أرفضُ إعادة النظر فى تعديل قانون التقاعد. وأرفضُ عرضه فى استفتاءٍ شعبى. وأرفضُ إجراء انتخاباتٍ نيابيةٍ مبكرة0 وأرفضُ القيام بتغييرٍ أو تعديلٍ وزارى. أربعةُ لاءات على الأقل تُلّخصُ موقف الرئيس الفرنسى ماكرون عقب إقدامه على أحد أكثر الإجراءات المنافية للديمقراطية فى تاريخ فرنسا الحديث، عبر تجاهل البرلمان بخصوص قانونٍ يمسُ ملايين الفرنسيين. لاءاتُ أدت إلى استمرار المواجهة ضد النقابات والمعترضين على مد سن التقاعد، وتواصل التظاهرات والاضرابات التى تشلُ الحياة فى البلاد كلما حدثت. فى مقدمة المعترضين على تعديل القانون العاملون فى السكك الحديدية، ومترو باريس، ومحطات الطاقة، لأنهم الأكثر تضررًا منه، إذ يُلغى نظامًا خاصًا يُتيحُ لكل من يريد التقاعد فى أى وقت بعد سن الخمسين الحصول على معاشٍ تقاعدى كامل. عمالُ خدمات النظافة ليسوا أقل غضبًا. أكوامُ النفايات فى شوارع باريس شاهدةُ على هذا الغضب. وهذه مهنةُ شاقةُ يتطلعُ العاملون بها إلى التقاعد. ونجحت كارلا زوجةُ الرئيس الأسبق ساركوزى فى القاء ضوءٍ ساطعٍ على ما تعتبرُ فضيحةً كبرى فى فرنسا، عندما نشرت صورةً لها، وهى واقفةُ فوق كومةٍ كبيرةٍ من أكياس النفايات فى أحد شوارع باريس، وكتبت تحتها: ها هو الربيع. وعندما يستهينُ صانعُ قرارٍ باستياء واسع تترتبُ عليه خسائرُ ماديةُ ومعنويةُ كبيرة, ويُشهرُ لاءاتٍ تسلطيةً فى وجه معارضيه ، فهذا مؤشرُ إلى عجزٍ عن تقدير موقفٍ بالغ الخطورة. صحيحُ أن هناك مشكلةً فى تغطية النقص فى ميزانية معاشات التقاعد، بسبب ارتفاع معدلات الأعمار، والاستمرار بالتالى فى دفع هذه المعاشات لفتراتٍ أطول. ولكن الخسائر الناتجة من الاحتجاجات قد لا تقلُ عما يعتبرُه ماكرون مكسبًا يترتبُ على مد سن التقاعد، ومن ثم تغطية العجز فى ميزانيات المعاش. كما أن هذا العجز المالى يبدو نتيجة عجز سياسى ـــ اقتصادى يعودُ إلى عاملين: أولهما رفضُه رفع الضرائب على الفئات الاجتماعية الأكثر ثراء، التى تنحاز إليها سياساتُ حكوماته. والثانى عدم البحث عن حلولٍ مبكرة لمشكلة نقص ميزانية المعاشات منذ بداية ولايته الأولى قبل نحو 6 سنوات، لأنه كان أسير خيار مد سن التقاعد.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: