رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«كتف فى كتف».. العطاء والتكامل

لشهر رمضان الكريم مذاق خاص هذا العام، فبينما الأزمة الاقتصادية محتدمة فى أنحاء العالم، والقلق ينتاب الكثير من الأسر المصرية من عدم توافر احتياجات شهر رمضان، جاءت مبادرة «كتف فى كتف» لتؤكد أن مصر بخير، وأن أبناءها جسد واحد، فلم أشهد ملحمة تكافل وتراحم بهذا الحجم، وأظنها لم تحدث فى العالم، آلاف الشباب والمنظمات الأهلية يتطوعون لتوزيع ملايين صناديق الطعام على عشرات الملايين فى كل ربوع مصر، والقوافل الغذائية تواصل انطلاقها وانتشارها، حاملة أدوية وأجهزة طبية وأغذية تفوق رمزيتها قيمتها المالية الكبيرة، فهى تؤكد أن الشعب المصرى قلب واحد وكيان واحد، لا يمكن أن تنال منه أزمة، فالمحبة والتراحم والكتف فى الكتف تجسيد للوحدة والتلاحم والمصير المشترك الذى يجعلنا نشعر بالأمان النابع من أن لكل واحد منا أسرة كبيرة، لن تتركه يواجه وحده تلك الأزمة، وأن لديه ظهيرا قويا يتشكل من ملايين المصريين، وعلى رأسهم حكومة تنظم وترعى وتتدخل وتحمي.

واستندت القيادة فى تلك الرعاية إلى الإرث الطويل والمتجذر فى المصريين، والذى يميزهم عن غيرهم من الأمم، والمتمثل فى تلك الحالة الجماعية الموحدة والمتلاحمة، والتى تظهر وقت الأزمات بصورة أوضح، مثلما كان المصريون يتراصون على حواف النيل وقت الفيضان، ليذودوا جميعا كتفا بكتف عن منازلهم الغرق، أو يبنوا معا منازل جديدة بدلا من تلك التى أغرقها الفيضان، ومثلما كانوا يبنون معا الأهرامات الضخمة، والتى تأكد أن مئات آلاف المصريين شاركوا فى بنائها بمحض إرادتهم، وليس بالإكراه مثلما اعتقد البعض، وأكدت ذلك الحفريات والوثائق المكتوبة، ومازالت تلك الروح الواحدة والموحدة باقية فى قلوب وعقول المصريين، كأول جماعة بشرية منظمة فى التاريخ.

وظلوا لآلاف السنين موحدين ومترابطين، يدركون ويشعرون بالمصير المشترك، ولم تفلح أى قوة فى أن تنال من تلك الوحدة، وتحطمت كل محاولات بث الفتن والفرقة بينهم، وها هى تتجسد فى ملحمة «كتف فى كتف» التى لاقت إقبالا هائلا من المتطوعين والمتبرعين، يتوافدون فرادى وجماعات، يعرف كل منهم ماذا يفعل، ويقدم ما يستطيع طواعية وبكل الحب. أعتقد أن هذا التوقيت كان بحاجة إلى مثل هذا العمل الجماعى الواسع، وتحت تلك اللافتة، بدلا من مبادرات الإفطار الجماعى الفردية، والتى حملت اسم «موائد الرحمن»، فقد تحولت المبادرات الفردية فى تقديم وجبة طعام إلى عمل جماعى واسع، يتخطى حدود إقامة كل مبادر ومتطوع، وتتسع لوطن بأكمله، يمتد من جنوب أسوان إلى أقصى الشمال الغربى فى مطروح، وأقصى الشمال الشرقى فى سيناء، لتقدم القبائل والعائلات ما يمكن لكل منها تقديمه، أيا كان الموقع.


وتحمل القوافل تلك الإعانات إلى كل من يحتاج، ولا تتوقف عند تقديم المأكل فحسب، بل تشمل التشخيص والدواء والخدمات الطبية بمختلف أنواعها، وأظن أن تلك الملحمة المتميزة لن تتوقف بنهاية شهر رمضان، وأنها قادرة على الاستمرار لتقديم خدمات كثيرة ومتنوعة، وتحشد تلك الطاقات الهائلة لشباب مصر من كل المحافظات، والذين نذروا وقتهم وجهدهم لعمل الخير، لتمضى تلك الطاقات إلى استكمال أدوار مهمة فى نشر الخير والعطاء بالجهد والمال مع حب التطوع فى أعمال خدمية وتنموية ستغير وجه مصر، وتصبح عنوانا لجمهوريتنا الجديدة، التى تنظم وتطلق تلك الطاقات الهائلة فى خدمة مصر.

وعندنا الكثير من المهام والاحتياجات لهذه الطاقة الخلاقة، القادرة على اجتثاث أى ظواهر سلبية، من إنهاء ظواهر انتشار القمامة فى الشوارع، إلى تطهير الشواطيء من الملوثات، وحتى طلاء واجهات البيوت، وردم الحفر فى الشوارع، لتصبح مصرنا الجديدة أكثر بهاء وجمالا، بسواعد هؤلاء الأبناء، وبدعم وتنظيم من القيادة السياسية الواعية، التى أمسكت بواحدة من أهم الصفات الإيجابية للمصريين، ومهدت لها سبل التحول إلى طاقة بناء وعطاء. وعندى أمنية أتمنى أن أراها، وأرجو من كل تاجر وصانع صغير أو كبير أن يتحلى بتلك الروح التى نشاهدها فى ملحمة كتف فى كتف، وألا يستغل أى فرد أزمة فى سلعة ليرفع السعر أو يخزن كميات كبيرة ليحقق أرباحا أكبر على حساب المحتاجين، ولينظروا لمن قدموا المال أو تبرعوا بكميات من السلع، أو من تكبدوا عناء إعداد وتوصيل تلك الاحتياجات، ويدركوا أن عمل الخير أبقى وأفضل من تحقيق مكسب فردى بتلك الطرق الخبيثة والمسيئة، وأن يتطهروا من أى مكسب بمثل تلك الطريقة، وأن يشعروا بما يعانيه غيرهم، ولا يزيدوا من معاناتهم، بل يربتوا على المتألم ويخففوا عنه، وأن يجعلوا من هذا الشهر الفضيل بداية جديدة، تعلو فيها قيمة الخير والعطاء والتكافل والمحبة والكرم، وتردع أى رغبة فى تحقيق الثراء بتلك الطرق الرديئة، لتكتمل ملحمة الحب والعطاء وتتسع لتشمل جميع المصريين.

مشهد آخر رأيته عند افتتاح مراكز جديدة للإصلاح والتأهيل المعروفة باسم «السجون» الأول بالقرب من مدينة العاشر من رمضان، والثانى بالقرب من مدينة 15 مايو، والثالث بالقرب من أخميم الجديدة فى سوهاج، والمراكز الثلاثة جرى الانتهاء من تشييدها خلال عام واحد، ليبدأ تشغيلها مطلع الأسبوع الجاري، ورأيت حجم التطور العمرانى والخدمى الكبير المقدم لشريحة من أضعف الشرائح الاجتماعية وهم السجناء، مهما كانت خطيئتهم أو الجريمة التى يقضون فيها عقوبة السجن فهم من أبنائنا وإخوتنا، وإن أخطأوا، ولهم حقوق بالمعاملة الإنسانية، والطعام الصحى المناسب، والمكان الصحى وتلقى العلاج عند المرض، ولهم حق التقويم، ورعاية أسرهم.

وهذا ما شاهدته فى مراكز الإصلاح والتأهيل الجديدة، بعد أن تقادمت وتكدست المراكز القديمة، التى زحف عليها العمران، وأصبح من الصعب توسيعها أو تطوير مرافقها، لتأتى أيادى التعمير والتطوير لتشمل تلك السجون التى عانت طويلا من الإهمال، فمن يقطنونها مدانون أو تحت المحاكمات، ولهذا ينظر إليهم البعض على أنهم يستحقون كل عقاب، سواء ذلك الذى نطق به القضاء أو النقمة التى ينظر بها المجتمع لهم، رأيت الأماكن الجديدة الحضارية، بها ساحات للتريض، ومراكز للتدريب المهنى والفني، ومقر مستقل للقضاة، للنظر فى قضاياهم دون عناء نقلهم تحت حراسات مشددة ومعاناة تدوم طويلا من تنقلات مرهقة فى ظروف صعبة، ورأيت شاشات كبيرة تمكنهم من متابعة القنوات الفضائية، ومركزا طبيا به غرف عمليات حديثة، و318 سريرا، وقسما للطب النفسى وعلاج الإدمان، ووحدة للأمراض المتوطنة، ومسجدا كبيرا، ومصلى للمسيحيين، وأماكن انتظار سيارات تتسع لنحو 1700 سيارة، ومطابخ حديثة ونظيفة، ويشمل التطوير آليات الزيارات والتأمين لتصبح أكثر آدمية وأقل إرهاقا للسجناء وذويهم، مع توفير الأمن المناسب والدقيق. وأعتقد أن السجون إحدى المرايا الهامة التى تعكس تطور المجتمعات، لهذا سعدت بهذه النقلة النوعية التى ستنعكس إيجابيا على المجتمع.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثابت

رابط دائم: