رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريد الجمعة.. يكتبه: أحمد البرى
القرارات العشوائية!

أحـمــد البــــــرى

أنا سيدة فى بداية الأربعينات, متوسطة الجمال، نشأت فى أسرة ميسورة الحال، كبيرة العدد، وكان ترتيبى الثالثة بين أربعة عشر أخا وأختا، وقد ترعرعنا جميعا فى بيت يملؤه الحب والمرح، وكنت أميل إلى الهدوء والقراءة وأحب شراء الكتب والروايات، والجميع كانوا يتسابقون لكى ينالوا شرف مصاهرة والدى ذى المنصب الكبير والسيرة الحسنة، ومرت السنوات وحصل إخوتى على مؤهلات عليا، وحصلت أنا على مؤهل متوسط وتم تعيينى فى عمل حكومى فرسمت خطة أحلام لى وللمستقبل الذى أريد أن أعيشه، ثم تقدم لى أحد الأقارب ولم أجد به مواصفات فتى أحلامى فرفضته بشدة لكن وجدت ضغوطا من كل جانب لحسن أخلاقه وسيرته الطيبة، وتحدث معى والدى وقال لى إنه لن يزوجنى رغما عنى لكن زواجى من هذا الشخص سوف يصلح قطيعة بين عائلتين دامت سنوات طويلة وإننى الأمل الوحيد لإعادة العلاقات بينهما، فوافقت على مضض إرضاء لأبى، وبالفعل تم زفافى بعد إجبارى على الاستقالة من عملى، لأنه لم يكن يرغب بأن تعمل زوجته، ولم تمض سوى أيام قليلة وفوجئنا بسفره للخارج لتحسين وضعه المادى لأجد نفسى عائدة إلى بيت أبى وأنا حامل، ومرت ثلاث سنوات لم يتصل بى زوجى خلالها إلا مرات قليلة ولم يرسل أى أموال أبدا، فكان أبى هو المتكفل بنا حتى طلب منى فى أحد الأيام أن أذهب للعيش فى شقتى ببيت عائلة زوجى لكى يتحملوا مسئوليتنا المادية، إلا أن الوضع لم يكن على ما يرام، فأصبحت أقوم بخدمتهم دون تقدير، وحكيت لأبى كل ما حدث وأنهم رفضوا الإنفاق علىّ أنا وابنى فطلب منى التحلى بالصبر ومطالبتهم بمصاريفنا، ففعلت ذلك وقالوا لى عندما يرسل زوجك المال سنعطيكِ، ففضلت عدم المطالبة بأى نقود من أحد حفاظا على كرامتى ومنعا للمشكلات، ومرت ثلاث سنوات أخرى ذقت فيها كل أنواع العذاب كى يجبرونى على الخروج من البيت، فكنت أقوم بتحضير الطعام ولكن ممنوع الاقتراب أو الأكل منه، وكنت أصوم رمضان وأفطر على الماء فقط، بعدما قمت ببيع أغلب ملابسى وأدوات المطبخ التى لم يسعفنى الوقت للاستمتاع بها، وأخذت عهدا على نفسى بعدم طلب أى شىء من والدى لاعتقادى أنه تخلص منى، وكان إخوتى الصغار يأتون إلىّ ليلعبوا مع ابنى فأرسله معهم لبيت أبى يلعب ويأكل، حيث كانوا مهتمين به كثيرا فهو أول حفيد بالعائلة، أما أنا فلا أخفيك سرا فقد كنت آخذ الطعام من بيت أبى عند زياراتى دون أن يلاحظ أحد ذلك، لأن بيتنا كبير وتملؤه الخيرات، فى الوقت الذى كان يعتقد فيه أبى أن أهل زوجى ينفقون علينا، ومرت الأيام والسنوات حتى ضعف خلالها جسدى كثيرا وتملكنى الحزن وفقدت رغبتى فى الحياة وضاع نظرى بالبكاء ليلا ونهارا على حالى، ثم أخذنى والدى لأطباء كثر فأجمعوا أنها حالة نفسية، وصارحت أبى بوضعنا ولم يجد سوى تطليقى من زوجى، وتم الطلاق بعد تقديم تنازلات كثيرة ودفع مبلغ كبير لإجباره على الطلاق، بعدما قال الحقيقة التى صدمتنى وأن كل هذا تم التخطيط له من أجل الانتقام من عائلتى! وهو شىء لا دخل لنا به، فالسبب كان موضوع ميراث بينهم وبين جدى، فحزن والدى كثيرا على حالى وطالبنى بمسامحته والدموع تنسال من عينيه ليفارق الحياة بعدها بأيام قليلة.

مرت خمس سنوات عصيبة، استطعت خلالها أن أسترد صحتى ووضعى وإكمال تعليمى، وتم تعيينى فى عمل حكومى كبير بمساعدة أصدقاء أبى وتسابق علىّ العرسان من كل حدب وصوب، ليس حبا، فى إنما طمع فى الميراث والوظيفة وأغلبهم من المطلقين والارامل وراغبى الإنجاب أو كبار السن، فكنت أرفض حتى شاع بين الناس إضرابى عن الزواج، ثم وجدت طليقى يعود نادما ويطالبنى بالرجوع إليه، والمفاجأة أننى وجدت جميع أفراد أسرتى مرحبين بعودته ونسيان الماضى من أجل ابنى، فجن جنونى، كيف أنسى من كسر والدى وكان سببا فى موته؟ فقررت إما الزواج فى أسرع وقت أو الرجوع لطليقى، وبعد استخارة الله عز وجل، اخترت القرار الأول وتزوجت أرمل ليس لديه أطفال وعلى قدر من التدين وظروفه المادية غير جيدة، ورحبت به بعدما علمت أنه أنفق جميع مدخراته على زوجته الراحلة فزاد احترامى له، وبزواجى الثانى عادانى عدد كبير من زملاء العمل الذين تقدموا لى، حيث إنهم جميعا متزوجون وكانوا يريدوننى زوجة ثانية فرفضتهم، وتنبأوا بفشل هذه الزيجة لظروفه المادية، فعاهدت نفسى بفعل المستحيل لإنجاحها، ثم فوجئت بزوجى بعد شهر يطلب منى أموالى لإدارتها وعمل بعض المشاريع بها، وكنت حريصة عليها فأخفيتها عنه وقلت له إننى لا أملك سوى راتبى لأن أموال أبى تبعثرت على الورثة الكثيرين ولم أحصل منها الا على مبلغ بسيط، فصدمنى بأنه تزوجنى من أجل مالى وأننى سمراء وقبيحة وأنه يستحق الأفضل والأجمل فنزلت الجملة علىّ كالصاعقة، فهذه أول مرة أسمع تلك الكلمات، حيث يشهد الكل بأخلاقى وجمالى، وتحملت لإيهام من حولى بأنى سعيدة وحياتى مستقرة، ثم مر عام ولم أنجب ولم يذهب زوجى للعمل بحجة أنه ليس لدينا أطفال، فبدأ الحديث والتهامس عن زوجى العاطل، فقررت تغيير مكان إقامتنا واشتريت شقة وكتبتها باسمه حفاظا على كرامته، وفى الوقت نفسه كان لدىّ مشكلات كثيرة، أبرزها مع صاحب العمل لرفضى مبادلته الأحاديث الغرامية، وعندما أبلغت زوجى حاول التهجم عليه، فأبلغته بأنه توقف عن مضايقتى وفضلت حل مشكلاتى وحدى خوفا من تهوره.

وأجريت خلال السنوات الأخيرة عمليات الحقن للإنجاب، فسحبت كل مدخراتى بعد إقناع زوجى بأنها أموال قد استلفتها وجمعيات وقروض، فكانت كل مرة تفشل التجربة يزداد زوجى كرها للناس، وفكرت كثيرا بالانفصال عنه، حيث أصبح ثرثارا بشكل مرضى وحاد الطباع وكثير المشكلات مع الجيران والباعة، حتى مع أهله، ويعاملنى كغبية لا تفقه شيئا وهو سيد الرجال برغم تحملى مسئولية البيت ومصاريفه، إلى أن اعترف لى فى لحظات ضعفه بأنى أمله الوحيد فى الحياة وأنه لا يوجد من ينفق عليه وإن تركته سوف يموت، فيحن له قلبى وأقول لعل الله يجعله سببا فى دخولى الجنة، والآن مرت عشر سنوات على زواجى الثانى، وأعيش على رغيف الخبز لأوفر من أجل عمليات الإنجاب، أهملت نفسى وصحتى وأُصبت بكثرة النسيان وبمرض فى القلب، فبرغم إجماع الأطباء أننى بخير، إلا أن ما يحزننى حقا هو أننى أعيش مع زوجى بدون أى مشاعر وأشعر أن سنوات عمرى ضاعت، وابنى فضّل الحياة مع إخوتى الصغار، فهم من سنه وتربى معهم، وعلى تواصل يوميا معى عن طريق الفيديو، أما أنا فكيف أعيد لقلبى الحياة، حيث أعيش وحيدة بين ذكريات طفولتى راضية بما قسمه الله.

 

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

لقد اتخذتِ عدة قرارات خاطئة ومتخبطة وعشوائية على مدى حياتك دون ضغوط من أى شخص، والحقيقة أن رسالتك تثير العديد من الملاحظات وعلامات الاستفهام والتعجب حول تجربتك الغريبة، بدايتها كانت موافقتك على الزواج الأول تضحية منك لإصلاح قطيعة بين عائلتين، رغم أن والدك قال لكِ إنه لن يجبرك، وفى أثناء الزواج أتعجب وأتساءل: كيف يمكنك خدمتهم وعمل الطعام دون أن تأكلى منه؟ والأغرب هو استمرارك فعل ذلك لسنوات، فمن يتحمل هذا لمدة أسبوع فقط؟ لقد عشت دور الضحية وقررتِ ألا تُبلغى والدك بما عانيته وتحملتِ فى سبيل ذلك مرارة الحياة لاعتقادك أنه تخلص منكِ، لكن عندما قلتِ له الحقيقة فلم يتردد فى تطليقك منه، ثم قررت الزواج مرة أخرى دون رغبة، وتزوجت فقط من أجل إرضاء الناس، الذين ظلوا يتحدثون بعد زواجك عن زوجك العاطل، فرضا الناس غاية لا تدرك، يجب ألا يكون هذا هدفنا فى الحياة، فعلى كل شخص أن يبحث عن رضا الله أولا وراحة باله ثانيا دون أى اعتبارات أخرى، كما تخليتِ بكل سهولة عن ابنك بعد زواجك الثانى على أساس أن راحته مع إخوتك وأمك ببيت والدك، وهذا خطأ كبير جدا وله نتائجه السلبية على المدى البعيد.

ولا أفهم كيف أخبرت زوجك بأنكِ لا تمتلكين أموالا ثم ذهبت لتشترى شقة وتكتبينها باسمه؟ وكيف استطعتِ أن تتجاهلى كلامه المؤذى بأنك سمراء وقبيحة وأنه تزوجك من أجل أموالك؟ كان عليك إنهاء العلاقة فى هذه اللحظة، بدون تردد، فهناك بعض الكلام يمكن أن يمر رغم صعوبته وهناك كلام يلزمه وقفة ورد فعل سريع، فهذا الشخص لا يحمل لك فى قلبه أى ذرة حب، أيضا لا أفهم لماذا كل هذه المحاولات المتكررة للإنجاب وأنت بالفعل تمتلكين طفلا.

لقد وصلت إلى حالة نفسية سيئة انعكست على جسدك، واستمرارك فى التفكير بهذه الطريقة سيجعل الوضع أسوأ، ويحضرنى قول الشاعر:

إذا تضايق أمر فانتظر فرجا

فأقرب الأمر أدناه إلى الفرج

وأذكرك أيضا بما جاء عن أسماء بنت عميس رضى الله عنها، إذ قالت: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب؟ الله.. الله ربى لا أشرك به شيئا»، فهناك أمور قاسية تواجه الإنسان، وعندما يلجأ إلى الله، فإنه سبحانه وتعالى يكشف عنه ما به من ضر، بشرط أن يكون صافى النفس، وأن يضع الأمور فى حجمها الصحيح، وأراك قادرة على ذلك بإذن الله.

والآن عليك تغيير نظام حياتك وأن تطلبى الطلاق وتحاولى كتابة الشقة باسمك مرة أخرى، وإن كان هذا يبدو صعبا، فليس أمامك سوى العودة إلى بيت والدك للعيش به أو استئجار مكان آخر بحسب قدرتك المادية، وأن تستعوضى الله فى تلك الشقة، والأهم هو استعادتك ابنك وتعويضه عما فاته، ونسيان فكرة الإنجاب، فقد أنعم الله عليك بالفعل ورزقك طفلا، قبل أن ينعم عليك مرة أخرى ويمنع عنك الإنجاب من زوجك الحالى، فلله حكم لا نعرفها فى وقتها وندرك قيمتها فيما بعد، فالله لا يختار إلا الخير.

إن زوجك الحالى لا يريد أن يعمل أو يحمل مسئولية البيت البسيط فوق عاتقه، لأنه وجد ما لم يحلم به من شقة باسمه ومصاريف دون مجهود، إنه يفتقد لأبسط أساسيات الزواج وهى القوامة، وأعتقد أنه مازال يفكر فى زوجته الراحلة، وأنت تعيشين على ذكريات طفولتك، فلم لا تفكرين فى نفسك أيضا؟.

إن ولدك ليس له ذنب فى أن يتم حرمانه من أبيه وأمه وهما على قيد الحياة، وإن كان سعيدا فى الوقت الحالى، فسوف يحزن فيما بعد، وما مضى قد مضى فالوقت أمامك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

إن الشدائد تكون أحيانا أكثر فائدة للإنسان من الحياة المرفهة، وعنها يقول أفلاطون من واقع ما عايشه من مواقف وتجارب: «الشدائد تصلح من النفس بمقدار ما تفسد من العيش، والتترّف ـ أى الترف والترفه ـ يفسد من النفس بمقدار ما يصلح من العيش»، وزاد على ذلك «أزد شير» بقوله: الشدة كُحل ترى به ما لا تراه بالنعمة»، فأنت بكل ما واجهته من متاعب سوف تحصدين ثماره قريبا، فالفرج بعد الكرب سنة ماضية، وقضية مسلمة، كالصبح بعد الليل لاشك فيه، ولا ريب، وليدبر الله أمرا كان مفعولا.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق