رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريد الجمعة.. يكتبه: مفرح سرحان
همزة الوصل الأخيرة

يكتبــه ــ مفرح سرحان

أكثر من ربع قرن مضت من عمري، وأنا أدفع ثمن الغدر الذى لحق بى وبابنتي، أنام مفتوحة العينين لأبقيها بعيدًا عن أول طعنة تلقاها قلبى الحزين من أناس كان من المفترض أن يكونوا الغطاء الذين يسترنا، فتركونا فى العراء، بعد أن سلبونا كل شيء إلا الألم الذى أكتب به كلماتى إليكم، والخوف الذى يهددنى بفقدان الابنة الوحيدة التى خرجت بها من الدنيا، وأتمنى ألا أغادرها قبل أن أطمئن عليها مرة واحدة تبدد سنوات العذاب التى يحمل فيها كل يوم بصمة قاسية من تلك العائلة التى يريد أحد أفرادها أن يجردنى من فلذة كبدي، ويعيد تحت ستار الحب ما فعله بنا أهله ولم يعتذروا عنه.

كنت فى مثل سن ابنتى الآن، عندما احتفلت أنا وزوجى بمولودتنا الأولى، لا أنسى سعادته عندما علم أنها أنثى، قال إن الله استجاب دعاءه بأن يبكر له بفتاة يسميها على اسم أمه التى كان يحبها وفقدها وهو لا يزال طفلا، وكان يعود من عمله فى أحد مصانع الغزل والنسيج يحمل اللعب والملابس ويقفز فرحا كطفل صغير، كان يبدو كمن ملك العالم بأسره وهو يضمنى أنا وابنتي، وأمضينا أيامًا سعيدة لم تنل منها مضايقات شقيقه وشقيقته اللذين كانا يسكنان على مقربة منا.

 

كان شقيق زوجى يحقد عليه ويكرهنى بشدة منذ اللحظة الأولى التى صرت فيها من أفراد العائلة، وكان زوجى يعرف ذلك جيدًا لكنه لم يبادله الكراهية ولم ينتقص ذلك من احترامه لشقيقه الأكبر، وأحببت فى زوجى طيبته وازددت به تعلقًا وأيقنت أن الله عوضنى به خيرًا، فقد كنت فتاة يتيمة نشأت وتعلمت فى بيت عمى حتى أنهيت تعليمي، وتقدم زوجى لخطبتى ووجدت فيه العوض الذى ساقه الله لي.

لا تكتمل لى فرحة أبدا، هكذا عودتنى الأيام منذ وعيت على الدنيا، لا أعرف من حكايتى سوى ما كانت تردده لى زوجة وبنات عمى عن وفاة أمى وأبى وأنا لم أزل رضيعة، وأنهم قاموا برعايتي، وعلى الرغم من أن أسرة عمى لم تبخل على بشيء وأحسنت إلى بالتربية والاهتمام والود والتدليل، ولم أشعر بينهم بأننى غريبة أبدا، لكن الخوف من المجهول كان لصيقا بي، وكلما فرحت بشدة انتظرت صدمة أدفع فيها ثمن كل لحظة سعيدة حزنا لا يزول ودموعا لا تجف.. اعذرنى فلست متشائمة، لكنها الحقيقة التى لم   تخلف وعدها معى مرة واحدة.

 تزوجت وأنا أحمل هذا الخوف بين جنباتي، وبينما كان أول عامين قضيتهما فى الزواج لا يعرفان إلاَّ السعادة مع رجلٍ شهمٍ طيبٍ يدافع عنى ويدفع  كراهية أهله وخاصة شقيقه الأكبر، كان الحزن يضبط موعدا معى والخوف يدق باب بيتنا الصغير، فبعد أن بلغت ابنتى عامها الأول، جاءنى زوجى محمولا على الأكتاف بعد أن لقى مصرعه فى إصابة لحقت به أثناء عمله، ومن هنا بدأت مأساتي.

كعادته، سكن الحزن قلبى وبيتى وملامح ابنتى البريئة التى أصبحت يتيمة مثل أمها، لكن الفارق بيننا أن عمها لم يكن مثل عمى رجلا شهما يخاف على لحمه ودمه، فقد أظهر فى البداية وقوفه إلى جانبى حتى أنهى إجراءات الحصول على التعويض الذى صرفته الشركة مقابل الإصابة التى أدت إلى مصرع زوجي، وقال لى إنه سيضع المبلغ فى تجارته لأستطيع من أرباحه تربية ابنتى وتوفير نفقاتنا. كنت فى حالة يرثى لها زاهدة فى كل شيء، فلم أجادله، ولم يراودنى شك فى أن رجلا له قلب من الممكن أن يطمع فى ثمن دماء أخيه ويحرم ابنته اليتيمة وزوجته الأرمل من حقهما.

بعد أن تسلم المبلغ، قاطعنا عم ابنتي، لم يعد يكلف نفسه عناء السؤال، وبدأت أشك فى نواياه التى لم أكن أرتاح لها من الأساس. ذهبت إلى بيته أحمل ابنتى اليتيمة، وكان قد مضى شهران كاملان منذ أن صرفنا المبلغ، وطلبت منه الأرباح التى وعد بها، فكان رده صادما. قابلنى بوجه عابس، وتحلل من وعوده، ثم أنكر حقى وحق ابنتى فى المال، وأقسم ألا يدفع لى مليما واحدا وأنه سيدخر المال حتى تكبر ابنة أخيه، مدعيا خوفه من أن أتركها وأتزوج من رجل غريب، ثم صرخ فى وجهى وطردنى بعد أن سبنى وانحازت إليه زوجته ولم تنطق بكلمة حق.

كانت أيامًا ثقيلة قضيتها أتجرع قسوة هذا العم، لم يجرؤ أحد أن يجعله يحيد عن ظلمه، ولم أرد الدخول معه فى صراع لا أحتمله، وهو الرجل القاسى الظالم الذى لا يلقى بالا لأحد. آثرتُ الابتعاد بابنتى والتحقت بإحدى الشركات التى عملت فيها بمؤهلي، وساعدتنى ابنة عمى التى كانت تقيم على مقربة منى فى العناية بابنتى أثناء وجودى فى العمل، حتى اشتد عودها، والتحقت بالمدرسة، وكان عزائى عن الظلم الذى وقع علينا، أن ابنتى الوحيدة كانت متفوقة فى دراستها وتتمتع بشخصية متميزة صنعتها الظروف الصعبة التى مررنا بها. مرت السنوات سريعًا، وكبرت ابنتي، ثم أصبحتُ مجددًا على موعد مع الخوف الذى يأبى أن يتركنى لحال سبيلي.

أفهمتها كل ما حدث من أهل أبيها، وحرصت فى الوقت ذاته أن أبقيها قدر الإمكان بعيدا عنهم، وخاصة عمها الأكبر وأبناءه، لكن الحصار الذى فرضته عليها لم يكن كافيا، ففى حفل زفاف إحدى زميلات الدراسة، التقت ابنتى نجل عمها الذى تحدث إليها وعبر عن إعجابه بها، وللأسف عندما عادت الفتاة إلى البيت وأفضت إلى بما دار بينهما، رأيت فى عينيها بريق الحب، ولمست فى حديثها إعجابا كبيرا بشخصية الشاب الذى لا أعرفه جيدا ولم أسع للتعرف عليه أو الاختلاط بأسرته طوال السنوات التى مضت وأنا أدفع ثمن ظلم أبيه لنا.

 لم أستطع أن أتمالك نفسى وأنا أثور فى وجه ابنتى وألومها على أنها لم تلتفت لتحذيراتى الدائمة لها، وفتحت قلبها لآخر شاب فى هذا العالم يمكن أن ترتبط به.

حدث ما كنت دوما أخشاه، غضبت ابنتى وخالفتنى للمرة الأولى فى حياتها، وزادت أن اتهمتنى بأننى أريدها أن تعيش تعيسة وحيدة مثلي، وهددتنى بأن تترك لى البيت إذا وقفت فى طريق سعادتها.

 على الرغم من أننى لم أحتمل إهانتها لي،  تحدثت إليها كأم خائفة من المصير الذى ينتظرها، وأفهمتها أن الولد سر أبيه، ولن يكون فى أى حال سوى صورة من الرجل الذى ظلمنا وسرقنا وأفسد حياتنا، لكنها أصرت على موقفها.

لم أجد أمامى سوى ابن عمها لأقنعه بأن يتركنا لحال سبيلنا. عندما ذهبت إليه فى محل عمله، وجدت منه إصرارا يفوق إصرار ابنتي، نهرته وهددته، فكان صبورا حليما دمث الخلق وهو يردنى بأدب جم ويقول إن والده رجل مريض ولن يعيش طويلا، وإنه يحب ابنة عمه ويريدها زوجة له،  ولن يتركها تتزوج من رجل غريب ولو كان الثمن حياته.

ما يحزننى يا سيدي، أن ابنتى قاطعتنى وتعيش معى كفتاة غريبة، فى الوقت الذى تتمسك بابن عمها الذى يذهب إليها فى عملها ويصطحبها فى طريق عودتها للبيت وتود عائلة أبيها التى فعلت بى ما ذكرته سابقا.

أشعر بأن حياتى قد انتهت، وابنتى قد ضاعت، لا أحتمل هذه العائلة، ولا أستطيع نسيان الماضي، ولا تطيعنى فلذة كبدي.. فماذا أفعل؟ وهل هذا جزاء الصبر والشقاء الذى احتملته وأفنيت فيه زهرة شبابي؟

(ع.م)

 

سيدتى الكريمة

بين نساء العالم، هناك من تحمل رسالة، وتترك بصمة، وتصبح أيقونة يفخر بها أولو العزم من الرجال فى مجالسهم، كنت شابة فى أول رحلة الحياة تتعدد أمامها خيارات الارتباط التى تعفيها من كفاح يرهق الأنثى، ولو فعلت لكان حقك دون شك، لكنك آثرت مشقة الطريق، وحفرت فى مسيرتك امرأة استثنائية تصارع قسوة الأيام، وتقوم مقام الرجال فى العمل والتحمل والتربية والتدبير، وبين يديك الكريمتين تنضج قطعة من لحمك ترتوى من الشقاء حنانا، ومن الوحدة ونسا، ومن اليتم أبوة واحتواء وسترا. فما أرى فى رسالتك -بداية- إلا تخليدا لصورة امرأة مثالية تستحق أن تزهو بنفسها، ولا تشعر مهما قست عليها القلوب والأيام إلا بإقدام على الحياة، وإقبال على اكتشاف مباهجها بكل العزم الذى بدأت به مشوارك شابة يافعة أرادت ففعلت، وتحدت فانتصرت، وجاهدت فى الاعتناء بزهرتها فأينعت وفاح عطرها نجاحا، وصارت مخطوبة مرغوبة.فلك كل التقدير الذى تستحقين، ولكلمات رسالتك العطرة كل تكريم يليق بك.

أيتها الأم الكريمة..

يجدر بى أن أتساءل: كيف استطاعت أن تعبر تلك المحنة الشديدة، امرأة أرمل حرمها القدر من سندها،  وجردها ظالم طامع من التعويض الذى لن يعوض غياب رفيقها، وتركها وابنتها الرضيعة فى بحر متلاطم دون أن ينبض الحجر الذى فى صدره بقليل من التأنيب وبعض الحياء، ونذر يسير من نخوة الدم وعزوة العم؟

إنه يا سيدتى الحب الذى لا يفيض إلا من قلب سليم يؤمن بأن تلك الطاقة النورانية التى تشع منه تستطيع أن تفعل المستحيل، وتحيط المرأة الوحيدة بهالة من المهابة والرجولة والعطاء كأنها على محمل يحرسه ألف فارس،  وتبنى قطعة اللحم الضعيفة بين يديها، فتجعل منها فتاة قوية خلوقا عاقلة رائعة يشار إليها بالبنان.

أيتها الأم المثابرة.. ما أشنع الظلم الذى تعرضتِ له على يد هذا الرجل الذى يريد ابنه أن يتزوج بابنتك!، وما أصعب نسيان هذا الجرح العميق الذى خلَّفه بقلبك الطيب!، لكنها أقدار تجرى بعلة يعلمها الله، وفى يقينى أن ما فعله بك كان الخير الذى حمله الله لك على ظهر هذا الظلم والعدوان، وألهمك الصبر والاحتمال، ليكلل مسيرتك العظيمة أنت وابنتك بنجاح أذهب عنك الحزن ومرارة الأيام الخوالي.

إننى يا سيدتى أشفق عليك من أن تظل نار الكراهية مستعرة فى قلبك النبيل، كما أشفق على ذلك النموذج الطيب الذى نرجوه فى أمهاتنا وبناتنا ونفخر به، أن ينجرف إلى تيار الرغبة فى انتقام يفسد سلام حياتنا، ويذهب سكينة نفوسنا، ويجردنا من إنسانيتنا، ويهلك زرعنا الذى سهرنا على رعايته، وبذلنا له من أرواحنا، فالكراهية إرث ثقيل، وشيطان رجيم يوسوس، يباعد بيننا وبين العفو والنسيان بعدا يلهب نار الغضب فى سلسال لا ينقطع حتى يقطع كل موصول.

كان الولد والبنت صغيرين عندما وقعت المظلمة، لم يدرك قلباهما الأخضران بشاعة الجريمة وقتها، وعندما باعدت الكراهية بينهما بغير ذنب اقترفاه، كان الحب هو همزة الوصل التى قربت المسافات بين ابنى العم، فخفق قلب كل منهما بحب الآخر، ولو كان الفتى سيئا مثل أبيه، لنفر منه قلب ابنتك التى أحسنتِ تربيتها، ولاستشعرت منه خوفا مماثلا لخوفك من عائلته، لكن الله ألف بين القلبين لعلةِ ألا تبقى ابنتك المسكينة وحيدة مقطوعة بينما فى شجرة عائلتها غصن غض تقولين أنت إنه شاب دمث الخلق يتمسك بابنة عمه، ويريد أن يصحح خطأ أبيه القديم ويتصرف بشهامة أعتقد أنها سوف تنسيك نذالة وظلم وافتراء الماضي.

صدقينى يا سيدتي، لن يزول الحزن بالاستمرار فى التمسك بعداوات الماضى وانتظار القصاص منها، ولن تعود إليك ابنتك بغير الحب والصفح والعفو، وأن تمنحى لها الفرصة لتعود إلى شجرة عائلتها وصلة أرحامها متمسكة بذلك الغصن الشهم الذى لا يريدها أن تكون لرجل غريب، وأما الرجل الذى ظلمك فاتركيه لمن يرد المظالم، إنه الآن طريح الفراش فى أيامه الأخيرة، لعل فى صدره رغبة فى أن يودع الحياة معتذرا لك عن خطيئته السابقة، ولعل الحب الذى جمع الشتيتين أن يأخذ بيده فيطلب الصفح منك، ولا أظن قلبك الطيب سيرده أبدا، فلا خاب من صفح، ولا ندم من عفا، ولا زلَّت قدمُ تسعى بالحب وتجبر الخاطر ولا تغلق الباب فى وجه من يريد أن يمحو من صفحته أثر ظلم الناس واستحلال أموالهم.

أيتها الأم العظيمة.. حياتك لم تنته، لكنها ستبدأ فى اللحظة التى تضمين فيها ابنتك إلى صدرك، وتجبرين قلبها، وتباركين اختيارها، وتفتحين صفحتك الجديدة لابن عمها «الشهم» ليكون الابن الذى لم تلده بطنك، والسند الذى يجبر ما كسره أبوه، وسيكون الحب وحده جزاءً وفاقًا لرحلة شقائك وتعبك فى ابنتك التى حتما ستعود إليك همزة الوصل الأخيرة لكل ما قطعته أطماع الماضي.. وتقبلى تحياتي.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق