تابعتُ الكثير مما كُتب وقيل عن وقف بث راديو بى.بى.سى باللغة العربية منذ إعلانه فى 27 يناير الماضي. عَبّرَ معظم من كتبوا أو تحدثوا عن حزنٍ أو أسفٍ لوقفه. لم أجد بينهم شبابًا من الأجيال الجديدة. ربما لا تكونُ الملاحظةُ دقيقة، لأنها لم تعتمد على مسحٍ منهجى لكل ما كُتب أو قيل تعبيرًا عن هذا الأسف.
ولكننى وجدتُها منطقية، لأن راديو بى.بى.سى عربى اليوم ليس هو نفسه الذى كان حتى قرب أواخر القرن الماضى عندما ظهرت شبكة الإنترنت، وبدأ الزمنُ الرقمى الذى نشأ جيلان كاملان تقريبًا فيه، إذ فتح أبناؤهما أعينهم على شاشات الهواتف الذكية، وعرف بعضُهم التكنولوجيا الجديدة قبل أن يتعلموا القراءة والكتابة.
ورغم أن راديو بى.بى.سى عربى حاول التكيف مع مستجدات الزمن الرقمى، والمتغيرات التى طرأت على تفضيلات المُتلقين، لم يستطع وضع حدٍ لتراجع أعداد متابعيه حتى حين نقارنُهم بمن يشاهدون تليفزيون الهيئة نفسها، وبالعدد الأكبر الذين يزورون موقعها الإلكترونى باللغة العربية، وفق البيانات الصادرة عنها. فقد تضاءل عددُ من ينتظرون النشرات الخبرية كل يومٍ لمعرفة ما يحدث. وباختصار مضى الزمنُ الذى ازدهر فيه راديو بى.بى.سى، وحقَّق انتشارًا لم تبلغ إذاعةُ أخرى مثله. ولهذا لم يعد استمراره مجديًا، فكان وقفُه أمرًا طبيعيًا ، بل لعله جاء متأخرًا.
وعندما فكرتُ فى مغزى موقف من عبروا عن حزنهمُ لوقفه، لم أجد تفسيرًا إلا الحنين إلى زمنٍ مضى، لأن أحدًا منهم، ومن غيرهم، لم يخسر شيئًا لغياب هنا لندن، نتيجة التحول النوعى فى سوق الإعلام منذ نهاية القرن الماضي.
حنينُ شخصىُ قوى فى المقام الأول، وربما حنينُ أيضًا إلى تقاليد مهنية أسهم راديو بى.بى.سى فى إرسائها، وتراجعت بدورها فى سوق الإعلام الراهن. تقاليدُ مثل التغطية المتوازنة، والسعى إلى الدقة قدر الإمكان، والحرص على تقديم مواد تتسمُ بالعمق، والاهتمام المبكر بالبرامج التفاعلية. ولا يعنى هذا التزام حيادٍ لا وجود له. فقد كانت هيئة بى.بى.سى، ومازالت، صوتُ بريطانيا فى العالم، ولكن بطريقةٍ موضوعية تقومُ على التزام التقاليد المهنية.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: