رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

١٠٠ عام على دستور ١٩٢٣

هناك أحداث ينبغى أن تبقى فى ذاكرة الشعوب وأن تتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل لأنها لحظات غيرت وجه الحياة وأخذت مكانتها فى صفحات التاريخ .. وهذه الأحداث ليست كثيرة لأنها تأخذ مكانها وتمضى وبعد أيام قليلة يطل علينا عام جديد يحمل رقم ٢٠٢٣ وفى مثل هذا التاريخ وفى عام ١٩٢٣ شهدت مصر ميلاد أعظم دساتيرها أثرا وقيمة وإنجازا إنه دستور مصر الاستقلال والحرية وإرادة الشعب فى صفحات تاريخ مصر فى مائة عام

◙ من يؤكد أن دستور ٢٣ كان أعظم دساتير مصر ليس فقط لأنه كان وثيقة استقلالها من الاحتلال الانجليزى واعترافا بحق شعبها فى الحرية والكرامة ولكنه وضع ثوابت الحريات بين ربوعها .. إن مواد هذا الدستور وعددها ١٧٠ مادة تناولت كل شيء فى حياة المصريين أمنا وسلوكا وأخلاقا وحكومة وجيشا وسياسة واقتصادا ..

لم تترك هذه الوثيقة التاريخية نقطة ضوء إلا وأمسكت بها .. إن الحرية الشخصية من المقدسات التى لا ينبغى المساس بها ولا عدوان بأى صورة على الملكيات الخاصة .. ولا يجوز التنصت على الناس والصحافة حرة كتابة ورأيا وفكراً وإصداراً ولا رقيب عليها إلا ما تقرره القوانين .. ولم يترك دستور ٢٣ قضايا التعليم وحسم قضية المجانية وهو حق لكل مصرى قبل أن يطالب بها طه حسين والبحث العلمى لابد أن توفر له الدولة كل الرعاية فى الحرية والإمكانات والمعرفة كانت هذه الوثيقة تضع ثوابت إنسانية وسلوكية تقوم على مجتمع حر فى فكره وسلوكياته وما يحكمه من الضوابط والقوانين..

◙ لقد حاولت دساتير أخرى أن تأخذ من دستور ٢٣ ما يتناسب مع حركة الأحداث وتغيرات الزمن ولكن لا أحد منها وصل إلى هذه الآفاق والرؤى التى وصل إليها أول دساتير مصر .. ورغم تفرد وتميز هذا الدستور فإن الآراء تضــاربت حولــه وهاجمــه

د. طه حسين رغم أن هناك من يؤكد أنه شارك فى صياغته وكتب ديباجته .. واعترض حزب الوفد على الدستور وسخر زعيم الأمة سعد زغلول من اللجنة التى كتبته وأطلق عليها لجنة الأشقياء وقاد مظاهرة ضد الدستور ومن شارك فيه وإن تغير موقف حزب الوفد بعد ذلك وتمسك به أمام دستور ١٩٣٠ ..

◙ ولا شك أن مواد كثيرة جاءت فى هذا الدستور ألغيت فى دساتير لاحقة ومنها راتب الملك ومخصصاته وعضوية الوزراء فى مجالس إدارة الشركات ومنع الوزراء من الحصول على أى شيء من المال العام حتى فى المزادات .. والغريب أن أكثر الاعتراضات جاءت من القوى العلمانية حول مادة الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها والشريعة الإسلامية مصدر التشريعات والقوانين ومازالت هذه المادة مثار خلاف فى كل دساتير مصر حتى الآن هناك من يتمسك بها بشدة وهناك من يرفضها بإصرار وكان طه حسين فى مقدمة الرافضين ..

◙ إن الحديث ذو شجون عن مصر منذ مائة عام ودستورها الفريد الذى جمع الوطنين مصر والسودان فى وطن واحد قبل أن تفرقهما عواصف الأيام والأهواء والمصالح .. أقول يجب أن نحتفل بذكرى مرور مائة عام على دستور٢٣ فى شهر ابريل القادم وهو تاريخ صدوره والعمل به .. وهناك أسباب كثيرة تجعلنى ألح فى طلب هذه الاحتفالية..

ــــ أولاً : انه أول دساتير مصر وهو الذى وضع قواعد الحياة السياسية فى مصر من العلاقات بين مؤسساتها حكومة وملكا وسياسة واقتصادا والعلاقة بين الشعب والسلطة وعلاقة المسئولين بالمال العام..

ــــ ثانيا : حرصا على أجيالنا الجديدة من حقهم ومن واجبنا أن يدركوا أنهم ينتمون لشعب عظيم، كان يتمتع بكامل حريته فى الفكر والإبداع، وتصان حياته الشخصية فى بيته وتحفظ كرامته فى عمله ولا اعتداء على الملكية الخاصة ولا اقتحام للبيوت أسرار.. وهناك ضوابط وحدود واضحة بين فئات المجتمع جماعات وأفرادا

ــــ ثالثاً : فى أوقات العواصف والأزمات تلجأ الشعوب إلى ما يحميها ويحافظ عليها لتبقى جذورا راسخة متمسكة بالارض وفى دستور ٢٣ الذى صدر منذ مائة عام ما يضع حدودا للعلاقات بين مؤسسات الدولة والمواطنين فى الجنسية والسفر ومصادر الحماية دون تجاوز او تهميش او إقصاء

ــــ رابعاً : أن هذا الدستور صدر فى عهد الملكية والاحتلال ورغم ذلك كانت بنوده تضع قواعد وثوابت لحماية حقوق الإنسان فى التعليم والرأى والفكر والإبداع دون رقابة أو حجر أو وصاية وكان يضع الكثير من الضوابط حول أنشطة أفراد العائلة من الأسرة المالكة فلا يعين منهم وزراء ولا يعمل الوزراء فى الشركات بجانب أعمالهم ضوابط خلت منها دساتير مصر فى أحيان كثيرة..

ــــ خامساً : أطالب بإقامة احتفالية تليق بهذا الدستور الذى وضع قواعد الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية والإنسانية لمصر وكان يستحق ذلك اننا نحتفل بذكرى رموزنا من الساسة والمبدعين والقادة وفى تقديرى أن الأحداث الكبرى فى حياتنا تستحق أن نحتفى بها ونحافظ عليها لأنها حق لأجيال قادمة..

◙ الخلاصة : أن دستور ٢٣ هو الأب الشرعى لكل بدايات مصر وإنها جميعا سارت على دربه بل إن دولاً عربية كثيرة استعانت به وانه من حيث القيمة والأهمية يمثل ميلادا حقيقيا لدولة حديثة خاصة انه كان يواكب فى الزمن والانجاز ثورة ١٩ أول انطلاقة للشعب المصرى حرية واستقلالا وكرامة وان إحياء هذا الحدث التاريخى يعيد لنا ذكريات لحظات مضيئة ينبغى ألا تغيب .. إننى أتوجه إلى مجلسى النواب والشيوخ والمحكمة الدستورية والمؤسسات القضائية والإعلام المصرى أن يشارك الجميع فى هذه الاحتفالية..

◙ لقد احتفلنا بمئوية رموز كثيرة عبدالناصر والسادات وبطرس غالى وهناك أحداث كبرى يجب أن تأخذ مكانتها المناسبة فى ذاكرة المصريين لأنها تحمل عبق تاريخ ورموز وانتصارات يجب أن تعيش فى قلوبنا بكل اعتزاز وفخر وكرامة .. كان دستور ٢٣ من أهم الأحداث الكبرى فى تاريخ مصر ويجب ان يحتل المكانة التى تليق به فى ذاكرة المصريين كان لحظة مضيئة فى تحرير الإرادة المصرية أرضا وفكرا ووجودا..

◙ لقد صدرت بعد ذلك دساتير كثيرة ومنها من اخذ مواد كثيرة من دستور ٢٣ وإن بقيت مواد أخرى فى منطقة المحظورات خاصة قضايا الحياة الخاصة والملكية وقدسية المال العام ورواتب المسئولين والوزراء وحتى الملك .. هى مواد اتسمت بالحكمة والأمانة يجب أن نعيد الكثير من الأفكار والمواد التى جاءت فى دستور ٢٣ حول حدود السلطة فى التعامل مع المواطنين أمنيا وقضائيا لن يعيبنا أبدا أن نستعين بدستور ٢٣ إذا كان ذلك يسد ثغرات كثيرة جاءت فى دساتير لاحقة..

◙ إننا عادة نحتفى بالأشخاص فلماذا لا نحتفى بالأحداث الكبرى التى غيرت الأشياء وكانت بداية عالم جديد .. كان دستور 23 ميلاد وطن جديد استقلت إرادته .. وارتفعت أعلامه وتخلص من عصور الوصاية وجاءت كل مادة فيه لتؤكد أن حرية الأوطان والإنسان هى أعظم ما تسعى إليه الدساتير والقوانين والمبادئ..

 

..ويبقى الشعر

وَحْدِى أنتظرُكِ خلفَ البابِ

يُعانقـُنى شوقٌ .. وحَنينْ ..

والنـَّاسُ أمامِى أسرَابٌ

ألوَانٌ ترْحلُ فى عَيْنى

وَوُجُوهٌ تخْبُو .. ثـُم تـَبينْ

والحُلمُ الصَّامتُ فى قلبى

يبْدو مَهْمُومًا كالأيام ِ

يُطاردهُ يَأسٌ .. وأنينْ

حُلمِى يترنـَّحُ فِى الأعْماق ِ

بلا هَدفٍ .. واللحنُ حزينْ

أقدامُ النـَّاس علىَ رأسِى

فوقَ الطرقاتِ .. على وجْهى

والضَّوءُ ضَنينْ ..

تبدُو عَيناكِ على الجُدران ِ

شُعاعًا يَهَربُ من عَينى

ويعُودُ ويسْكنُ فى قلبى مثـْلَ السِّـكـِّينْ

أنتظرُ مَجيئكِ .. لا تأتِينْ ..

عَيْنى تتأرْجحُ خـَلـْف البَابِ

فلمَ تسمَعْ ما كنْتُ أقولْ ..

أصْواتُ الناس على رأسِى

أقدامُ خيُولْ ..

ورَنينُ الضَّحَكات السَّكرى

أصْداءُ طبولْ ..

وسَوادُ الليل على وجْهى

صَمتٌ وذهولْ ..

وأقولُ لنفسِى لوْ جاءتْ.. !

فيُطلُّ اليأسُ ويصْفعُنى

تنزفُ منْ قلبى أِشياءٌ

دمْعٌ .. ودماءٌ.. وحنينٌ

وبقايَا حلم ٍ.. مقتولْ

مَا كنتُ أظنُّ بأنّ العهْدَ

سرابٌ يضْحكُ فى قلبينْ

مَا كنتُ أظنُّ بأنَّ الفرحة

كالأيام ِ إذا خانتْ ..

يَنطفئ الضَّوءُ على العَيْنينْ ..

أنتظرُ مجيئكِ يشطرُنى قلبى نِصفينْ ..

نصْفُ ينتظرُك خلفَ البابِ

وآخرُ يدْمَى فى الجفنينْ..

حاولتُ كثيرًا أنْ أجْرى..

أن أهَربَ منكِ .. فألقانى

قلبًا يتشظـَّى فى جَسَدينْ ..

الصَّمْتُ يُحَدّق فِى وَجْهى

لا شَىْءَ أمَامِى ..

غَابَ النـَّاسُ.. ومَاتَ الضَّوءُ ..

وفِى قلبـِى جَرْحٌ .. ونزيفْ

وأعُودُ ألملِمُ أشْلائِى فوْقَ الطــُّرقاتِ

وأحْملـَهَا .. أطلال خريفْ

والضَّوءُ كسِيٌر فى العَيْنين ِ

خُيولُ الغـُربةِ تسْحقـُنِى ..

والصَّمتُ مُخيفْ..

هدأتْ فِى الأفق بقايَا الضَّوءِ

وَقدْ سَكنـَتْ أقـْدامُ النـَّاسْ

وأنـَا فِى حُزنى خلـفَ البابِ

يُحاصُرنِى خوفٌ.. ونـُعَاسْ

مِن أيْنَ أنـَامُ ؟

وصَوْتُ الحُزن على رأسى

أجراسٌ تسحْقُ فى أجراسْ

وأنا والغـُربة ُوالأحزَانُ وعيناكِ

وبقايا الكـَأسْ..

واللـَّيلُ وأوْراقى الحَيْرَى ..

والصَّمْتُ العَاصِفُ .. والحُرَّاسْ

وأقولُ لنـفـْسِى .. لوْ جَاءتْ ..

يَرتـَعِش الضَّوءُ ..

وفِى صَمْتٍ .. تخـْبُو الأنـْفاسْ ..

مَازلتُ أحدّقُ فِى وَجهى والقلبُ حزينْ ..

أجمَعُ أشلائِى خـَلـْفَ البابِ

يُبعثـُرها جُرحٌ .. وحَنينْ ..

والحُلمُ الصَّامتُ فِى قلبـِى

يَبْكى أحيانـًا كالأطـْفال ..

ويسْألُ عَنكِ .. متـَى تأتينْ ..

مَتـَى .. تـَأتِينْ ..

----------------

قصيدة «متى تأتين» 1994

[email protected]
لمزيد من مقالات هوامش حرة يكتبها ــ فاروق جويدة

رابط دائم: