لوحةُ اشتراها تاجرُ بمبلغ 30 دولارًا من مكتبةٍ لبيع الكتب، وينتظرُ بيعها بأكثر من 10 ملايين دولار. عندما شاهد هذه اللوحة، المرسومة فيها مادونا (العذراء مريم) مع طفل، وعليها توقيعُ الفنان الألمانىُ الكبيرُ ألبرخت دورر، تصور للوهلة الأولى أنها مزورة، ولكنه شك أيضًا فى أنها قد تكونُ حقيقية.
وهذه فائدةُ الشك فى الفن والفكر والعلم، ومجالاتٍ أخرى، لأنه يحفزُ على التفكير والبحث والسعى إلى التأكد. وهذا ما فعله مُشترى اللوحة، رغم معرفته المرتبطة بمهنته أنه لم يعد سهلاً العثورُ على لوحاتٍ مجهولةٍ لفنانى عصر النهضة الكبار، ومن بينهم دورر الذى اكتُشفت آخرُ لوحةٍ حقيقيةٍ له منذ أكثر من قرن، قبل اكتشاف هذه اللوحة أخيرًا.
لم يمنعه ترجيحُه الأولُ أن اللوحة ليست حقيقيةً من أن يعكف على فحصها، وقراءة كل ما يمكن أن يفيد فى الكشف عنها، واستشارة عددٍ كبيرٍ من الخبراء، وطلب مساعدة المتحف البريطانى بلندن، ومؤسساتٍ فنيةٍ عدة، من أجل إخضاعها لتحليلٍ دقيقٍ فنىٍ وتاريخى، إلى أن قُطع الشكُ باليقين. ويالها من مفاجأة: اللوحةُ حقيقية. ثبتت نسبتُها إلى الفنان الكبير الذى يُعتقدُ أنه رسمها فى الأعوام الأولى من القرن السادس عشر، فى الفترة التى أنجز خلالها تحفته (آدم وحواء) التى يبدو أنه أراد فيها صياغة قصة الخلق بطريقته عبر مزيجٍ من الطبيعة والرموز والمؤثرات الدينية.
لوحةُ كنزُ ليس فقط، ولا بالأساس، لأن عائد بيعها سيزيد على 10 ملايين دولار. إنها كنزُ، قبل كل شىء، لأنها جزءُ من تراثٍ عريقٍ فى عصرٍ أُرسيت فيه أسسُ النهضة الفنية، وبدأ التقدمُ الكبيُر الذى نعرفهُ الآن فى فنونٍ تسمو بأرواح من يتذوقونها ويجدون فيها ما يُخففُ آلامًا تعصرُ قلوبهم، بينما مشاهدُ الحرب وفظائعُها تحاصرُهم مهما يحاولوا تجنب مشاهدتها.
ويُزيدُ قيمتِها أنها لفنانٍ مُبدعٍ عُنى به الراحلُ الكبيرُ ثروت عكاشة فى موسوعته (تاريخُ الفن – فنونُ عصرُ النهضة)، وشرح موقعه فى تاريخ نهضة الفن. واختار لوحته التى لا مثيل لها (جناح طائر الشقراق) للغلاف الخلفى للجزء الثانى من هذه الموسوعة.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: