وإظهارٌ لقيمةِ العدلِ التى لا تُحابى أحدًا على حسابِ أحدٍ.

الحق الثاني: قضاءُ الديون، وهى قسمانِ: ديونٌ للهِ تعالى كالنَّذْرِ والكفارةِ والزكاة..، وديونُ الناسِ الناتجةُ عن القرضِ أوِ المعاملةِ، والذى عليه الإفتاءُ أنَّ سدادَ ديونِ العبادِ مُقدَّمٌ على سدادِ حقوقِ اللهِ تعالى المتعلقةِ بالمالِ كالزكاةِ وكفارةِ اليمينِ وغيرِهِما؛ لِسَعةِ رحمةِ اللهِ تعالى بعبادِهِ، ورجاءَ عفوِهِ.

وفى هذا أيضًا بيانٌ لقيمةِ الحفاظِ على الحقوقِ، وهو مقصدٌ شرعيٌّ، وفى الحفاظِ عليه استمرارٌ لبقاءِ التعاملِ والإحسانِ بينَ الناس، فإذا تيقنَ الدائنُ أنَّ الشرعَ سَيَردُّ عليه مالَه حتى مع موتِ المدِينِ فإنه لن يَخشَى ضياعَ مالِهِ بالإقراضِ.

ثم إنَّ هذا يعلمنا قيمةَ الوفاءِ حيثُ أوجبَ الشرعُ عليهم الوفاءَ بهذهِ الديونِ، وفاءً بحقوقِ الدائنِينَ، ووفاءً بذمةِ المدينِينَ الذين عمِلُوا مِن أجلِ تحصيلِ هذا المالِ وتركوه لِمَن وراءَهُم.

والحقُّ الثالثُ: الوصايا التى يُوصِى بها الميتُ، وقد راعَى الشرعُ فيها الجانبيْنَ معًا: جانبَ المُتَوفَّى الذى كسبَ المالَ، وجانبَ الوارثِ الذى تملَّكَ المالَ بموتِ مُورّثِهِ، فشرَعَ اللهُ تعالى أنْ تُنفذَ الوصيةُ فى حدودِ الثلثِ، وها هو سيدُنا سعدُ بنُ أبى وقّاصٍ - رضى الله عنه - اشتد به المرضُ فى عام حجة الوداع وخشى أن يموت فقال لسيدِنا رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يا رسولَ اللهِ بلَغ بى مِن الوجعِ ما ترَى، وأنا ذو مالٍ، ولا يَرثُنى إِلا ابنةٌ لى واحدةٌ، أفأتصدَّقُ بثُلُثَى مالي؟ قال: «لا.» قلتُ: أفأتصدَّقُ بشَّطرِه؟ فقال: «لا». قلتُ: فالثُّلُث؟ قال: «والثلثُ كثيرٌ؛ إنَّك أَنْ تَذَرَ ورثتَكَ أغنياءَ خيرٌ مِن أَنْ تَذرَهُم عالةً يَتكففُونَ الناس» (متفق عليه).

ثمّ الحقُّ الرابعُ هو الميراثُ، وقد شرَعَ اللهُ تعالى له نظامًا حكيمًا قويمًا، ومِن حِكَمِ هذا عدمُ التنازعِ، فكلُّ إنسانٍ يعلمُ ما شُرِعَ له وما يَستحقُّهُ فلا يَحِيفُ قويٌّ على ضَعِيف، أو قادرٌ على عَاجز، وهذا يُعلّمُنا قيمةَ وضعِ النظمِ التى تُنظّمُ الحقوقَ فتَرفعُ ما قد يَقعُ بينَ الناسِ مِن نزاعاتٍ وأحقادٍ.

وجعلُ تَركةِ الميتِ ملكًا لأفرادِ ورثتِهِ مِن بعدِهِ يُعلمُنا احترامَ قيمةِ الملكيةِ، والحفاظَ على المالِ وحقوقِ الأفرادِ فيه، وهذا من مقاصدِ الشريعةِ الإسلاميةِ.. نعم فمن مقاصدِها حفظُ المال وحفظُ الحقوقِ وحفظُ الملكيات الخاصَّةِ والعامَّةِ.

وفى هذا أيضًا مراعاةٌ لصاحبِ التركةِ ولأهلِهِ مِن بعدِه فهو يعلمُ أنَّ مالَه لن يضيعَ سدًى وإنما هو مِن بعدِه لأمسِّ الناسِ صلةً به، وقرابةً له.

وفى نظامِ الميراثِ إعلاءٌ لعَلاقةِ الزوجيَّةِ حيثُ جعَلَ الزوجيَّةَ (النكاحَ) سببًا فى الإرثِ كالقَرابةِ تمامًا، وفى هذا بيانٌ لمدَى هذه الصلةِ التى جعَلَها اللهُ تعالى آيةً مِن الآياتِ الدالَّةِ على رُبوبيتِهِ وكمالِ قُدرتِهِ. قال سبحانه: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا..» (الروم: 21).


لمزيد من مقالات د. يوسف عامر

رابط دائم: