فى كندا قابلت دكتور عبدالحليم عمر الذى اصطحبنى إلى معامل وورش جامعة اوتاوا قائلا: «سوف أريك اختراعا مدهشا بعد قليل.. ثم باغتنى بسؤال غريب.. هل تحب الفطير؟.. هل وقفت يوما ما أمام الفطاطرى وتأملت حركة النشابة الخشبية التى تشبه الاسطوانة.. ثم براعته فى فرد كتلة العجين بها لتصبح فطيرة شهية.. تصور أن هذا المشهد هو الذى أوحى لى باختراعى العالمى لحل مشكلة تشقق أسفلت الطرق بسبب الامطار الغزيرة.. النشابة تترك دوما مسام فى الفطيرة كلما فردتها.. وكذلك اسطوانة الرصف العملاقة.. ماهو الحل إذن؟ الحل هو الدكاكة وليس النشابة.. اخترعت دكاكة تدك عجينة الاسفلت دكا.. فلا تترك مسام أو فراغات.. اختراعى تطبقه كندا الآن وأوروبا.. شفت بقه يا عم جمال دماغ المصريين بيشتغل ازاى؟.. تعال أعزمك على أكلة فطير مشلتت.. ها ها ها».. كلما تذكرت قصة البروفيسور عبد الحليم تحسرت على نزيف الأدمغة الذى يسرق عقول أبنائنا العباقرة كل يوم.. علماء وأطباء ومحامون ورجال اعمال ومهندسون بمئات الآلاف يهاجرون من مصر ويستقطبهم الغرب بكل المغريات.. هل لدينا اية خطة لاسترداد أغلى مانملك من عقول عبقرية؟.. أقترح ان تتولى الدولة إنشاء مراكز أبحاث بأعلى المواصفات العالمية لتشجيع المصريين المهاجرين من العباقرة على العودة والعمل فى مناخ علمى وتقنى كالذى يرونه فى عواصم الدنيا .. ابنى دكتور أدهم يعمل فى جامعة تشيربروك فى كندا فى واحد من احدث معامل النانو تكنولوجى فى العالم وهو يسبق اشهر مركزين فى العالم فى اليابان وفى السويد .. يتمنى لو سبقتهم مصر جميعا.. وهى تستطيع اذا ما توفر المناخ العلمى المناسب، متى تعود الطيور المهاجرة اذن ومتى يتوقف مسلسل سرقة خيرة العقول المصرية؟ .. مازال قلبى وعقلى يرددان صرختى التى أطلقتها بلوعة شديدة يوما ما.. ومازلت.. سرقوك منى یابنى سرقوا سماء أحلامى وفاتونى أقلب فى یدي.. أخذوك منى فانتبهت وجدت قلبى فى مطارات الهوى یبكى النوى.. ویغیب فى حزن خفى ودعتنى فرجعت أبحث عنك كالمجنون فى فوضاك فى أركان حجرتك الصغیرة علنى أبكى.. فتخرج من شرایینى أضمك فى عناق سرمدى.. عیناى هائمتان أخرج للهواء تردنى الشرفات لاتخرج إلي.. قل لى بربك كیف تتركه یغادر یا غبى؟ آه وآه یابنى.. وجهى على بوابة الأسفار كالقط المرابض لم یزل یرنو إلى باب الإیاب الموسمى.. ماذا أكلت الیوم عفوا یاصغیرى.. أین نمت؟ وكیف صادقت البرودة فى بلاد الرقمنة؟.. كیف المقام على الأسرة فى صقیع الأمكنة؟.
عبر الأثیر بصورة ضوئیة خلف الهواتف والضباب.. أوحشتنا وحش الصحاب أوحشت أمك یاصبى.. الوجد زلزلنا فندعو الله بالأسحار لطفك یاقوى ..سرقوك منا یابنى.. نهبوا التماعات العیون بوجه والدة تعاتبنى بلا صوت أعده إلى، سحقا للطموح وللجموح أریده جنبى فلا یوما یغادر ناظرى.. ماذا یعود على من تغریبة الغر الذى یصبو إلى وهم النبوغ العالمى؟.. ماذا یفید ولو تقلد ألف مكرمة هناك وحاز أحوازا أنارت دورهم.. وأنا عیونى مطفآت بالبكاء ولم یعد فى الوجه ضى.. إن مت وحدى هاهنا.. من الذى یبكى علي؟ یا أیها الولد الذى غادرتنى فى عز فرحتى الكبیرة، باكتمال البدر فى طور الشباب السمهرى كیف إستجبت إلیك.. كیف خدعتنى..؟ إنى لألعن طیبتى حین ارتخضت لهاجس التحلیق فى أفق على.. سرق الزمان العنفواَن فكیف أنهض مرة أخرى ترفق یا بنى.. قل لى كما قال النبى.. والله لولا أن أهلك أخرجونى یابلادى ماخرجت لو أنهم تركوا عصافیرى تغرد ما رحلت إنى افتدیتك يا حبیبى بالرحیل وقد ندمت فعد إلى.
لمزيد من مقالات د. جمال الشاعر رابط دائم: