رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

اجتهادات
الماركسيةُ .. والأديان

هل كان كارل ماركس معاديًا للأديان، وهل يعنى إيمانُ أى شخصٍ أو اقتناعه بالماركسية أنه مُلحدُ أو كافر؟ سؤالُ يتعينُ طرحه لاستكمال ما ورد فى اجتهاد الأمس عن موقف المثقفة الفرنسية سيمون فايل بشأن العلاقة بين انتمائها الماركسى المبكر، واكتشافها اللاحق أهمية العودة إلى الجذور.

ولأننا لا نجدُ فى أعمال ماركس الكثيرة جدًا ما يمكنُ أن يُستندَ عليه لاتهامه بمعاداة الأديان، يتعينُ أن نقف مليًا أمام عبارة (الدين أفيون الشعوب)، التى وردت ضمن فقرةٍ فى مقدمة كتابه (مساهمة فى نقد فلسفة الحق عند هيجل)، الذى شرع فيه عام 1843، أى حين كان فى الخامسة والعشرين من عمره، ثم تركه وانشغل بأعماله الأكبر والأكثر أهمية، مكتفيًا بنشر هذه المقدمة.

وعندما نتأملُ الففرة فى مجملها (الدينُ قلبُ عالمٍ لا قلب له، وروحُ شروطٍ اجتماعيةٍ لا روح فيها، فهو لذلك أفيون الشعوب)، ونعودُ إلى الوقت الذى كُتبت فيه, ونأخذُ فى الحسبان حماسة شابٍ نابهٍ آلمته مظالمُ الرأسمالية فى مرحلتها الأولى حين كانت الثورةُ الصناعيةُ فى بدايتها، والعمالُ يُسحقون بفعل آلاتها التى أتاحت الاستغناء عمن لم يقبل أن يبيع عمله مقابل فتات، نفهمُ أنه قصد إساءة استخدام الدين، وتفريغه من جوهره ورسالته الإنسانية، واستغلاله لتبرير هذه المظالم.

وفى هذه الحالة، قد لا نجد فرقًا فى الجوهر بغض النظر عن التفاصيل، بين نقد ماركس استغلال الدين لتبرير أرباح الرأسماليين الفاحشة فى زمنه، ورفض كُثُرٍ استخدامه فى عصرنا لتحقيق أهدافٍ سياسية، أو تبرير تعصبٍ أوعنف.

وليست صُدفةً أن عبارةً انتُزعت من سياقها صارت الأكثر شهرةً وانتشارًا فى أعمالٍ وكتاباتٍ قد لا يتسعُ عمرُ الشخص للإطلاع عليها كلِها، وأن يحدثَ هذا خلال سجالاتٍ حفلت بها مرحلةُ الحرب الباردة، أى بعد قرنٍ من نشر المقدمة التى وردت بها تلك العبارة.

والمفارقةُ أن بعض الماركسيين العرب، الذين لم يقرأوا إلا قشور الأفكار التى آمنوا بها، أسهموا من حيث لم يدروا فى الدعاية التى استهدفت ترويج صورةٍ للماركسية بدت فيها رافضةً للأديان أو معاديةً لها0


لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد

رابط دائم: