رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الواقع الاجتماعى وأولويات الناس

لا أبالغ إذا قلت إن الاهتمام بالشأن العام قد تراجع لدى كثير من المصريين, وأن هناك أولويات أخرى .. فقد أصبحت الأوضاع الاقتصادية وما يحيط بها من تحديات أهم من الشعارات الحزبية خاصة إذا كانت هذه الشعارات بعيدة تماما عن هموم الناس ومشاكلهم.. ويبدو أن الاهتمام بالشأن العام تراجع فى ترتيب الأحداث والأولويات أمام واقع سادته الانقسامات فى بعض جوانب الحياة وأن البعض قد جنح إلى مناطق صراع لا تتناسب مع تاريخ مصر السياسى والفكرى والديني.. وأن الأحداث فرضت على المصريين نوعا من الحوارات لا يقوم على فكر صائب أو رؤى موضوعية..

 

ــــ هناك بعض الشواهد التى تؤكد أن الإنسان المصرى تراجع اهتمامه بالشأن العام وأن هذه الشواهد قد أخذت عدة أشكال واضحة:

> اولاً: إن بعض أفراد النخبة السياسية الحقيقية قد انسحبوا من الساحة وفقدت بريقها وتأثيرها ووجودها…. لقد انسحب كثير من أعضاء النخبة السياسية وبدأ البحث عن مصالح ذاتية محدودة: أن يدافع سكان حى الزمالك عن حدائقهم التى تحولت إلى جراجات أو يتساءل البعض عما حدث فى حديقة النباتات أو ما ينتظر حديقة الحيوان أو الأورمان أو أشجار مصر الجديدة.. وفى المقابل لم يهتم أحد بما يحدث مثلا فى مدينة نصر أو مدافن السيدة نفيسة .. لقد غابت النخبة فى كل هذه المشاهد .

> ثانياً : لم تنفصل النخبة وحدها عن الواقع المصرى وما يشهده من متغيرات فى حياة الناس وإذا كانت الانقسامات قد شهدت اختفاء دور النخبة .. فإن الواقع الجغرافى غير روابط كثيرة تفككت وأصبح لدينا نخبة المنتجعات ونخبة الأبراج ونخب العلمين والساحل الشمالى والبحر الأحمر، وبقيت نخب الأماكن القديمة فى قاهرة المعز تحاول أن تحافظ على ما بقى من مظاهر الحياة القديمة .. وهنا أمام حالة الانقسام والتفتت الجغرافى والمكانى والإنسانى أخذ الاهتمام بالشأن العام يتراجع حيث لا تقارب فى فكر أو علاقات أو أماكن..

> ثالثاً : أمام هذه الانقسامات ساد نوع من العزلة الاختيارية بين فصائل المجتمع، وظهرت أجيال جديدة لا يوجد بينها أى تناغم أو تواصل أو مودة وكان الانقسام المكانى والجغرافى أخطر ما تعرض له المجتمع المصري، وهنا أيضا المصالح اختلفت بل تعارضت، وأصبح لكل فصيل حياته وأسلوبه وتعليمه وناديه وجيرانه، وغابت تماما علاقات قديمة عاش عليها المصريون أمام واقع جديد أقل ترابطا وإنسانية..

> رابعاً : برزت على حياة الناس بعض التحديات التى اختلفت درجاتها بين مواطن يريد أن يسدد فاتورة المستشفى أو مصاريف الأبناء فى المدارس أو من يدفع الملايين لشراء فيلا جديدة .. هذا التفاوت جعل كل إنسان يفكر فى نفسه وحياته وأسرته بعيدا عن الشأن العام ومن نجح فى مجلس النواب أو لم ينجح أو آخر الاستجوابات أو الحرب بين روسيا وأوكرانيا .. أصبحت حدود الوطن والعالم والحياة مساحة الشقة أو الحديقة أو الزوجة الثانية التى تريد سيارة جديدة..

> خامساً: أمام الانقسامات والمنتجعات والمدن الجديدة أصبح من الصعب أن يجتمع الناس حول فكرة أو موقف أو قضية، وأصبح لكل فئة قضاياها ومشاكلها وهمومها وقبل ذلك مصالحها، وأمام البعد الجغرافى والمكانى والاجتماعى وكأن هناك شيئا جديدا فى حياة المصريين.. ولا نستطيع أن نتجاهل أن اهتمامات الناس قد تغيرت أمام الإحساس بأن الحياة ليست القضايا العامة فقط ولكن ضرورات الحياة أولى وأهم.

> سادساً : كان من أسباب تراجع الاهتمام بالشأن العام فى حياة الناس وعدم اهتمامهم بها أن بعض المؤسسات لم تعد حريصة على أداء دورها ورسالتها تجاه جماهيرها .. وقليلا ما يجرى حوار حول ما يدور من الأحداث من قبل الكثير من الأحزاب السياسية.. لا أعتقد أن الملايين من المصريين يعرفون أسماء كثير من الأحزاب الحالية أو أسماء رموزها وكيف ظهرت ومتى تشكلت وأين مقارها وأعداد أعضائها، وقبل هذا كله فإن تجارب الأحزاب الفوقية فى العهود السابقة لم تنجح فى يوم من الأيام فى إقامة حياة حزبية حقيقية..

> سابعا : لم أفقد الأمل فى أن يعود الإنسان المصرى للاهتمام بالشأن العام مشاركا وصاحب رأى ورؤى، وأن تظهر فى الساحة اهتمامات المصريين بمستقبل مصر على جميع الأصعدة.. ولن يكون ذلك إلا إذا عادت النخبة لتقوم بأدوارها فى تشكيل اهتمامات الرأى العام، وأن تشارك المؤسسات الحزبية والبرلمانية فى حوار شامل يتناول قضايا المجتمع وهموم الناس، وأن يكون للفكر دور ومسئولية فى صياغة واقع من الوعى والمسئولية..

> ثامناً : تحولت القضايا الدينية إلى معارك افتقدت الشفافية والمصداقية وتدخلت فيها أطراف كثيرة فى الداخل والخارج، وقد تصور البعض أن هذه المعارك تدخل فى نطاق النشاط العام رغم أنها أبعد ما تكون عنه فقد اتسمت بالتطاول أحيانا على الأديان واتسمت بالغوغائية وسوء النوايا.. ورغم أن هناك قضايا مثل قضية الإرهاب والتطرف والشطط الدينى فإن جوانبها الفكرية لم تكن يوما مجالا للحوار..

> تاسعاً : هناك عدد من القضايا الاجتماعية يجب أن تكون لها أولوية خاصة لأنها تمثل تحديات لا ينبغى إهمالها وفى مقدمتها قضية المخدرات والملايين التى يدفعها الشعب لهذه الكارثة، وهى لا تنفصل عن قضية الجريمة التى تهدد الشارع المصرى على كل المستويات بما فى ذلك الأسرة المصرية .. أما آخر القضايا فهى ظاهرة الطلاق وهى من أخطر الظواهر التى تهدد أجيالنا الجديدة .. قد تكون هذه القضايا بعيدة عن السياسة، ولكنها تغيرات اجتماعية حادة يجب أن نتوقف عندها، وتكون لها أولوية خاصة لدى المواطن المصرى ومؤسسات الدولة..

الخلاصة : تراجع اهتمام كثير من المصريين بالشأن العام أمام واقع اجتماعى قسمهم، وأفكار غريبة شوهت عقول الكثيرين منهم.

ــــ إن الاهتمام بالشأن العام لن يكون يوما بعيدا فى أولويات الناس حتى لو فرضت اهتمامات وهموم أخرى نفسها على الواقع المصرى وفرضتها ضرورات الحياة أمام أعباء طارئة، ولكن المؤكد أن الاهتمام بالشأن العام والسياسة سوف يبقى عنصرا فعالا فى كل شىء، حتى لو أصبحت هناك أولويات معيشية فرضت نفسها فى ظروف صعبة وحتى ولو انسحبت النخبة وغاب الحوار .

 

 

..ويبقى الشعر

 

حينْ افترقنَا ...

تَمنيتُ سُوقاً يبيعُ السِنيــنْ

يُعيدُ القلوبَ ... وَيُحـيى الحَنيـنْ

تَمَّردَ قلبِى ... وَقالَ انتَهـــينَا

وَدَعنا مِن العِشق وَالعَاشِقينْ

تَمنيتُ سُوقاً يَبيــعُ السِنينْ

أُبَّدلُ قَلبى وَعُمـــرى لَديهِ

وَألقاكِ يَومـــاً بِقلبٍ جَديدٍ

تَمنيتُ لوْ عَاد نَهــرُ الحَياةِ

يُكَّسِرُ فِينا تِلَال الجَليـــــدِ

تَمنيتُ قلبًا قوياً جسورا

يجئ إليكِ بحلم عنيدْ

وَلكنَّ قَلبيْ مَا عَــــاد قَلبيْ

تَغَّــربَ عَنكِ تَغَّــربَ عَنِي

وَمَا عَادَ يَعــرف مَاذا يُريدْ !

<<<

عَشِقتُ بِعينيكِ نَهرا صَغيرا

سَرى فِى عُروقِى .. تَلاشَيتُ فِيهِ

حَملتُ إليهِ جَميـــعَ الخَطايَا

وَبين ذُنوبِى تَطهَّــرتُ فِيهِ

رَأيتُكِ صُبحاً وَبيتـا .. وَحُلمـا

رَأيتُكِ كُــلَّ الذِى أشتَـهِيهِ

تَجاوزتُ عَن سَيئاتِ الليَالِي

وَسَامحتُ فِيكِ الزمانَ السَفِيهِ

فَماذَا تَغَّيرَ فِى مُقلتيـــكِ ؟

وأينَ الأمانُ عَلى شَاطِئيـكِ ؟

دِماءُ صِبانا عَلى رَاحتيــكِ

وعمرى وَعمركِ صَمتٌ عَقِيمْ

وأمسِى وَأمسُك طِفــلٌ يَتيمْ

فكيف نُعيدُ الزَمان القَدِيـمْ ؟

<<<

وحِين افتَرقنَا..

تَذكرتُ عَينيـــكِ يَوم التقينَا

وَسَاءلتُ عِطرُكِ : كَيف انتهَيْنا ؟

تَذكرتُ فِيكِ رَحيــــلُ الغُزاةِ..

وَكيفَ تَهــاوَتْ قِلاعُ العُيـونْ

ضَممتُ الغُـــزاةَ وَهُم قادِمُونْ

بَكيتُ الغُزاة وَهُـم رَاحِلــونْ

ولكنَّ قَلبيْ مَا عَـــــادَ قَلبِي

تَغَّير مِنكِ .. تَغَّيرَ مِنِّي

بَقاياكِ عِندى أسـىً .. أو ظُنــونْ

<<<

وَحينَ افترَقنا..

تَمنيــتُ لو جَاءَ صُبحٌ جَديدُّ

يُلَّملمُ أيامنَـــــا السَاقِطاتْ

تَمنيتُ يَا قِبــــلتِى أنْ أعُودَ

كَما كنتُ طِفلاً بَـريء السِّماتْ

تَشَّردتُ فِى الأرضِ بينَ الليَالِي

فَأصبحتُ أحمِــلُ كُلَّ الصِفاتُّ

شَبابٌ .. وَحُزنٌ .. رَمَــادٌ ..وَنَارٌ

وَطيرٌ يُغَّنِى بِلا أُغنِيـــــاتْ

أُداوِى الجِــراحَ .. بِقلبٍ جَريحِ

أُمَّنِى القُلـوبَ .. بِلا أُمنِيــاتْ

وَأدركتُ بَعد فَـــواتِ الأوَانِ

بِأنِّـى نبىُّ ....بلا معجزاتْ

 

قصيدة «نبى بلا معجزات سنة 1982»

[email protected]
لمزيد من مقالات يكتبها ــ فاروق جويدة

رابط دائم: