رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

اجتهادات
حين ينفعلُ الحكيم

حققت الصين نجاحها المبهر فى فترةٍ قياسية اعتمادًا على عوامل فى مقدمتها حكمة تميزت بها فى إدارة علاقاتها التنافسية والتعاونية. ولكن أين على مر التاريخ الحكماء الذين حافظوا على حكمتهم طول الوقت، وتمكنوا من ضبط النفس، وتجنب الانفعال والاستفزاز, فى ظرفٍ أو آخر. فقد تصرف كثيرُ من الحكماء بطريقةٍ غير معهودة فى سلوكهم عندما دفعتهم أزماتُ أدت بهم إلى الانفعال بأشكالٍ مختلفة.

وهذا ما يحدثُ فى سلوك الصين تجاه مسألة تايوان منذ أن زارتها رئيسة مجلس النواب الأمريكى نانسى بيلوسى. فقد أحدثت تلك الزيارةُ انفعالاً صينيًا يؤدى إلى التعامل مع استعادة تايوان عن طريق التهديد الفعلى باللجوء إلى القوة الخشنة، بدلاً من مواصلة الرهان على عناصر القوة الناعمة التى تملكُ بكين منها الكثير الآن.

لم يحسب الحكيمُ الصينى، فى لحظة انفعالٍ شديد، حساب الأثر السلبى لعرضٍ عسكرىٍ يوجهُ من خلاله رسالة مخيفة لشعبه فى تايوان، خاصةً من لا يمانعون فى العودة إلى الوطن الأم، ولكنهم يخشون تغييرًا جذريًا فى أنماط حياةٍ نشأوا عليها. وهؤلاء يحتاجون رسائل طمأنةٍ واحتضانٍ واحتواء، وليس تهديدًا ووعيدًا. كما لم يُقّدرُ الحكيم أن هذا التحول يؤدى إلى تعزيز موقف الانفصاليين الذين يتطلعون إلى الاستقلال إذا وجدوا إليه سبيلاً.

فإذا خسرت الصين المستعدين للتفاعل معها حين يكون إيجابيًا ومطمئنًا لهم، وازداد نفوذ الراغبين فى الاستقلال عنها، لن يبقى أمامها إلا الانتقال من التهديد بالقوة الخشنة إلى استخدامها، أى اللجوء إلى ما كان يُعدُ خيارًا أخيرًا. وإذا حدث ذلك، سيقودُ إلى تغييرٍ فى طبيعة مسألة تايوان بوصفها إقليمًا انفصل عن الصين التى تريدُ استرداده عبر التغلغل فيه عن طريق العلاقات الاقتصادية، و من ثم خلق أجواء ربما تسمحُ بتقاربٍ ثقافى تدريجى، ومن ثم ازدياد أعداد الراغبين فى الالتحاق بالوطن. وفى هذه الحالة تتحولُ الصين إلى قوةٍ غازية تواجهها مقاومةً قد تطولُ فتؤثرُ سلبيًا فى مسارها الصاعد. وهذا فضلاً عن أن حربًا لضم تايوان ستؤدى إلى دمارٍ اقتصادىٍ عالمىٍ شامل يصعبُ الآن تصور المدى الذى يمكن أن يبلغه.


لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد

رابط دائم: