لم يعد هناك أدنى شك فى أن هذا الصراع المحتدم على أرض أوكرانيا ليس نابعا فقط من مطامع روسية من ناحية ومخاوف أوكرانية من ناحية أخرى وإنما هو عنوان لإرث تاريخى من العقد النفسية الممزوجة بالمرارة من جراء المشاكل والتناقضات التى تراكمت خلال مرحلة الاتحاد السوفيتى القديم الذى كانت أوكرانيا من بين أهم مكوناته فى حين كانت روسيا هى صاحبة الكلمة العليا ولكن مع انهيار الاتحاد السوفيتى انفجر الغضب المكبوت فى نفوس الدول التى حصلت على استقلالها وتحولت مشاعرها تجاه موسكو إلى ذلك الذى نراه فى معظم دول أوروبا الشرقية من لهث وتسابق على الانضمام للاتحاد الأوروبى ونيل عضوية حلف الأطلنطى والاصطفاف فى خنادق العداء والمواجهة ضد روسيا.
إن جوهر الأزمة الأوكرانية ينبع من العقد النفسية المتراكمة منذ سنوات بعيدة حيث مازالت ممارسات الماضى تواصل إفراز المزيد من المرارة فى النفوس سواء داخل روسيا أو فى الدول التى انفصلت عنها مع انهيار الاتحاد السوفيتى خصوصا مع تزايد الإحساس لدى الكرملين بأن أمريكا بالتعاون مع حلفائها فى أوروبا الغربية تسعى لتغيير الأوضاع تغييرا جذريا فى أوروبا الشرقية التى عاشت نحو ثلاثة أرباع قرن من الزمان على الأقل تحت نفوذ موسكو ورهن أوامرها!
لقد كان بإمكان الرئيس الأمريكى بإيدن أن يجنب العالم هذه الحرب العبثية فى أوكرانيا لو أنه أكد لبوتين ضمان أمريكا بعدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو لأنه أول من يعلم بأن روسيا لن تقبل أن تقترب قوات حلف الناتو من حدودها ولكنه استهدف استفزاز روسيا ودفعها للحرب حتى يبرر فرض عقوبات اقتصادية عليها من ناحية ولكى يلبى رغبة مؤسسة صناعة السلاح الأمريكية فى انتعاش تجارة بيع السلاح أما حكاية دفاع أمريكا عن الديمقراطية فهى حجه واهية لأن أمريكا لم تفتح فمها بكلمة واحدة ضد عديد من الأنظمة الاستبدادية المقيدة للحريات وبينها نظام زيلينسكى فى أوكرانيا الذى أقصى المعارضين له وأغلق العديد من النوافذ الإعلامية المستقلة.
وفى ظل انزلاق كل الأطراف دون استثناء إلى أخطاء فى الحساب السياسى والاستراتيجى وأخطاء فى فهم واستيعاب دروس التاريخ مع أخطاء فى فهم قواعد وثوابت الجغرافيا لم يكن غريبا ولا مفاجئا أن يقع المحظور وأن تبدأ روسيا حربها على أوكرانيا لتكون صفعة مدوية وعلنية ضد ما تتحسبه من مخاوف وتهديدات فيجيء الرد من أمريكا وحلفائها على شكل مساعدات دفاعية لدعم أوكرانيا بالتوازى مع عقوبات اقتصادية موجعة للاقتصاد الروسى لصنع معادلة الضربة الاقتصادية ضد الضربة العسكرية والتى ترى أمريكا وحلفائها أنها الخيار الوحيد لعدم تمكين بوتين من تحقيق انتصار حاسم فى أوكرانيا مع عدم الانزلاق لمخاطر المواجهة المباشرة وتجنب الحرب العالمية الثالثة.
والخلاصة: إن بوتين أراد بالحرب على أوكرانيا أن يرد على استفزاز أمريكا وحلفائها لكى توقف مخططات الاحتواء والتطويق لروسيا فجاء رد بإيدن وحلفائه الأوروبيين بعقوبات اقتصادية تؤدى إلى حرمان الموازنة الروسية من أهم مداخيلها مع التلويح بفرض العقوبات على أى دولة تمد يد المساعدة لروسيا وليدخل العالم رحله الدوران فى الحلقة المفرغة!
خير الكلام:
-
الوعى المتأخر خير من الحماقة المستدامة!
[email protected]لمزيد من مقالات مرسى عطا الله رابط دائم: