تركت امرأة لأمها نصيبها من ميراثها فى والدها، واستمر ذلك سنوات عدة، ولما ماتت الأم أرادت البنت أن تأخذ ما تركته لها قبل تقسيم التركة، فهل يجوز لها ذلك أم أن ما تركته لأمها أصبح ملكا للأخيرة، ويُقسم على جميع الورثة؟
يجيب الدكتور محمد نبيل غنايم، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم بالقاهرة، قائلا: الصحيح بين العلماء أنه لا يجوز الرجوع فى الهبة؛ لقول النبى، صلى الله عليه وسلم: "العائد فى هبته كالكلب يعود فى قيئه"، إلا هبة الوالد أو الوالدة لابنه فيجوز للوالدين الرجوع فيها واستردادها؛ لأن الابن وماله لوالديه، كما قال النبى، صلى الله عليه وسلم: «أنت ومالك لأبيك»، ولتفسير قوله تعالى: «وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى»، بأن الولد من سعى أبيه، فإذا جاز للأب أن يأخذ من مال ابنه فإن أخذه ما وهبه له من ماله أولى ويجوز.
وعلى هذا يجب على البنت التى تركت ميراثها من أبيها لأمها ألا ترجع فى هذه الهبة لأنها وهبته لأمها من تاريخ التنازل، وبالتالى لا يجوز لها الرجوع فيه، بعد أن أصبح ملكا للأم، ومن هنا يدخل فى تركتها، ويتم توزيع هذه التركة على أبنائها، وبناتها، ومنهم صاحبة الهبة (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ). أما إن كانت البنت لم تتنازل حقيقة، وأشهدت إخوتها وأخواتها على أنها تركته أمانة عند أمها مع الإذن لها فى الانتفاع به ثم يعود إليها فحينئذ لا يكون ذلك تراجعا عن الهبة، وإنما استرداد للأمانة، وعلى إخوتها وأخواتها أن يؤدوا
الأمانة إلى صاحبتها كما أمر الله عز وجل، ولا يجوز لهم أن يتقاعسوا عن ذلك أو يجحدوه ويطمعوا فيه لأنه حينئذ يكون أكلا لأموال أختهم ورحمهم بالباطل؛ فتكون السيئة أكبر، ويكون العقاب أعظم بسبب الرحم التى لم يراعوها، والأمانة التى ضيعوها، إذ لم يعملوا بقوله تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ»، ولم يستجيبوا لقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ».
إخوة وأخوات ترك أبوهم منزلا من طوابق عدة، بنى الوالد منها طابقا واحدا على الأرض التى اشتراها لذلك، ثم قام بعض الأبناء ببناء الطوابق الأخرى لكنهم لم يكتبوها بأسمائهم، فكيف تُقسم هذه التركة؟
د.محمد نبيل غنايم: التركة الحقيقية للأب هى الأرض والطابق الأول الذى بناه عليها، أما بقية الطوابق فهى حق لمن بناها، وعلى هذا يكون التقسيم على إحدى طريقتين:
الأولى: أن يُقدر ثمن العقار بكامل طوابقه، ويأخذ الأبناء الذين بنوا طوابقهم ما أنفقه كل منهم فى البناء، ثم يقسم الباقى تقسيما شرعيا بين الإخوة والأخوات (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)، لأن الأبناء لم يبنوا فى ملكهم، وإنما على منزل وأرض لهم فيها شركاء، فيكون فرق الغلو فى مقابل الأرض والبناء على المنزل. الثانية: أن يُقدر ثمن الأرض فقط على
أنها فضاء، ويُقدر ثمن الطابق الأرضى فقط، الذى بناه الوالد، ويقسم هذا الثمن للأرض والطابق الأرضى على الورثة الشرعيين، أو بين الإخوة والأخوات: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)، وتكون الطوابق الأخرى لمن بناها لأنهم استأذنوا والدهم فى البناء وأذن لهم، ولا حق للآخرين فيها لأنهم بنوها من أموالهم، ولم يسجلوها بأسمائهم؛ حياء من الوالد واحتراما له، فلا يكون ذلك سببا فى خصومتهم ومنازعتهم أو أكل أموالهم. وفى كلتا الحالتين لابد من التسامح والتراضى بينهم جميعًا، فقد يظن الأبناء الذين لم يبنوا مثل إخوتهم أن إخوتهم بنوا فى غير ملكهم، فلا حق لهم فى الانفراد به، وقد يظن الإخوة البناة أن البناء كان من أموالهم فلا حق لإخوتهم الآخرين فيما بنوه، وهذا مما يجعل التراضى والتسامح ضروريا بينهم.
تُوفى ابن أخى الشقيق، وليس له أقارب إلا زوجته وعدد من الإخوة والأخوات من الأم وأنا وأختى الشقيقة التى هى عمته، فهل لى ولها ميراث فيه؟ وما مقدراه؟
د. محمد نبيل غنايم: حسب قواعد الميراث التى بينها القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين: فى المسألة أصحاب فروض وعصبات، وأرحام، أما أصحاب الفروض، فهم الذين سمى الله تعالى لهم نصيبا محددا فى القرآن الكريم، وهؤلاء يأخذون هذا الفرض بلا زيادة ولا نقصان، أما العاصب فهو الذى يأخذ التركة كلها إذا لم يوجد غيره، ويأخذ البقية بعد أصحاب الفروض، وأحيانا لا يبقى له شىء لأن الفروض تكون قد استوعبت كل التركة.
وفى هذه المسألة عندنا أصحاب فروض هم الزوجة والإخوة من الأم ذكورا وإناثا، وعندنا عصبة واحدة هو العم لأنه أولى رجل ذكر، أما العمة فهى من ذوات الأرحام وهؤلاء لا يرثون مع أصحاب الفروض والعصبات، ولا يستطيع العم أن يعصب العمة مع أنها أخته، لأن عصبته ضعيفة بسبب بعد القرابة. وعلى هذا تنحصر التركة فى الزوجة والإخوة
لأم، والعم.. أما الزوجة فتأخذ الربع لأن الميت ليس له أولاد منها ولا من غيرها، وفى ذلك يقول الله تعالى: «وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ»، ولجميع الإخوة والأخوات لأم الثلث ويقسم بينهم بالتساوى للأخت مثل الأخ، قال تعالى: «وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ
فِى الثُّلُثِ»، وللعم البقية بالتعصيب لأنه أولى رجل ذكر، كما قال الرسول، صلى الله عليه وسلم، (ألحقوا الفرائض بأهلها، وما بقى فلأولى رجل ذكر). وتُقسم المسألة على اثنى عشر سهما (للزوجة الربع)، وهو ثلاثة أسهم، وللإخوة لأم (الثلث)، وهو أربعة أسهم، وللعم البقية بالتعصيب، وهو خمسة أسهم، وليس للعمة شىء، لأنها من ذوى الأرحام، إلا أنه يُستحب إعطاؤها شيئا ولو قليلا، من باب الاستحباب، وليس الوجوب.
رابط دائم: