عندما تعودُ إلى بعض ما قاله وكتبه الآباء المؤسسون للولايات المتحدة عن احترام القانون والقضاء، لابد أن يُدهشَك ما يحدثُ اليوم. ولو أن جورج واشنطن أو توماس جيفرسون أو ألكساندر هاميلتون بُعث حيًا لهاله هذا الذى يحدث.
وإذا أخذنا حالة الرئيس الامريكي السابق ترامب مثالا، فسنلاحظُ كيف تعبرُ طريقةُ تعامله مع دعاوى قضائية من كل لونٍ عن مدى الاستهانة بالقانون والقضاء. استهانة تنمُ عن غطرسة واستقواء بأنصار يُصدَّقون ما يقولُه بلا تفكير. وفى هذا الانصياع ما يُدهشُ أيضًا حين نعودُ إلى تنبيه بعض آباء أمريكا المؤسسين إلى خطر سلوك القطيع على النظام الديمقراطى الذى اجتهدوا لتأسيسه.
وما الدفعُ بأن القضاء صار مُسيَّسًا إلا حق يُراد به تبريرُ الاستهانة. فالميولُ السياسيةُ لبعض المُدعين العموم والقضاة لا تُؤثرُ كثيرًا فى نظام قضائى يضعُ الحكم غالبًا بين يدى هيئة مُحلَّفين لا يمكنُ أن يكون أعضاؤها كلُهم مُسيسين أو معادين للمتهم. كما أن تعدد الدعاوى وتنوعها يُشّككان فى ادعاء التسييس فيها كلها. فهذه دعاوى مختلفةُ فى ملابساتها وسياقاتها, كما فى الولايات المرفوعة فى محاكمها. أشهرُ هذه الدعاوى فى نيويورك حيث يُتهمُ بالتزوير لإخفاء مبلغٍ دفعه لشراء صمت ممثلة أفلام إباحية أقام علاقة معها، وخشى أن تُسبَّب له فضيحة فى انتخابات 2016. وأصبح محاميه، الذى حوكم من قبل بسبب دوره فى هذا التزوير, شاهد إثباتٍ فى هذه الدعوى. وهو مُتهم فى دعوى ثانية فى نيويورك أيضًا بالاغتصاب بناءً على ادعاء الصحفية جين كارول، ولكن هيئة المحلفين غيَّرت التهمة إلى اعتداءٍ جنسى. وهذا تعديلُ فى مصلحته، وليس ضده.
أما الدعوى التى قد تكونُ الأكثر خطرًا عليه فهى مرفوعةُ فى جورجيا، حيث اتهم بالسعى إلى تغيير نتائج انتخابات 2020 فى هذه الولاية عبر ممارسة ضغطٍ على بعض المسئولين الجمهوريين فيها، بما يعنى احتمال توجيه تُهم جنائية وليست مدنيةً ضده.
وبدلاً من أن يتعامل بجدية مع هذه الدعاوى، ويدافع عن نفسه، يستهين بها على نحوٍ يثيرُ أسئلة عن مستقبل دولة حقَّقت تقدمها لأسباب فى مقدمتها احترام الدستور والقانون والقضاء.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: