رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

اجتهادات
كم كان مُخاضًا صعبًا

لم يكن إقرار مبدأ الاقتراع العام، أو حق جميع المواطنين فى الانتخاب، سهلاً. كان الطريق إليه وعرا، وليس مُعبَّدًا. واجه مقاومة ضارية من أصحاب المصلحة فى استمرار هيمنة قلة قليلة تحكم بالوراثة، أو باسم الدين، أو عن طريق التغلب. وهذا فى حد ذاته دليل على أهمية الدور التاريخى لمبدأ الاقتراع العام فى تغيير طبيعة المجتمعات البشرية، ونقلها إلى مرحلة لم تكن مسبوقة. هذا ما يراه الصديق آرام إسماعيل أستاذ تاريخ القانون فى جامعة جان مونيه فى تعليقه على اجتهاد (الفرق بين المجتمع والجماعة).وهذا صحيح. الاقتراع العام ليس مجرد إجراء ديمقراطى يعتبره البعض شكليًا، ويقلَلون قيمته على هذا الأساس، وإلا ما وُلد بعد مخاض بالغ الصعوبة. مخاض استمر لأكثر من قرن، منذ أن كان هذا المبدأ جنينًا فى أوائل القرن التاسع عشر، وحتى اكتمل وعُرف فى أنحاء العالم فى منتصف القرن العشرين. فقد مر إقراره بمراحل عدة، يمكن أن نتبينها بسهولة فى فرنسا حيث بدأ هذا المخاض عقب ثورتها الكبرى عام 1789. كان مُكبلاً فى المراحل الأولى بقيود الجنس والملكية والسن. فقد حُصر فى تلك المراحل فى الذكور الذين يُسددون ضريبة سنوية محددة وتتجاوز أعمارهم 25 عامًا. هكذا نص أول مرسوم يبيح ممارسة حق الانتخاب العام، وكان فى سبتمبر 1791 فى فرنسا. وشهدت تلك المراحل تقدمًا وتراجعًا إذ نص إقرار مبدأ الاقتراع العام فى خط متعرج، وليس مستقيمًا. فعندما طُويت صفحة الثورة الفرنسية وأُسقطت الجمهورية الأولى، وعادت أسرة البوربون الملكية إلى الحكم عام 1814 رُفع النصاب الضريبى اللازم لممارسة حق الاقتراع، وكذلك من يحق له أن يمارسه إلى ثلاثين عامًا. وخُفض كل من الضريبة والعمر مرة أخرى عام 1830. وكان ضروريًا انتظار الجمهورية الثانية عقب ثورة 1848 من أجل إلغاء شرط النصاب الضريبى للمرة الأولى، وخفض سن الاقتراع إلى 21 عامًا بموجب مرسوم أُصدر فى مارس من ذلك العام. ولكن بقى شرط الذكورة حائلاً دون توسيع نطاق الاقتراع العام، أى مانع لأن يكون عامًا بالمعنى الدقيق. فقد ظلت المرأة محرومة من حق الانتخاب لقرن كامل آخر تقريبًا حتى قُرب نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ أُلغى شرط الذكورة فى أبريل 1944 بمرسوم من حكومة فرنسا الحرة.

وقد مرت دول العالم بالمراحل نفسها، ولكن فى أوقات مختلفة، إلى أن انتشر مبدأ الاقتراع العام، ولكن دون أن يتحقق فى كل الحالات هدفه الأول وهو المساواة السياسية التى تُعد أحد أهم مقومات المجتمع الحديث.


لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد

رابط دائم: