رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

اجتهادات
غسلُ أم تحكم؟

التحكم فى العقول معروفُ منذ القدم. تعود إرهاصاته إلى بداية تكوين التجمعات البشرية الأولى فى وقتٍ غير معلومٍ بدقة، إذ يتراوح بين مائة ألف وثلاثمائة ألف عام. ارتبطت بداياته الجنينيةُ بنشوء السلطة فى أشكالها الأولى، التى لم نعرف تفاصيلها بدقة أيضًا بعد. كان ضروريًا لمن سبقوا إلى الإمساك بالسلطة أن يتحكموا فى عقول الأفراد فى التجمعات الصغيرة التى تكونت فى بداية الاجتماع البشرى. وعندما ازدادت أعداد تلك التجمعات، وتصاعدت الصراعات بينها، صار التحكمُ فى العقول أسهل، إذ خلقت كلُ جماعةٍ لنفسها سردية تُبرَّر وجودها, وراكمت عادات وتقاليد أُضفيت عليها قداسةُ بشكلٍ ما. وبات نقلُ هذه السردية من جيلٍ إلى آخر الوسيلة الأساسية للتحكم فى العقول، أو إبقائها قيد السيطرة، فيُتهمُ كل من يعيدُ التفكير فيها أو لا يتحمسُ لها بالخيانة أو الهرطقة.

لكن دانيال بيك الأستاذ فى جامعة لندن لم يُنقَّب فى هذا التاريخ فى كتابه الجديد (المغسولةُ أدمغتهم.. تاريخ طويل للتحكم فى العقول), بل يُركَّز على التاريخ الحديث الذى كُتب الكثيرُ عن أشكال التحكم فى العقول خلاله0 ولا يختلفُ كتابُ بيك عن كتبٍ أقدم فى هذا المجال مثل كتاب كاترين بتلر الصادر عام 2004 تحت عنوان لا يختلف كثيرًا (غسل العقل: علم التحكم فى التفكير). والملاحظ أن معظم من كتبوا فى هذا الموضوع استخدموا تعبيرات غسل الدماغ، وغسل العقل، والتحكم فى العقل، والتحكم فى التفكير، بالمعنى نفسه تقريبًا مع اختلافات طفيفة0 ولكن عندما نتأملها نجد أن التحكم فى العقل أو التفكير أدقُ من غسل الدماغ أو العقل، وأكثر تعبيرًا عن المعنى المقصود، وهو تغييرُ أفكار شخص أو الطريقة التى يفكر بها. فالغسل يقتصر على إزالة ما فى عقله، ولا يشمل إدخال ما يحلُ محل المُزال منه. والمفترض أن هدف من يريدُ التحكم فى عقل شخص لا يقتصر على تنظيفه من معتقدات معينة، وتركه أبيض كما الصحن المغسول. وما الغسل، والحال هكذا، إلا إعداد العقل المغسول لتلقى ما يُرادُ حشره فيه بطرقٍ اختلفت عبر الأزمنة والأمكنة، وتفاوتت بين الترهيب والترغيب.


لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد

رابط دائم: