رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

العرب والتاريخ الفرعونى

كنت أستشعر أحيانًا حساسية من نوع خاص لدى الأشقاء العرب تجاه مزارات التاريخ الفرعونى فى مصر، وذلك أمر طبيعى فالرابطة العربية التى تجمع معظم شعوب المنطقة قد تركت أثرًا سلبيًا على تذوق الحضارات السابقة على العروبة ودخول الإسلام إلى أقطارها حاملاً معه تحولاً كبيرًا فى المسار الحضارى لتلك الدول، ورغم أننا نعترف أن الحضارات القديمة فى المنطقة العربية هى إرثٌ إنسانى بالدرجة الأولى يمثل ثراءً خاصًا للإقليم الذى ظهرت فيه الأديان السماوية الثلاثة ومرت فوق أرضه حضارات كبرى كالفرعونية والآشورية والبابلية والفينيقية حتى أصبحت علاماتٍ فارقة فى الجذور الأولى لشخصية بعض الشعوب والمنطلقات الأساسية لها، ونفس الأمر ينسحب عليها جميعًا فماهو عدد المصريين الذين شاهدوا مدائن صالح فى المملكة العربية السعودية؟!

وماهو عدد الذين زاروا البتراء فى المملكة الأردنية الهاشمية؟! وقس على ذلك كله العلاقات الثقافية المتبادلة بين أنماط التراث القديم فى العالم العربى، وتلك كلها مؤشرات مهمة يمكن التعرف منها على مستقبل العروبة والمسارات الحضارية التى سلكتها شعوبها حتى استقرت فى النهاية على ثقافة واحدة بلسانٍ مشترك وتشابه كبير فى القيم والعادات والتقاليد، وهنا تكون لنا بعض الملاحظات:

أولاً: تشير الإحصاءات إلى أن النسبة الكبرى فى السياحة العربية القادمة إلى مصر تتجه إلى العاصمة المصرية وبعض المدن الشاطئية والقليل يتجه إلى مناطق الآثار القديمة خصوصًا الفرعونية منها، فقد يختار السائح العربى من بين الآثار المصرية الإسلامية منها كالمساجد الكبرى والمتحف المفتوح فى قلب العاصمة وأعنى به «شارع المعز» ولكنه لا يتجه جنوبًا نحو أهرامات الجيزة إلا فيما ندر وتفسير ذلك ببساطة هو أن العربى القادم إلى مصر يرتبط بتاريخها العربى والإسلامى أكثر بكثير من ارتباطه بتاريخها الفرعونى أو حتى الإغريقى الرومانى، ولا بأس من ذلك كله فالكل يدرك أن الحضارة المصرية القديمة هى الملهمة من بين حضارات الدنيا وثقافات الكون حتى أنه يوجد علمٌ منفرد باسمها فى كثير من جامعات العالم ومراكز البحث والدراسة فيها، وأعنى به علم المصريات Egyptology وذلك فى حد ذاته اعتراف عالمى ضمنى بمكانة الآثار المصرية وقيمتها التاريخية ومكانتها الحضارية، ومامن دولة زرناها فى العالم خصوصًا الأوروبية منها إلا واكتشفنا الولع الشديد بالآثار المصرية التى تتناثر بعض أجزائها القيمة فى متاحف لندن وبرلين وباريس، إنها حضارة الحضارات وأم الثقافات والمفتاح الحقيقى لبداية دراسة لغز الكون والتعرف على طريق البحث فى نشأة الحياة على الكوكب الذى نعيش فيه.

ثانيًا: لاشك أن المزارات الدينية فى مصر تستأثر باهتمام خاص واستقطاب يختلف عن غيره من المزارات الروحية المثيلة فى العالم الإسلامى، فأهل السنة متعلقون بالأزهر الشريف وأتباع المذهب الشيعى متطلعون إلى مسجدى الحسين سيد الشهداء والسيدة زينب ربيبة البيت النبوى، وغيرهما من أهل ذلك البيت الذين لاذوا بمصر واتخذوها مقامًا منذ القرن الأول الهجرى، وعندما يلح الإيرانيون على الرغبة فى فتح باب السياحة الدينية أمامهم فى مصر فالهدف سياسى بالدرجة الأولى وهو تعزيز أركان الثورة الإسلامية ونشر ثقافة المذهب الشيعى كلما تيسر ذلك، ولعلنا نتذكر زيارة أحمدى نجاد السياسى الإيرانى لمصر منذ سنوات وتعلقه بالمقدسات الشيعية فى القاهرة عاصمة التراث الإسلامى وطبقاته المتتالية.

ثالثًا: إننا لا ننكر أن سياحة الشواطئ فى مصر قد جذبت الكثير من الأشقاء العرب خصوصًا لمدن شرم الشيخ والغردقة والإسكندرية بالطبع بل ومرسى مطروح أيضَا فسحر البحرين الأحمر والأبيض يمثل درجة عالية من الجاذبية للسياحة الخارجية القادمة من أوروبا والدول العربية أيضًا، كذلك فنحن نعترف أن تلك المزارات قد سحبت جزءًا من رصيد السياحة الأثرية فى بلادنا فرغم أنها قد أضافت إليها عددًا إلا أنها أثرت عليها نوعًا، ولايعنى ذلك بالمناسبة أنه لا يوجد عرب مهتمون بالحضارة الفرعونية فأنا أعرف ضابطًا أردنيًا كبيرًا كان يتولى منصبًا رفيعًا فى بلاده كنت أراه فى مدينة الأقصر من حين لآخر متحللاً من ضغوط المنصب باحثًا عن إلهام الحضارة الفرعونية التى لا تتعارض مع عروبته أو إسلامه.

رابعًا: دعنا نعترف أن الانفتاح العالمى فى مجال السياحة قد جعل مدنًا بذاتها منفردة عن غيرها تبدو كمزارات مستقلة يجرى تسويقها سياحيًا بمعزل عن غيرها. فقد اكتسبت مدينتا شرم الشيخ والغردقة اهتمامًا خاصًا لدى السائح الأوروبى خصوصًا الروسى والألمانى والإيطالى القادمين من البلاد المحرومة من الشمس الساطعة والمياه الدافئة، لذلك فإن الحكم على المزارات السياحية لا يتحدد فقط بما لديها ولكن أيضَا بالأجواء المحيطة بها فالحضارة المصرية القديمة تنتعش السياحة إليها فى فصل الشتاء بينما تتألق السياحة الشاطئية فى الربيع والخريف بل وبعض شهور الصيف أيضًا فالسائح المغرم بمكان معين يهرع إليه كلما سنحت له الفرصة.

هذه ملاحظات مبدئية حول العلاقة بين التراث الحضارى والنشاط السياحى تطبيقًا على مصر التى يزورها أشقاؤنا العرب بالملايين كل عام ويختارون منها ما يتفق مع تراثهم ورغبتهم وثقافتهم .. إنها مصر المتعددة تاريخيًا وحضاريًا وثقافة وتراثًا.


لمزيد من مقالات د. مصطفى الفقى

رابط دائم: