لا أتصور أن يكون تاريخ مائة عام من الغناء فى مصر يضم أغنيتين فقط عن العيد وشهر رمضان المبارك.. ليس لدينا غير أغنية «يا ليلة العيد» لكوكب الشرق أم كلثوم و«رمضان جانا» لمحمد عبد المطلب.. فى كل الأعياد تنطلق أغنية أم كلثوم ليس فى مصر ولكن فى كل الدول العربية، كما أن أغنية عبد المطلب هى الوحيدة التى نرددها فى رمضان.. ولا شك أن ذلك يمثل حالة إفلاس فنى ولا أدرى لماذا تراجع دور الأغنية المصرية فى مناسبات كبرى وغاب الغناء الجميل عن الساحة؟! رغم أن هذا الفن يمثل أهمية خاصة فى حياة الشعوب .. لقد عاشت فى وجدان المصريين أغنيات النصر وأعياد كثيرة حتى امتحانات الأبناء فى المدارس.. وكان هناك غناء بديع فى المناسبات الوطنية ابتداء بمدينة بورسعيد الباسلة وانتهاء بعودة جيش مصر من اليمن .. وكان الموسيقار محمد عبد الوهاب يشارك فى هذه المناسبات، وكان نشيد «الوطن الأكبر» من أهم هذه الأعمال وقد شارك فيه عدد من نجوم الغناء الكبار فى مصر والعالم العربي.. ولن ننسى روائع صلاح جاهين فى هذه المناسبات حين كتب عن أهم الأحداث التى واكبت ثورة يوليو.. وللأسف، فإن هذه الروح تراجعت كما أن الأحداث نفسها لم تعد تلقى الاهتمام كما كانت.. كان التليفزيون ينتج هذه الأعمال وكانت الإذاعة المصرية تهتم كثيرا بالأغنية المصرية التى كانت أهم سفراء الثقافة المصرية فى العالم العربى.. لا أدرى كيف نعيد هذا الوجه الحضارى والغناء الجميل لأن مطربى الشوارع أفسدوا كل شيء بما فى ذلك أذواق الأجيال الجديدة التى غرقت فى مستنقع الإسفاف والفن الهابط.. إن الناس لا تعترف بقدوم شهر رمضان إلا إذا انطلق صوت عبد المطلب بـ«رمضان جانا».. وفى ريف مصر كانت أغنية أم كلثوم «الليلة عيد» هى أول إعلان بأن العيد غدا.. فقد كانت وثائق تاريخية فى الذاكرة المصرية عاشت عشرات السنين.. الفن الجميل لا يموت، والإبداع الراقى جزء من ضمير الناس..
[email protected]لمزيد من مقالات فاروق جويدة رابط دائم: