رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ظواهر جديدة على الأسرة المصرية

تعانى الأسرة المصرية حالة من التفكك وفى كل يوم تزداد الأزمة تعقيدا حتى أصبحت واحدة من أخطر التحديات التى يعيشها المجتمع المصرى.. أصبح من المؤكد الآن أننا أمام أزمات شوهت صورة الأسرة المصرية وغيرت بعض ثوابتها التى عاشت عليها مئات السنين ما بين المودة والترابط والتضحية.. وحين أتحدث عن الأسرة فأنا لا أقصد أن أوجه نقدا أو عتابا للرجل وحده أو المرأة وحدها، ولكننى أقصد هذا الكيان الاجتماعى المترابط الذى يدرك مسئولياته ويعى دوره ويحرص عليه ..

هناك متغيرات كثيرة أصابت الأسرة المصرية:

◙ أولاً : لم تعد الأسرة تدرك دورها فى حماية الأبناء والحرص على تربيتهم ومن هنا كانت حالة الفوضى التى تعيشها أجيالنا الجديدة بحيث تعانى حالة من التفكك فى السلوك أمام غياب المتابعة والرقابة، وأصبحت الأسرة فى واد والأبناء فى واد آخر، وسادت حالة من الانقسام بين الآباء والأبناء، بل إن سطوة الأم والأب قد تراجعت تماما وغاب الحوار بين الطرفين ولم يعد احد يسمع للآخر.

◙ ثانياً: ارتفعت فى السنوات الأخيرة معدلات الطلاق وكان الأبناء هم الضحية أمام حالات التشرد .. ولا شك أن بعض القوانين مثل قانون الخلع كانت سببا فى انتشار عمليات الطلاق بجانب الأعباء الاقتصادية التى أدت إلى هروب الأجيال الجديدة من مسئوليات الأسرة .. وقد أساء البعض الحديث عن الحريات وحقوق المرأة وارتفعت أصوات ترى أن الطلاق هو الحل..

◙ ثالثاً: على جانب آخر كان سفر الرجل إلى الخارج بحثا عن زيادة الدخل سببا فى تخلى الرجل عن مسئولياته الأسرية تجاه الزوجة والأبناء .. وكانت النتيجة أن الأبناء كانوا هم ضحايا الانقسام الأسرى وحالة التفكك التى أصابت كيان الأسرة المصرية..

◙ رابعاً: لا يمكن أن نتجاهل ظواهر سلبية كثيرة نتيجة الطلاق ومنها انتشار المخدرات وارتفاع نسبة الجريمة والفوضى فى سلوكيات الشارع المصرى وهنا لا نستطيع أن نلقى المسئولية على قانون الخلع أو حقوق المرأة، ولكن المسئولية تقع على نماذج بشرية أساءت لمنظومة الزواج وفرطت فى قدسيته ومسئولياته وتحولت إلى ظواهر سلبية فى حياة الأسرة المصرية..

◙ خامسا: بقدر ما تتحمل مؤسسات الدولة مسئولية الأمية

ــ هذا العار الذى يلاحقنا منذ عشرات السنين ــ وكان سببا فى غياب الوعى وفوضى السلوك، فأنا لا أبرئ الأسرة المصرية من كارثة الزيادة السكانية، هذه المحنة التى تهدد مستقبل الأجيال القادمة، لأن الأسرة هى التى تستطيع أن توقف هذا النزيف الاقتصادى المدمر .. إن الأسرة هى التى تنجب الملايين كل عام وتلقى بهم فى المدارس والمستشفيات وهى تعلم أن إمكانيات الدولة محدودة وأن الزيادة السكانية أخطر مشاكلنا.

◙ سادساً: إذا كنت لا أبرئ بعض مؤسسات الدولة عن مسئوليتها فى قضية أطفال الشوارع فأنا لا أستطيع أن أبرئ الأسرة المصرية عن آلاف الأشخاص الذين يطوفون الشوارع ولا يجدون أحدا يحميهم..

◙ الخلاصة عندى أننا أمام متغيرات شديدة أصابت الأسرة المصرية، وقد كانت يوما نموذجا فى المودة والرحمة .. فمن جعل الأم تقتل أبناءها، ومن جعل الزوج يذبح زوجته، ومن علم الأبناء الجحود والنكران والقسوة، هذه كلها ظواهر غريبة علينا، ولكن أين المؤسسات الاجتماعية والبحثية والأمنية وأين دور الرعاية النفسية، نحن أمام ظاهرة تهدد كيان الأسرة المصرية أغلى ما يملك هذا الوطن ..

◙ إن التغيرات التى حدثت فى مكونات وثوابت الأسرة المصرية قد انعكست على حياة المصريين فى حجم الجرائم وارتفاع نسبة الطلاق، وكلها ظواهر تهدد المجتمع وتترك آثارها على كل شىء فيه .. إن قانون الخلع أعطى للمرأة حقوقا كثيرة، ولكن حين أسىء استخدامه تحول إلى وسيلة للهدم وتشويه جوانب الاستقرار فى حياة الأسرة .. كما أن انتشار المخدرات أمام الإهمال وعدم الرعاية تحول إلى أمراض اجتماعية تحتاج جهودا ضخمة لعلاجها، كما أن الجريمة التى اجتاحت الأسرة تحولت إلى شبح مخيف ..

◙ إن كل هذه الظواهر وضعت المجتمع كله أمام تحديات اجتماعية وأمنية واقتصادية وأصبحت قضايا مجتمع تسوده الفوضى وتسيطر عليه الأزمات .. وقد يكون السؤال الآن كيف تتخلص الأسرة من كل هذه الظواهر .. إن الأمر فى البداية يتطلب موقفا من مؤسسات الدولة فى إصلاح كل التجاوزات التى وصلت بنا إلى هذه النتائج، ابتداء بالثغرات التى تظهر فى قانون الخلع ودراسة أسباب ارتفاع نسبة الطلاق، وما يعانيه المجتمع من مخاطر الجريمة والمخدرات والتفكك الأسرى وأسبابه .. إن ذلك يحتاج إلى دراسات تتناول كل هذه الظواهر لمعرفة أسبابها ووسائل مواجهتها حتى لو تطلب الأمر إجراء دراسات ميدانية لكل هذه القضايا .. إن الأسرة هى الكيان الذى يقوم عليه المجتمع وهى حجر الأساس فى هذا البناء الضخم وحين يختل توازنها أو تفقد ثوابتها وتعبث بها الأهواء فإن فى ذلك تهديدا للمجتمع كله بشرا ووجودا وكيانا..

◙ تبقى عندى ثلاثية تهدد الأسرة المصرية منذ زمن بعيد أول هذه الثلاثية الأمية وقد فشلت مؤسسات كثيرة فى علاجها طوال قرن من الزمان، وهى أزمة تاريخية تقف وراء كوارث أخرى مثل الزيادة السكانية وغياب الوعى وانقسام المجتمع إلى واقع طبقى بغيض .. أما الجانب الثانى فى هذه الثلاثية غياب التنسيق بين بعض مؤسسات الدولة فى نتائج وآثار القوانين .. وبعد ذلك كله فان الواقع الاقتصادى فى أحيان كثيرة يكون سببا فى ظواهر اجتماعية مرضية تصيب المجتمع كله ولا تقتصر آثارها على الأسرة وحدها..

◙ يبقى بعد ذلك كله أن موجات الكراهية وقصص الخيانة التى تروجها مواقع التواصل الاجتماعى أساءت كثيرا للأسرة المصرية، خاصة أنها تحولت إلى اتهامات بين الرجل والمرأة حول حقوق الرجل ومطالب المرأة وأساءت للاثنين معا..

◙ إن الأسرة هذا الكيان الإنسانى المترفع هو الأم الرحيمة والأب الحنون والأبناء الأوفياء ليست مجموعة محدودة من الأفراد، إنها واجهة المجتمع كله، إنها صورة متكاملة للحياة بكل ما فيها من المشاعر والأفكار والمواقف.. إن الأسرة هى القدوة وهى المودة وهى العطاء، وإذا اختل توازن هذا الكيان الصغير اختلت المنظومة كلها وتحولت إلى ظواهر مزمنة تؤكد أن هناك خللا أصاب المجتمع كله، لأن مأساة الفرد تتحول مع الإهمال والفوضى إلى قضايا وأمراض مجتمعية تهدد الملايين أمنا واستقرارا وسلاما، وتبقى أهمية الأسرة أنها الأساس الذى يقوم عليه بناء الإنسان، ومجتمع بلا أسرة كيان هش يمكن أن يتهاوى فى أى لحظة..

◙ كلمة أخيرة هناك دراسات وأبحاث أصدرتها مراكز اجتماعية وثقافية وأمنية حول أحوال الأسرة المصرية وما تعانيه من مظاهر التراجع والانفلات والفوضى وسوء السلوك، وهى دراسات يخجل الإنسان أن يتناولها، خاصة أنها تتناول أهم مكونات الشخصية المصرية ممثلة فى الواقع الاجتماعى والأخلاقى للمجتمع المصرى قضية خطيرة تحتاج لأهل العلم..

 

..ويبقى الشعر

نسيتُ ملامحَ وجهى القديمْ..

ومازلتُ اسألُ : هل من دليلْ ؟!!

أحاولُ أن أستعيدَ الزمان

وأذكر وجهى...

وسُمرة َجلدى...

شُحوبى القليل...

ظلالُ الدوائرِ ِفوق العيونْ

وفى الرأسٍ يعبثُ بعضُ الجنونْ

نسيتُ تقاطيعَ هذا الزمانْ

نسيتُ ملامحَ وجهى القديمْ..

عيونى تجمَّدَ فيها البريقْ..

دَمى كان بحراً..

تعثر كالحلمِ بين العروقْ..

فأصبح بئراً..

دمى صار بئراً

وأيامُ عمرى حطامٌ غريقْ..

فمى صار صمتًا.. كلامى مُعادْ

وأصبح صوتى بقايا رمادْ

فما عدتُ أنطقُ شيئاً جديداً

كتذكار صوت أتى من بعيدْ

وليس به أىُّ معنى جديدْ

فما عدتُ أسمع غيرَ الحكايا

وأشباحُ خوف برأسى تدورْ

وتصرخُ فى الناسِ

هل من دليلْ ؟؟

نسيتُ ملامح وجهى القديم

لأنَّ الزمانَ طيورٌ جوارحْ

تموتُ العصافيرُ بين الجوانحْ

زمانٌ يعيش بزيف ِالكلامِ

وزيف ِالنقاءِ ... وزيف المدائحْ

حطام ُالوجوه على كل شئٍ

وبين القلوب تدورُ المذابحْ

تعلمتُ فى الزيف ألا أبالى

تعلمتُ فى الخوفِ ألا أسامحْ

ومأساةُ عمرى.. وجه قديمْ

نسيتُ ملامحَه من سنينْ

أطوفُ مع الليلِ وسط الشوارعْ

وأحملُ وحدى همومَ الحياهْ

أخاف فأجرى.. وأجرى أخافُ

وألمحُ وجهى.. كأنى أراه

وأصرخ ُفى الناسِ

هل من دليلْ؟!!

نسيتُ ملامحَ وجهى القديمْ

وقالوا..

وقالوا رأيناكَ يوماً هنا

قصيدةَ عشقٍ ٍهوتْ.. لم تَتمْ

رأيناكَ حلماً بكهفٍ صغير

وحولكَ تجرى .. بحارُ الألمْ

وقالوا رأيناكَ خلف َالزمانِ

دموعَ اغترابٍ .. وذكرى ندمْ

وقالوا رأيناكَ بين الضحايا

رُفاتَ نبىًّ مضى .. وابتسمْ

وقالوا سمعناكَ بعد الحياةِ

تُبشَّر فى الناسِ رغم العدَمْ

وقالوا..وقالوا .. سمعتُ الكثيرْ

فأين الحقيقةُ فيما يقالْ ؟

ويبقى السؤالْ..

نسيتُ ملامح وجهى القديمْ

ومازلتُ أسألُ .. هل من دليلْ ؟!!

مضيتُ أُسائل نفسى كثيراً

تُرى أين وجهى .. ؟!!

وأحضرتُ لوناً وفرشاةً رسم ٍ..

ولحنـًـا قديمْ

وعدتُ أُدندنُ مثل الصغارْ

تذكرتُ خَطـًا

تذكرتُ عينـًا

تذكرتُ أنفـًا

تذكرتُ فيه البريقَ الحزينْ

وظلٌّ يدارى شحوبَ الجبينْ

تجاعيدَ تزحفُ خلفَ السنينْ

تذكرتُ وجهى

كلَّ الملامح.. كلًّ الخطوطْ

رسمتْ انحناءاتِ وجهى

شُعيرات ِرأسى على كل بابْ

رسمتُ الملامحَ فوق المآذِنِ..

فوق المفارقِ..بين الترابْ

ولاحت عيونىَ وسط السحابْ

وأصبح وجهى على كلَّ شيء

رُسوماً .. رُسومْ

ومازلتُ أرسمُ .. أرسمُ .. أرسمْ

ولكنَّ وجهى َما عاد وجهى..

وضاعت ملامحُ وجهى القديمْ.

 

قصيدة «وضاعت ملامح وجهى القديم سنة 1983»

[email protected]
لمزيد من مقالات يكتبها ــ فاروق جويدة

رابط دائم: