رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

شباب مصر بين الهجرة والانتماء

كنا شبابا وكانت لنا أحلام بعرض هذا الكون وسافرنا كل سنوات العمر وراء عالم رسمناه فى خيالنا وتعثرت خطانا أحيانا وجلسنا فى منتصف الطريق نراجع مسيرتنا ونستكشف خطانا وقمنا نسترد ما خبا من أحلامنا لنكمل الرحلة .. وفى سنوات شبابنا بقى لنا رصيد كبير من الذكريات تركت خلفها بعض الجراح ولكننا لم نفرط فى أحلامنا.

ـــ أقول ذلك وأنا أتابع مسيرة شبابنا فى الحياة بين الأمل والإحباط وبين الأحلام والتمرد وبين القدرات والمتاح وأجد أمامى أكثر من سؤال.

> أولاً : إن مصر مجتمع شاب أى أن التركيبة الاجتماعية والإنسانية للمجتمع المصرى تركيبة خصبه تعيش أفضل مكوناتها وقدراتها وهناك تقديرات تؤكد أن سكان مصر بينهم ٦٠ مليون شاب .. وفى الوقت الذى شاخت فيه مجتمعات كثيرة فإن مصر مجتمع شاب فى قدراته وأحلامه وطموحاته فإلى أى مدى يستفيد المجتمع المصرى من قدرات شبابه وهل نحن ندرك قيمة هذه القوة البشرية الضاربة .. نحن نعلم بأن الإنسان المصرى كان دائما يمثل أفضل قدرات مصر فإلى أى مدى نجح المصريون فى استغلال قدرات شبابهم .. وهل يعقل أن يظل الملايين منهم يعانون الأمية وهل تركنا ملايين أخرى بلا عمل أو إنتاج أو مشاركة وهم يعيشون أهم سنوات العمر..

> ثانياً: لماذا يبخل المجتمع على شبابه بفرص النجاح ولماذا اقتصرت هذه الفرص على أعداد محدودة لا تتجاوز حدود الأقارب والأهل وأصحاب الحظوة .. لقد انتهت من حياتنا تماما قضية تكافؤ الفرص وانقسم المجتمع إلى قادرين وعاجزين ومحظوظين ومهمشين وجلس فريق من الناس وهم الأغلبية فى انتظار قطار الفرص الذى لا يجيء .. إن قضية غياب العدالة أخطر ما يهدد مستقبل شبابنا خاصة أن التفوق لم يعد له مكان وأن التميز عملة غير قابلة للتداول .. فى زمن عشناه ليس ببعيد تدفقت أفواج من الشباب من أبناء البسطاء والمهمشين إلى قلب المجتمع وتصدروا الساحة بتفوقهم وقدراتهم ومازال بيننا من قدموا نماذج للتميز فى مسيرة حياتنا..

> ثالثاً : هناك ظاهرة جديدة تجذب شبابنا الآن وهى الهجرة للخارج ومن بين هذه الفرق المهاجرة عناصر مميزة فى قدراتها وتخصصها مثل خبراء التكنولوجيا والأطباء ورجال الأعمال وأصحاب الخبرات وقد حقق هؤلاء مكانة مرموقة من التفوق والتميز حين أتيحت لهم فرص إظهار قدراتهم، إن هذا يعنى أننا لا نقدر مواهب شبابنا وأننا لا ندرك قيمة ما لديهم من المواهب وهذه قضية على درجة من الأهمية لماذا يتفوق شبابنا خارج حدود الوطن .. هناك نماذج كثيرة من الحاصلين على رسائل الماجستير والدكتوراه فى تخصصات حديثة فى أساليب الزراعة المتقدمة والهندسة وأساليب البرمجة لا يجدون عملا رغم الوعود الكثيرة من مؤسسات الدولة هناك قرار بتعيين أوائل خريجى الجامعات صدر منذ سنوات ولم يعين منهم أحد وهناك آلاف الموهوبين الذين لم يجدوا الفرصة فى بلدهم وهاجروا لتصبح لهم أدوار بارزة رغم أن الوطن أحق بنجاحهم ولو بقى أحمد زويل أو فاروق الباز فى مصر لكان أحدهما مدرس كيمياء والآخر مدرس جيولوجيا .. لابد أن نعترف أن شبابنا فى أزمة وأن المجتمع شريك فى ذلك لأنه أهدر قيمة التميز وأسقط منظومة تكافؤ الفرص وأعطى الحقوق لغير أصحابها ولابد أن تكون العدالة هى مقياس الفرص وأن تعود قدرات الإنسان إلى معايير الاختيار والتفوق..

ـــ الخلاصة عندى أن شباب مصر هم أغلى ثرواتها وأهم مواردها وأنهم أصحاب المستقبل وينبغى أن ندرك أن مستقبل مصر سوف تتحمل مسئوليته أجيال جديدة لابد أن نوفر لها المناخ المناسب والفرص المتكافئة .. هناك جوانب قصور لابد أن نعالجها فى التعليم بكل مراحله والحريات التى يقوم عليها بناء الشخصية وأن نوفر لشبابنا حقه فى أن يحصل على فرصته حسب قدراته وألا تسرق الأجيال فرص بعضها بتجاوزات مرفوضة فى المحسوبية والواسطة .. وأن ندرك أن الانقسامات التى تصيب المجتمعات فى هياكلها الأساسية تمثل بداية انهيارات أخلاقية وسلوكية وهى تحمل مخاطر كثيرة..

ـــ لابد أن نسأل أنفسنا لماذا يهاجر شبابنا رغم أننا مجتمع كان دائما يحب الأرض والوطن ولماذا يتفوق شبابنا فى البلاد الأخرى ولماذا لم تعد مصر تحتضن أحلام شبابها وتقدر مواهبهم وقدراتهم ولماذا يجدون ذلك كله خارج أوطانهم .. نحن فى حاجة أن نراجع أنفسنا وعلاقتنا بشبابنا ونواجه أنفسنا بهذه الحقيقة المرة لماذا أصبحت الهجرة خارج الوطن حلم ملايين الشباب؟!.

ـــ كان الانتماء أهم مكونات الشخصية المصرية بما يحمله من ثوابت الأرض والدين والثقافة والبعد الحضارى والإنسانى وقد تراجعت كل هذه الجوانب ولم يكن غريبا أن تطيح بعض الظواهر الدينية والفكرية والسلوكية بالكثير من مكونات الشخصية المصرية فكان الانبهار الأعمى بتجارب الآخرين ولم يكن غريبا أن يصبح الإلحاد بديلا لليقين وأن تسود عشوائيات الفكر فى عقول رموزه وأن نستبدل الحوار العاقل بظواهر غريبة من الشطط الفكرى الذى أفسد الكثير من مقومات الشخصية المصرية..

ـــ أعود من حيث بدأت هناك قضايا كثيرة تخص شباب مصر من حيث الدور والمسئولية والأزمات التى يعانيها ملايين الشباب يأتى فى مقدمتها برامج تأهيل وتكوين الشباب ابتداء بالتعليم وانتهاء بالأمية مع فتح آفاق المعرفة والفكر والثقافة من خلال مناخ يتيح الفرص للحوار فى ظل حريات وثوابت لبناء إنسان عصرى مستنير, وينبغى أن يسترد المجتمع شفافيته فى إتاحة الفرص لأبنائه حسب قدراته ومواهبه لأن المجتمع الذى يفرط فى أفضل قدراته يخسر الحاضر والمستقبل معا.. تبقى عندى نقطة أخيرة أن العودة إلى تجارب الماضى ما بين أهل الثقة وأهل الخبرة تجربة فشلت ولا تستحق أن نعيدها أو نتمسك بها لأن تراث الإنسانية وتميزها كان فى مواهبها وقدرات شعوبها..

ـــ إن أخطر ما يواجه جموع الشباب المصرى الآن هذا التفاوت الرهيب فى الواقع الاجتماعى الذى فرضته ظروف كثيرة قسمت الشباب بين فئات قادرة وأخرى مهمشة وظهر ذلك على المستوى الاقتصادى والاجتماعى بل والسلوكى والأخلاقى وهنا كان الانقسام فى مستوى التعليم حكومى وأجنبى وبين المنتجعات والعشوائيات وبين أبناء الصفوة وأبناء البسطاء وبين من فتحت أمامهم فرص العمل, ومن التحقوا بمواكب البطالة وبين خريج كليات القمة أصبح فى مقدمة الصفوف ومن تخرج فى نفس الكلية أصبح عامل بلاط.. هذا التفاوت هو الذى حمل جموعا من الشباب لكى تبتلعهم أمواج البحر فى رحلة موت بحثا عن حياة أفضل، إن قضايا الشباب قضايا معقدة للغاية لأنها أجيال مازالت حائرة فى ميراث آبائها بين الاشتراكية والرأسمالية والانفتاح والانغلاق والشفافية والانتهازية وكلها قضايا لم تحسم حتى الآن..

 

..ويبقى الشعر

فى الركنِ يبدو وجهُ أمى

لا أراهُ لأنه

سكنَ الجوانحَ من سنينْ

فالعينُ إن غفلتْ قليلا ً لا ترى

لكن من سكنَ الجوانحَ لا يغيبُ

وإن توارى..مثلَ كل الغائبينْ

يبدو أمامى وجهُ أمى كلما

اشتدتْ رياحُ الحزنِ..وارتعدَ الجبينْ

الناسُ ترحلُ فى العيونِ وتختفى

وتصيرُ حزنـًا فى الضلوعِ

ورجفةً فى القلبِ تخفقُ..كلَّ حينْ

لكنها أمى

يمرُ العمرُ أسكنـُها..وتسكننى

وتبدو كالظلالِ تطوفُ خافتة ً

على القلبِ الحزينْ

منذُ انشطرنا والمدى حولى يضيق

وكل شىء بعدَها..عمرٌ ضنين

صارت مع الأيامِ طيفـًا

لا يغيبُ..ولا يبينْ

طيفـًا نسميه الحنينْ..

<<<

فى الركنِ يبدو وجهُ أمى

حين ينتصفُ النهارُ..

وتستريحُ الشمُس

وتغيبُ الظلالْ

شىءٌ يؤرقنى كثيرًا

كيف الحياةُ تصيرُ بعد مواكبِ الفوضى

زوالاً فى زوالْ

فى أى وقتٍ أو زمانٍ سوف تنسحبُ الرؤى

تكسو الوجوهَ تلالُ صمتٍ أو رمالْ

فى أى وقتٍ أو زمانٍ سوف نختتم الروايةَ..

عاجزينَ عن السؤالْ

واستسلمَ الجسدُ الهزيلُ..تكسرت

فيه النصالُ على النصالْ

هدأ السحاب ونام أطيافـًا

مبعثرةً على قمم الجبالْ

سكنَ البريقُ وغابَ

سحرُ الضوءِ وانطفأ الجمالْ

حتى الحنانُ يصير تـَذكارًا

ويغدو الشوق سرًّا لا يقالْ

فى الركن ِ يبدو وجهُ أمى

ربما غابتْ..ولكنى أراها

كلما جاء المساءُ تداعبُ الأطفالْ

<<<

شاختْ سنينُ العمرِ

والطفلُ الصغيرُ بداخلى

مازال يسألُ ..

عن لوعةِ الأشواقِ حين يذوبُ فينا القلبُ

عن شبحٍ يطاردنى

من المهدِ الصغير إلى رصاصةِ قاتلى

عن فـُرقةِ الأحبابِ حين يشدُنا

ركبُ الرحيلِ بخطوهِ المتثاقلِ

عن آخرِ الأخبارِ فى أيامنا

الخائنونَ..البائعونَ..الراكعونَ..

لكلِّ عرشٍ زائلِ

عن رحلةٍ سافرتُ فيها راضيًا

ورجعتُ منها ما عرفتُ..وما اقتنعتُ..وما سَلمتُ.

وما أجبتكَ سائلى

عن ليلةِ شتويةٍ اشتقتُ فيها

صحبةَ الأحبابِ

والجلادُ يشربُ من دمى

وأنا على نارِ المهانةِ أصْطلى

قد تسألينَ الآن يا أماهُ عن حالى

وماذا جدَّ فى القلبِ الخلىِ

الحبُ سافرَ من حدائقِ عمرِنا

وتغرب المسكينُ..

فى الزمنِ الوضيعِ الأهطـَلِ

ما عاد طفلكِ يجمُع الأطيارَ

والعصفورُ يشربُ من يدى

قتلوا العصافيَر الجميلةَ

فى حديقةِ منزلى

أخشى عليه من الكلابِ السودِ

والوجهِ الكئيبِ الجاهلِ

أينَ الذى قد كانَ ..

أينَ مواكبُ الأشعاِر فى عمرى

وكل الكونِ يسمع شدوها

وأنا أغنى فى الفضاءِ..وأنجْـلى

شاخَ الزمانُ وطفلكِ المجنونُ..

مشتاقٌ لأولِ منزلِ

مازالَ يطربُ للزمانِ الأولِ

« شىء سيبقى بيننا..» وحبيبتى لا ترحلى»

<<<

فى كلِّ يومٍ سوفَ أغرسُ وردةً

بيضاءَ فوقَ جبينها

ليضىءَ قلبُ الأمهاتْ

إن ماتتْ الدنيا حرامٌ أن نقولَ

بأن نبعَ الحب ماتْ

قد علمتنى الصبرَ فى سفرِ النوارسِ..

علمتنى العشقَ فى دفءِ المدائنِ ..

علمتنى أن تاجَ المرءِ فى نبلِ الصفاتْ

أن الشجاعةَ أن أقاوم شـُح نفسى..

أن أقاوم خسة َ الغاياتْ

بالأمسِ زارتنى..وفوق وسادتى

تركتْ شريط َ الذكرياتْ

كم قلتِ لى صبرًا جميلا ً

إن ضوءَ الصبحِ آتْ

شاختْ سنينُ العمرِ يا أمى

وقلبى حائرٌ

مابينِ حلمٍ لا يجىءُ..

وطيفِ حبٍ..ماتْ

وأفقتُ من نومى

دعوتُ الله أن يحمى

جميعَ الأمهاتْ..

من قصيدة «طيف نسميه الحنين» من سنة 2008»

[email protected]
لمزيد من مقالات يكتبها ــ فاروق جويدة

رابط دائم: