ما يحدث فى السودان هذه الأيام يبدو بالنسبة لى فزورة, أى لغز يصعب حله! وهو بالقطع أمر لا يمكن تجاهله، لأن العلاقة والرابطة السودانية المصرية، لا تماثلها أى علاقات أخرى، ومصر هى الامتداد الطبيعى للسودان، مثلما أن السودان هى الامتداد الطبيعى لمصر. وقد اعتدنا مثلا أن نتحدث عن «الإخوة» العرب، ولكننا نتحدث عن «الأشقاء» السودانيين..، ومع أننى زرت غالبية البلاد العربية، إلا أن الشعور بالدفء والألفة فى السودان له خصوصية محببة لاشك فيها... إلخ لذلك فأننى أراقب كعادتى عن كثب ما يحدث فى السودان منذ الإطاحة بالنظام الإخوانى لعمر البشير فى أبريل 2019. وفى أغسطس من نفس العام تم التوافق على ما سمى بـ «الوثيقة الدستورية السودانية» بين المجلس العسكرى الانتقالى والقوى الثورية المدنية، أى «قوى الحرية والتغيير»، وحددت الوثيقة فترة انتقالية مدتها 39 شهرا، تجرى فى نهايتها الانتخابات، مع إعطاء الأولوية فى الشهور الستة الأولى للفترة الانتقالية لإرساء السلام بين الفصائل السودانية فى مناطق النزاعات...، كما أجريت على الوثيقة عدة تعديلات. وفى 20 أغسطس 2019 عين مجلس السيادة أحد أفضل الكوادر الاقتصادية السودانية فى المجال الدولى، الدكتور عبد الله حمدوك رئيسا للوزراء. غير أن مجلس السيادة برئاسة الفريق البرهان أقال حمدوك، نافيا وصف ما حدث بأنه انقلاب، ومبررا له بأن الأحزاب لم تستطع تشكيل ائتلاف، والتوصل إلى إجماع حول أى موضوع، ولم يتمكنوا من الاتفاق على المجلس التشريعى ومحافظى الأقاليم. وقد عاد حمدوك لمنصبه بعد شهر، ولكنه أعلن فى الثانى من هذا الشهر (يناير 2022) استقالته فى كلمة بثت مباشرة على التليفزيون! هذا الوضع غير المستقر على الإطلاق فى السودان، كان من الطبيعى أن يثير اهتمام أى مراقب للشأن السودانى، غير أن أسوأ وأغرب ما نشهده الآن فى السودان فى تقديرى هو ذلك الحديث المريب عن تقسيم السودان بين ما يسمى «المكون العسكرى» و«المكون المدنى»، وعن إصرار آلاف المتظاهرين الشباب فى الشوارع على الاستبعاد النهائى للجيش. إن رفض سيطرة الجيش على الحكم أمر مشروع ومفهوم، ولكن التعامل مع الجيش السودانى وكأنه هو العدو شيء آخر تماما، بل هو تهديد وتدمير لكيان الدولة السودانية، أيها الاشقاء الأعزاء!
Osama
[email protected]لمزيد من مقالات د. أسامة الغزالى حرب رابط دائم: