رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بين الفن والمال

اشتدت المواجهة بين حشود المال وقوى الفن وارتفعت حرارة المنافسة بين تجارة العقارات وتجارة الفن ولم يستطع طرف أن يحسم المعركة لصالحه .. أمام ضخامة الأرقام وحشود المواطنين وما بين مزادات الفن وصفقات القصور والفيلات كانت النتيجة مليارات تتطاير هنا وهناك ..

ـ شهد الساحل الشمالى هذا العام وفى أغنى وأجمل شواطئه أضخم الحفلات الغنائية والتى تنافس فيها أشهر نجوم الغناء فى مصر .. ولم تكن حشود الحاضرين هى المفاجأة الوحيدة حيث تجاوزت عشرات الآلاف أمام بعض النجوم ولكن كانت أسعار التذاكر وموائد الطعام وتوابعها أرقاما وصلت إلى عشرات الآلاف من الجنيهات ثم كان تقليد الزى الموحد فى اللون الأبيض كشرط لحضور الحفل كانت هذه صورة حفل الصفوة أو النخبة ..

ـ على جانب آخر كان حفل البسطاء والمهمشين ولم يكن اقل فى أعداد الحضور أو أسعار التذاكر ولكن كان مستوى الغناء والكلمات والأصوات شيئا مختلفا .. وسط هذا كانت هناك عودة للفن الأصيل فى مفاجأة وسط هذا الصراع الدامى بين أساطير الغناء وسط كل هذه الحشود كان الشباب هو الأكثر حضورا فى كل الحفلات واختلفت الأعمار والمستوى الاجتماعى والاقتصادى حسب كل نجم وجمهوره..

ـ الشيء المؤكد أن الأموال كثيرة والفن قليل فنحن أمام كلمات غريبة لا معنى لها وألحان صاخبة وأصوات لا أحد يعلم كيف تسللت إلى ساحة الغناء وتغيرت معها أذواق الناس وتراجع مستوى الغناء كلاما ولحنا وجمهورا.. إن بعض ما نشاهده الآن ليس غناء ولا فنا وليس هذا جمهور الغناء المصرى بأذواقه ورقيه وما نراه ونسمعه الآن لا يمت للفن المصرى بصلة.. وأخطر ما فى هذه الظاهرة أن الغناء أعرق فنون مصر حوله البعض إلى تجارة أفسدت أذواق الناس وأصبح هدفها جمع المال وإفساد الأذواق..

ـ كان هناك مزاد آخر أخطر فقد شهد أحد الشواطئ الشهيرة فى الساحل الشمالى مزادا عقاريا عرضت فيه مئات الفيلات.. كانت المفاجأة الكبرى هى الأسعار التى زادت على 115 مليون جنيه للفيلا التى تبلغ مساحتها ألف متر وكانت أقل الأسعار أربعين مليون جنيه لأقل الفيلات مساحة .. فى ساعات قليلة تم بيع ٣٠٠ فيلا بمبلغ ٨ مليارات جنيه كانت المنافسة عنيفة فى المزاد الذى لم يستغرق وقتا طويلا وانتهى تقريبا ببيع جميع الفيلات المعروضة.

ـ توقفت عند المزادين مزاد الفن ومزاد الفيلات إن أخطر ما فى مزاد الغناء أنه اعتمد على أذواق الناس أمام التراجع الشديد فى السلوك والإحساس والمشاعر .. وأن هذا الغناء قد نجح بالفعل فى أن يغير أذواق المصريين وجعلهم يتقبلون أنواعا من الغناء الهابط كلاما ولحنا وأداء .. وأن هذا النوع من الفن قد نجح فى أن يحقق مكاسب هائلة جعلته من أسرع أنواع الاستثمار .. وكان أخطر وأسوأ ما فيه أنه جمع حشودا من الشباب المصرى بل والعربى وصاغ وجدانها كما أراد .. وقد وجد هذا الفن من تحمس له وشجعه وأصبح تجارة رابحة.

ـ على الجانب الآخر فإن مزاد العقارات يعكس خللا اجتماعيا لا ينكره أحد ولم يكن هذا المزاد عملا وحيدا ولكن سبقته صفقات أخرى فى مناطق كثيرة بلغت الأسعار فيها نفس الأرقام .. ولكن أخطر ما فيها إنها لم تترك فرصة لما كان يسمى الطبقة المتوسطة التى لا تتجاوز أحلامها بيتا صغيرا يلم أشلاء الأسرة .. إن أرقام المائة مليون شيء مزعج للغاية خاصة إذا كان فى مكان نقضى فيه الإجازة.

إن الشيء المؤكد أنه لا أحد ضد الاستثمار والنجاح وأن يجنى كل إنسان ثمار جهده ولكن يجب أن يكون مالا حلالا وأن يعطى للمجتمع حقه وألا تتعارض أهداف الربح مع ثوابت الناس وأخلاقياتهم.

وإذا كان الاستثمار حقا فإن العدالة واجب ولا أحد يرفض أن يستمتع الإنسان بماله ونجاحه ولكن لا ينبغى أن يكون ذلك على حساب واقع اجتماعى يجب أن تراعى ثوابته.. إن تشجيع السياحة فكر سليم وتوجه لا أحد يعترض عليه ولكن من الواجب أن تراعى ظروف الناس فقراء وأغنياء لأننا لا نعيش وحدنا، وإذا كان من حق الأغنياء أن ينعموا بما لديهم فإن عليهم واجبات ومسئوليات تجاه مجتمعهم خاصة فى هذه الظروف الصعبة .. والفن رسالة وحين يتحول إلى سلعة فاسدة من أجل الربح والمكاسب فهو يخسر أهم وأنبل أهدافه وماحدث ويحدث.

ـ كانت مصر دائما تتمتع بقدر من التوازن فى واقعها الاجتماعى فكيف نشأ هذا التفاوت الطبقى الذى ترك آثاره على الناس فى كل شيء ابتداء بالغناء الهابط وانتهاء بالقصور والفيلات .. والقضية تحتاج إلى دراسة للواقع الاجتماعى المصرى والتحولات الضخمة التى تشهدها وتترك آثارها على كل شيء .. ولابد أن نسمع آراء الباحثين والخبراء فى هذه الظواهر الاجتماعية التى تحدث فى حياتنا الآن والنموذج الصارخ تجسد فى مزادات الغناء الهابط والثراء الفاحش.

ـ أنا لا أرى مبررات لهذه الأعمال فى ظل التحديات الاقتصادية الصعبة، كما أرى أنها أعمال استعراضية ليس هذا وقتها وحياة الناس لا تحتمل مثل هذه الضغوط فهناك ملايين تسعى الدولة لأن توفر لهم الضروريات والأسعار فى العالم كله ترتفع كل ساعة وليس كل يوم .. هذه المظهريات المستفزة تكون عادة على حساب الناس والحياة ليست فى حاجة إلى المزيد من المتاعب.

رفقا بالبسطاء فى هذا الوطن..

 

..ويبقى الشعر

يَقـُولـُونَ : سافرْ ..

وَجَرِّبْ وَحَاولْ

ففوقَ الرُّؤوس .. تـَدُورُ المعَاولْ

وَفى الأفـْق غـَيْمٌ .. صُراخٌ .. عَويلْ

وفِى الأرْض بُرْكانُ سُخْط طويلْ

وفوقَ الزُّهُور يَمُوتُ الجَمَالْ ..

وتـَحْتَ السُّفوح .. تئنُّ الجـِبَالْ

وَيخـْبُو مَعَ القهْر عَزْمُ الرِّجَالْ

ومَا زلتَ تحملُ سيفـًا عتيقـًا ..

تصَارعُ بالحُلم .. جيشَ الضَّلالْ

<<<

يَـقـُوُلونَ : سَافرْ ..

فمهْما عَشِقـْتَ

نهاية ُ عشقِكَ حُزنٌ ثقِيلْ

ستغـْدُو عَليْها زمَانـًا مُشَاعـًا

فـَحُلمُكَ بالصُّبح وهْمٌ جَميلْ

فكلُّ السَّواقِى التى أطرَبَتـْكَ.. تـَلاشى غنـَاهَا

وكلُّ اللَّيالى التى اسْعَدَتْكَ .. توارَتْ خُطَاهَا

وكلُّ الأمَانِى التى أرَّقتـْكَ .. نسيتَ ضيِاهَا

ووجْهُ الحَياةِ القديمُ البريءْ

تكسَّر مِنـْك .. مَضَى .. لن يجيءْ

<<<

يَقـُولـُونَ : سَافِرْ ..

فـَمَهْمَا تـَمادَى بكَ العُمْرُ فيهَا

وَحَلــَّـقتَ بالنـَاس بَيْنَ الأملْ

سَتـُصْبُح يَومًا نـَشِيدًا قـَدِيمًا

وَيطـْويكَ بالصَّمْتِ

كهْفُ الأجَلْ

زَمانـُكَ ولـَّى وأصْبَحْتَ ضيْفـًا

وَلـَنْ ينجبَ الزَّيفُ ..إلا الدَّجَلْ ..

<<<

يقولونَ سافرْ ..

ولا يَعلمونْ

بأنيِّ أموتُ ... وهُمْ يضحكوُنُ

فمازلتُ أسمَعُ عنـْك الحكايَا

ومَا أسْوأ الموْت بَيْنَ الظنونْ

وَيُخفيك عنى ليلٌ طويل

أخبّئ وَجْهَك بينَ العُيونْ

وتـُعطينَ قلبَك للعَابثينَ

ويشْقـَى بصدِّك منْ يُخلصُونْ

وَيُقصيك عنِّى زمانٌ لقيط

ويهنأ بالوصْل ... منْ يخدعُوْن

وأنثر عُمْرى ذرَّاتِ ضَوْءٍ

وأسْكـُب دَمى .. وَهمْ يسْكرُونْ

وأحْملُ عَينيكِ فى كلِّ أرْضٍ

وأغرسُ حلـْمى ..وهَمْ يَسْرقونْ

تساوتْ لدْيكِ دماء الشـَّهيدِ

وعطرُ الغوانى وكأسُ المجُون

ثلاثونَ عامًا وسبْع عجاف

يبيعُونَ فيكِ .. ولا يَخجلونْ

فلا تتـْركى الفجْر للسَّارقينَ

فعارُ على النيل مَا يَفعلونْ

لأنكَ مَهْمَا تناءَيتِ عَنـِّى

وَهَانَ على القلبِ ما لا يهُونْ

و أصْبَحْتُ فيكِ المغنـِّى القديمَ

أطوفُ بلحْنِى .. وَلا يَسمعُونْ

أموتُ عليك شهيدًا بعشْقي

وإنْ كانَ عشقى بعْض الجنـُونْ

فكلُّ البلادِ التى أسكرتنى

أراهَا بقلـْبى .. تراتيلَ نيلْ

وكلُّ الجمَال الذى زارَ عيْنى

و أرقَ عُمْرِى .. ظلالُ النـَّخيلْ

وَكلُّ الأمانى الـَّتى رَاوَدَتـْنى

وأدمتْ معَ اليأس .. قلبى العليلْ

رأيُتك فيها شبَابًا حزينـًا

تسابَيح شوْق ٍ.. لعمر جميل

<<<

يقولـُون سَافرْ ..

أمُوت عليْكِ .. وقبلَ الرَّحيل

سأكتبُ سطرًا وحيدًا بدَمى

أحبكِ أنتِ ..

زمانـًا منَ الحُلم .. والمسْتحيـلْ

 

قصيدة "إنشودة المغنى القديم سنة 1990"

 

[email protected]
لمزيد من مقالات يكتبها ــ فاروق جويدة

رابط دائم: