رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

اجتهادات
كيفَ سيُكتبُ تاريخُ الحرب؟

من سيكتُب تاريخ الحرب الراهنة فى أوكرانيا بعد سنواتٍ أو عقود؟ سؤالُ ليس مطروحا الآن، لأن أسئلة هذه الحرب نفسها تشغلُ كل من يهتمُ بها، أو يُتابعها، وبالتأكيد كل من يُعنى بمستقبل العالم. حين نكونُ فى خضم أحداثٍ كبرى، نادرًا ما نسألُ من سيكتبُ تاريخها.

كان المعتادُ أن المنتصرين هم من يكتبون التاريخ أو بالأحرى يكتبون روايتهم فى البداية. وبعد ذلك تُكتب روايات أخرى، بما فيها رواية المهزومين. غير أن التقدم الكبير والمستمر فى مجال الاتصالات يُتيح البدء فى توثيق تاريخ ما يحدثُ، قبل أن ينتهى. كمُ لا يُحصى من المعلومات والبيانات يجرى تداولُها طوال الوقت خلال الحدث، وأعدادُ هائلةُ من الفيديوهات تُدفع كل يومٍ إلى وسائل تواصل اجتماعى، ومواقع إلكترونية، وغيرها.

ربما يبدو للوهلة الأولى أن وجود مخزونٍ ضخمٍ من المعلومات والصور والفيديوهات يُسٌهلُ كتابة التاريخ، لأنه يوفر مادته التى كان المُؤرخون وغيرُهم من المهتمين بالتوثيق يمضون وقتًا طويلاً، ويبذلون جهدًا كبيرًا، من أجل الوصول إليها وجمعها. ولم يكن فى إمكانهم أن يجمعوا فى أشهر، وأحيانًا سنوات، ما يُبثُ فى يومٍ واحدٍ الآن.

ولكن الأمر ليس كذلك، إن لم يكن عكسه. فيضُ المعلومات يجعلُ المهمة أصعب من قلتها أو ندرتها. أصبح على من يتصدى لمهمة كتابة تاريخ حدثٍ كبيرٍ أن يراجع كمًا من المعلومات والفيديوهات يفوق الطاقة. وصار عليه أن يفرز ما يستطيعُ مراجعته، ويقارنُ بين مصادر مختلفة وأخرى متناقضة فى المحتوى الذى بثته، وبين رواياتٍ متعارضة. وإذا أخذنا فى الحسبان شيوعِ ما يُطلقُ عليه أخبار مزورة أو كاذبة Fake News ، وسريانها فى أوصال الشبكة العنكبوتية بأكثر مما تسرى النار فى الهشيم، تصبحُ المهمة أصعب.

وهذا فضلاً عن أن الحروب كانت الأكثر صعوبةً فى توثيقها قبل الزمن الرقمى، لأن من سماتها الأساسية الخداع والتضليل، وتحويل الإعلام إلى سلاح0 أما وقد أتاحت ثورةُ الاتصالات سبلاً لا نهائية فى هذا المجال، فقد صار الإعلام أحد أفرع القوات المقاتلة فى الحرب، على نحو يجعلُ مهمة كتابة تاريخها أكثر تعقيدًا.


لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد

رابط دائم: