للعدل قيمةُ سامية فى الأديان. يُعدهُ كُثُر القيمة العليا فى الإسلام. كَثُرَ ذكرُه فى القرآن الكريم، وفاضت أهميتُه فى التراث الإسلامى. وربما هذا ما أوحى لرفاعة الطهطاوى بتصور أن الحرية فى الغرب هى ما يُسمى فى الإسلام العدل. ففى كتابه المشهور (تخليص الإبريز فى تلخيص باريز) الصادر عام 1834 اهتمامُ لافتُ بالربط بين العدل والحرية، فكتب أن (ما يسمونه الحرية هو عين ما يُطلق عليه عندنا العدل والإنصاف..).
وكان مما أبهره المادةُ الأولى فى دستور 1818 الفرنسى، التى ترجمها إلى (سائر الفرنسيين مستوون قدام الشرع)، أى متساوون أمام القانون. وكتب عن أهميتها فى (إقامة العدل، وإسعاف المظلوم، وإرضاء خاطر الفقير بأنه كالعظيم نظرًا إلى إجراء الأحكام). ولما كان التطلعُ إلى النهضة شاغلاً مثقفى تلك المرحلة، نجدُ قواسم مشتركة فى أفكار الطهطاوى وخير الدين باشا التونسى. فقد ربط خير الدين بين العدل والعمران فى كتابه (أقوم المسالك فى معرفة الممالك) الصادر عام 1867. وكتب أنه عندما احتُرمت أصولُ العدل فى تاريخ المسلمين (نما العمران نموًا عظيمًا، وازدادت ثروةُ الأمة وغناها).
ولكن الطهطاوى هو من أعاد إلى الأذهان عبارة "العدل أساس العمران"، التى يُختلفُ على أصلها. ويُرجحُ أنها تعودُ إلى ابن خلدون، الذى كتب فصلاً فى المقدمة تحت عنوان (الظلمُ مؤذنُ بخراب العمران)، وأوضح أن (الظلم إذا انتشر، خربت البلاد، واختل حال العباد).
لكن المعنى المتضمن فى عبارة العدل أساس العمران أقدم فى كتابات المفكرين المسلمين. نجدُه على سبيل المثال فى القرن الحادى عشر الميلادى عند أبى الحسن الماوردى فى كتابه (الأحكام السلطانية)، حيث يرى أن (تحقيق العدل هو الهدف الأسمى للشريعة). كما نجدُ ما يدلُ عليه فى القرن الرابع عشر عند ابن قيم الجوزيه أو ابن القيم الذى ذكر فى كتابه (الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية) أنه (إذا ظهرت أمارات العدل، وأسفر وجهه بأى طريقٍ كان، فثم شرع الله ودينه).
والحالُ أن من يعرف قيمة العدل فى حياة البشر لا يحيدُ عنه أبدًا.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: