لا تخلو منطقة فى العالم من حربٍ إقليمية أو داخلية مشتعلة، وأخرى أو أكثر كامنة لأن بخار الصراع الذى يتراكمُ تحت السطح لم يبلغ لحظة الانفجار. فى كل الحروب المشتعلة أرواح تُزهق، وآلام توجع, وموارد تُبدَّد فى إنفاق متزايد على التسلح. تكفى هذه المواردُ لانتشال كُثُر من ويلات الفقر المدقع، والتهميش المُهدر للكرامة، وإنقاذ الكوكب من أخطار تُهدَّده وتحمل فى طياتها نذر نهاية العالم سواء فعليًا أو رمزيًا. فعليًا، صار احتمالُ نشوب حرب نووية، تجّسدُ المعنى المتضمن فى عبارة الدمار الشامل, أقرب الآن منه فى أى وقتٍ مضى. وأيًا يكن مدى الإيمان بأن العقل يتغلبُ فى النهاية، وأن الحكمة تعصمُ البشر من تدمير أنفسهم وغيرهم مهما بلغ جنونُهم، يبقى هذا الاحتمالُ قائمًا فى ظل صعوبة توقع مسار الحرب على أوكرانيا فى الأسابيع والأشهر المقبلة، فيما عدا أنها ستكونُ أشد وأفظع. ورمزيًا، يفيدُ مؤشر نهاية العالم أنها أصبحت أقرب من أى وقتٍ مضى منذ أن ابتكر عدد من العلماء فى مقدمتهم أينشتاين عام 1947 ساعةً رمزية لقياس مدى الاقتراب من هذه النهاية. فقد أصبحت عقاربُها الآن على بُعد90 ثانية فقط من منتصف الليل، أى أقرب مما أشارت إليه فى ذروة جائحة كورونا بعشر ثوان. وعندما نتأملُ كيفية تفاعل ما يُسمى المجتمع الدولى مع الكوارث الزلزالية فى تركيا وسوريا، ربما نجدُ أن للحديث عن نهاية العالم ما يبررُه رمزيًا على الاقل. تباطؤ شديد، وتقتيرُ بالغ، فى التعامل مع كوارث تستدعى إنقاذًا سريعًا، وإنفاقًا بمقدار ما يتطلبُه هذا الإنقاذ. المساعداتُ المالية التى خُصصت للمناطق المنكوبة فى تركيا وسوريا أقل من أن تعتبر رمزية، والمساعداتُ العينية بطيئة، ولم يوقَف أى من الحروب المشتعلة ولو ليومٍ واحد تعبيرًا عن تضامنٍ رمزى مع ضحايا الكارثة. ولهذا نتطلعُ إلى دراسةٍ تُجرى فيها مقارنة بين قيمة المعدات العسكرية التى دُمرت فى ميادين القتال منذ وقوع الكارثة، وقيمة المساعدات الفعلية للمناطق المنكوبة فى تركيا وسوريا، لنعرف هل بقى مكان للرهان على عقلٍ أو حكمةٍ فى هذا العالم؟
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: