رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

النجومية.. من مشرفة إلى زويل!

تخضع النجومية لمعايير مختلفة وفقًا للزمان والمكان، فقد كان رجال الدين هم نجوم عصور مختلفة كما كان قراء القرآن الذين يتلون كتاب الله نماذج أخرى للنجومية بعد ذلك، ثم انتقلت مراكز النجومية إلى الكتاب والمفكرين فملأت أسماؤهم الصحف والإضاءات الدورية إلى أن جاء عصر التلفاز لكى يجعل من لاعبى كرة القدم نجومًا جدد على الساحة ولا يناطحهم فى ذلك إلا شباب الفنانين ونجوم الدراما، خصوصًا فى المناسبات الوطنية والأعياد الدينية، ولكن بقيت فى ضمير الأمة أسماء لا تبرحها أبدًا، ونعنى بها أولئك العلماء الكبار الذين فتحوا أبواب المعرفة ودفعوا بمصر على خريطة البحث العلمى وأختار منهم اليوم اثنين من عظماء هذا الوطن: أولهما هو ابن دمياط العظيم على مصطفى مشرفة الذى كان يتحاور مع أينشتاين رأسًا برأس ويمضى معه فى أعماق البدايات الأولى لعلوم الذرة حتى أصبح بحق أيقونة فريدة فى تاريخنا العلمى، وظل اسمه مسار الإعجاب والتقدير عبر الأجيال حتى حصل على الجوائز والألقاب ثم عصفت به يد المنون فى سن مبكرة نسبيًا ولكن ظل اسم مشرفة يتردد تشريفًا لوطنه وتكريمًا لصاحبه، وأصابتنا فترة جفاف علمى امتدت إلى عدة عقود حتى برز من بين السحب وخرج من وراء الغيوم اسم عظيم لعبقرى مصرى آخر وهو ابن محافظتى البحيرة وكفر الشيخ وأعنى به صاحب نوبل الدكتور أحمد زويل الذى وفد إلى الوطن بعد طول غياب حاملًا نوبل فى يمناه وأحلام وطنه فى يسراه وهو يدق ناقوس الإيقاظ بعد طول سبات وكأنه «مسحراتى» المعرفة يوقظ النائمين حتى لا تطول الغفوة ويتعقد الأمر، ولقد كان ظهور أحمد زويل فى حياتنا مصدر بهجة لا لرفاق عمره وأصدقاء حياته فقط - وأنا أحدهم - ولكن لجموع المصريين بل والعرب الذين شعروا بأنهم يقفون على أرض صلبة وترتفع أكتافهم إلى عنان السماء، إن جائزة نوبل فى الجوانب العلمية ليست محل جدل أو مساومة فهى تأتى لمن أضاف للبشرية جديدًا ومن جاء إليها بتطور غير مسبوق يجعلها قادرة على الصمود بل ويضعها فى مصفوفة الدول التى تملك عقولًا قادرة على تحقيق الصدارة العلمية مهما تكن الظروف أو المعوقات، وتمر علينا مناسبات مختلفة لعيدى ميلاد النجمين الكبيرين مشرفة وزويل وموعدى رحيلهما أيضًا ونتذكرهما لبعض الوقت ثم تمضى الأمور على ما كانت عليه، وإذا كان صاحب نوبل الكبير نجيب محفوظ قد قال: إن آفة حارتنا هى النسيان، فإننى أضم صوتى إليه وأقول: إن آفة وطننا النكران، وفى ظنى أن التكريم الحقيقى لا يكون فقط بإطلاق الأسماء بل يتجاوز ذلك إلى الأخذ بأساليب البحث العلمى ومناهجه، فالتكريم الحقيقى لمشرفة ولزويل ولغيرهما من نجوم مصر التى أضاءت سماء الوطن هو أن نجعل من أسمائهم حافزًا يدفع لتطوير التعليم وتغيير مناهجه والأخذ بالأساليب العصرية فى المدارس والجامعات، لأن العلم هو وحده الذى يرفع بيتًا لا عماد له وهو أيضًا الذى يمسك بمفاتيح بوابة العصر عند السعى نحو التقدم أو الارتقاء إلى عالم أفضل، وما زالت أحلام زويل الذى عاصرته شخصيًا لسنوات طويلة وعرفته دائمًا نموذجًا مشرفًا للابن البار بوطنه حين كان يحاول بكل الطرق أن يضع نفسه وإمكاناته فى خدمة وطنه ولكن لم تكن الظروف مؤيدة له فى كل الأحيان، وما زال مشهد تشييع جنازة على مصطفى مشرفة الذى رأيناه فى أفلام السينما الناطقة بالأبيض والأسود لا يبرح خيالى أبدًا وحزن الأمة على رحيل ذلك الإنسان العظيم الذى ترك أكبر الأثر لدى أبناء وطنه وعارفى فضله، وما زالت مصر وجامعاتها وكليات العلوم فيها تذكر فضل هذين القضبين الكبيرين مشرفة وزويل وترى فيهما نجومًا ساطعة وأسماء لامعة لا يخفت ضوؤها أبدًا ولا يختفى ذكرها على مر التاريخ، ولا زلت عند اقتراحى الذى عرضته منذ شهور بإقامة مقبرة مشتركة للخالدين من أبناء الوطن علماء وأدباء وشعراء ومفكرين وفنانين وكل من أسدوا خدمات جليلة لمصر بمعايير عادلة وموضوعية حتى يصبح ذلك أقل تكريم لهم، وفى ظنى أن وضع لافتات تحت عنوان (عاش هنا) على عدد من المبانى التى سكنها الكبار، بدءًا من العقاد وطه حسين وصولًا إلى شباب الشهداء حتى يدرك الجميع أن لا شيء يضيع سدى، وأن ضمير الوطن يحتفظ لهم فى ذاكرته بكل أسباب الاحترام ومظاهر التقدير، وليس سرًا تراجع الاهتمام بالبحث العلمى والدراسات التطبيقية لدى الأطفال بل والشباب أيضًا فى بلادنا فقد زحفت العلوم النظرية والدراسات الإنسانية على باقى نواحى المعرفة وفروع العلوم الجديدة، ولقد لاحظت فى السنوات الأخيرة أن جوائز الدولة التشجيعية فى البحث العلمى قد تعثرت وجرى حجبها أكثر من مرة، لأن الجميع لا يدركون أن التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر، وأن التعليم فى الكبر كالحفر على المياه.

تحية للأسماء العظيمة فى تاريخ العلم والمعرفة فوق أرضنا الطيبة.


لمزيد من مقالات د. مصطفى الفقى

رابط دائم: