رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الإبداع فى خدمة التعليم

«من جاء منكم من أجل المعرفة والابتكار والإبداع فأهلا به.. أما من جاء فقط للحصول على شهادة عليا فليبحث عن مكان آخر». هكذا قال عميد كلية الإبداع فى جامعة رايوسون فى كندا وهو يلتقى المتقدمين للالتحاق بالكلية والتى تسمى «مدرسة الإبداع» وكلمة مدرسة كلمة بديعة تعنى النموذج المتميز مثلما نقول مدرسة الأهرام مثلا أو أن العالم الجليل د.مجدى يعقوب مدرسة وهناك العديد من الكليات المتميزة فى العالم تحمل اسم «مدرسة»، ولكن ماهى قصة كلية أو مدرسة الإبداع؟، وبماذا تختلف؟، وهل ينتشر هذا النمط فى التعليم؟.

أثناء زيارتى إلى كلية الإبداع وجدتها بالفعل فريدة فهى مثل ورشة تعليم مفتوحة تعتمد على المزج بين سوق العمل والتعليم الجامعي؛ فسوق العمل حاضر بخبرته وأيضا بمشروعاته التى تدعم جسر العلاقة بين الجامعة والشارع، وبالتالى فإن هناك حالة خاصة من التفاعل المتبادل بين الطلاب والأساتذة والفنانين والمبتكرين الذين يزورون ويشاركون فى التدريس، فلا توجد مدرجات تقليدية ولكن معامل وغرف صغيرة تتضمنها صالات كبيرة، وهناك على جانب آخر فى الجامعة حاضنة كبيرة مهمتها تلقى كل الأفكار المتميزة والمبتكرة والقابلة للتنفيذ والتسويق لتحولها إلى شركة وتدعمها الحاضنة طوال الوقت من خلال خبراء فى جميع التخصصات، هم فى الأساس يعملون فى تخصصات تهم سوق العمل ولديهم تجارب ناجحة.

وهكذا تميزت الجامعة فى تطوير العديد من البرامج الدراسية، فقد أصبحت كلية الإبداع والابتكار مدرسة مهمة بين جامعات العالم، فهى نموذج عملى للتفاعل الخلاق بين الجامعة والمجتمع، تعلم طلابها كيف يتغلبون على المصاعب والتعامل مع الأزمات مثلما ترى الشركات ورجال الأعمال أن التعامل معها فرصة للاستفادة من العلم والابتكار فتكون النتيجة فى صالح كل الأطراف وقد لفت انتباهى أن عميد الكلية ليس حاصلا على الدكتوراه ولكنه يتمتع بمواهب وخبرات متعددة، فليس المهم هو الشهادة وإنما الأهم هو امتلاك القدرة على النجاح، كما تفتح الكلية بابها لخريجين قدامى ليقدموا خبراتهم؛ لهذا سعدت بأن الجامعة اهتمت بذلك، وأتمنى أن تتوسع تلك المدارس فى الاهتمام بالابتكار والإبداع لأننا بحاجة إلى حاضنة للمبتكرين والمبدعين فى كل مدارسنا وجامعاتنا، وألا يكون الكتاب المدرسى أو الجامعى هو مركز الاهتمام ونخلق له شارحين فى دروس خصوصية وملقنين وملخصين لتسهيل الحصول على شهادات قلما تفيد الطالب أو المجتمع.

ظللت أفكر فى الأسباب التى جعلت الملايين من الأسر المصرية تحمل هذا التقديس المبالغ فيه للشهادات الجامعية دون أن تهتم بمضمونها ولا بأى مواد سوف يتم تدريسها لأبنائهم وهل هى مفيدة بالفعل لبناء مستقبلهم وما هو العمل الذى سيجيدونه ويمتلكون مهاراته؟ لماذا هذه الأسئلة غائبة عن الأسرة المصرية بينما تتمسك باسم الشهادة الجامعية؟ وهل هى امتداد لفكرة «الميري» والوظيفة الحكومية؟ أم أنها التقليد الراسخ والمزمن الذى لم يتغير رغم تغير الزمن؟.


وتعجبت من استمرار ظاهرة الغش فى الامتحانات وأنها أصبحت مقبولة من الأسرة بل أصبح الآباء يساعدون فيها ويحرضون عليها، مع أن الغش يعنى أن الابن أو الابنة ضعيف التأهل، وأنه لا يستحق النجاح وأن تلك الطريقة سوف ترسخ لديه أن العلم والتعلم والفهم ليس لها ضرورة فى الحياة بل الحصول على شهادة تدعى أنه حاصل على مؤهل عال فى أحد المجالات لكنه ليس كذلك فى الواقع وتكون النتيجة أن نجد حياتنا رهينة لمثل هؤلاء الجهلة والغشاشين الذين يحملون شهادات فنصبح ضحايا لهم ويتراجع مجتمعنا بسببهم بينما لا يحظى بعض المجتهدين بمثل هذه الفرصة وتكون الخسارة مضاعفة فالمجتهد سيشعر بالغبن وربما يصيبه اليأس من عدم تقدير اجتهاده وتنتشر تلك القيم السلبية أو اللاقيم التى تصيبنا فى مقتل عندما تضربنا فى مستقبلنا وتنخر فى مدارسنا وجامعاتنا.

إننا أمام مهمة مزدوجة إحداهما تقدير التعليم والابتكار والمواهب وأن نتخلص من أساليب التلقين وتقديس الشهادة دون تأثير مضمونها على حاملها، والثانية أن نضع حدا لظاهرة الغش التى ارتبطت بمجموعة قيم سلبية انتشرت فى مختلف فئات المجتمع وأن ندرك أن مستقبلنا كوطن مرهون بهذا التحدى والذى يبدأ بتخليص التعليم من تلك الآفات ليكون القاطرة القادرة على نقل مجتمعنا إلى آفاق جديدة. وهذا مناط اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى فتح المجال لإنشاء المزيد والمزيد من الجامعات حتى تضاعف عددها فى سنوات قليلة بين جامعات حكومية وأهلية وخاصة ودولية، وطالبها بضرورة التنافس بالإجادة وتقديم خريجين أكْفاء بالتعاون مع أهم جامعات العالم، وأن يكون معيار كفاءة الجامعة هو جودة التعليم وقدرتها على مواكبة كل جديد ومبتكر فى العالم، وأن تعلم طلابها كيف يتعاملون مع مشكلات الواقع ويجدون حلولا لها، والحرص على أهمية الارتباط العضوى بين الجامعات والمجتمع لأنه ينتج ثمارا يانعة وتفتح أبواب مستقبل زاهر للطلاب ولوطنهم.

من بين أسباب تفاؤلى أننى شاهدت طلابا وأساتذة مصريين فى تلك الجامعة الكندية، ولمست نجاحهم الباهر الذى تفخر به جامعتهم المتطورة، وهذا يعنى أن لدينا خامات طيبة بين طلابنا وأنها تنتظر فقط الفرصة المناسبة وأسلوب التعليم المناسب للعصر، وما إن تجد الطربق حتى تتفوق فى الإبداع والابتكار فى مختلف أنحاء العالم المتقدم، شعرت بالفخر فعلا وأنا أشاهد شبانا وشابات من مصر يشاركون فى تدريس الابتكار فى أرقى الجامعات الكندية، وزاد من تفاؤلى أن السباق سيكون مشتعلا بين جامعاتنا فى تطوير أساليب التدريس ومنح التفاعل بين الجامعة والمجتمع أولوية كبيرة وأنها ستنافس الجامعات الدولية فى هذا المضمار لأن من شأن ذلك أن نطوى صفحة تقديس الشهادة ومعها نطوى ظواهر سلبية فى مقدمتها الدروس الخصوصية وانتشار الغش لننظر إلى العلم والابتكار بالتقدير الذى يستحقه وطننا.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثــابت

رابط دائم: