زعموا إنقاذ العمال من الرأسمالية، فصار نظراؤهم فى الدول الغربية فى وضع أفضل. ظنوا أنهم يقضون على الرأسمالية، فقدموا لها أجل خدمة، إذ نُظر إلى انهيار دكتاتوريتهم بوصفه إخفاقا ضروريا لأى بديل اشتراكى. هذا بعض ما فعله من تربعوا على عرش الحزب الشيوعى السوفيتى. فهل كان ممكنًا تجنب انهيار النظام الذى أقاموه؟ كان السؤال، دون المقدمة التى سبقته بالطبع، عنوان ندوة شاركتُ فيها بمناسبة انهيار الاتحاد السوفيتى، وعُقدت عبر تطبيق «زووم» بمشاركة عدد من المثقفين العرب يجمعهم انحياز للعدالة الاجتماعية، ويُفرقهم تقييم ما حدث فى الاتحاد السوفيتى السابق.
وإذ يتعذر تلخيص نقاش ثرى امتد لأكثر من ثلاث ساعات، أكتفى بالخطوط العامة لعدد من المداخلات دارت حول فكرة أن إصلاح النظام السوفيتى لم يكن ممكنًا بسبب قوة شبكة المصالح التى قاومت أى تصحيح، وأن محاولة ميخائيل جورباتشوف جاءت بعد فوات الأوان، فبدا للبعض كما لو أنها هى التى قوَضت بناءً كان آيلاً للسقوط لا محالة. فقد قضى (أمراء) الحزب السوفيتى على عدة محاولات للإصلاح منذ مرحلة جوزيف ستالين الأكثر وحشية. وكان مصير قادة ثورة 1917 الذين اقترحوا إصلاحات جزئية محدودة القتل بطرق مختلفة، مثل كامينيف، واليكسى ريكوف، وبالطبع نيكولاى بوخارين الذى شارك فى تأسيس الأكاديمية السوفيتية للفنون والعلوم، فضلاً عن إسهاماته الفكرية. ولم يكن أفضل حالًا مصيرُ قادة دول كانت تابعةً لموسكو حاولوا الإصلاح. فقد سُحقت محاولات بدأها إيمرى ناجى فى هنغاريا 1956، وأُرسل مثل رفاقه الإصلاحيين الروس إلى العالم الآخر. ولكن مصير الزعيم التشيكى الكسندر دوبتشيك كان أقل سوءًا، إذ اكتُفى بإبعاده عن قيادة الحزب والدولة بعد القضاء على (ربيع براج) 1968. وحتى نيكيتا خروشوف الذى لم يُحقق إلا القليل من الشفافية عندما بدأ عهده بكشف بعض بشاعات مرحلة ستالين، أُطيح به بلا هوادة عام 1964. لقد أعمى الطُغيان قادة الحزب السوفيتى فلم يروا تصدعات كانت تُنذر بانهيار فى وقت ما، وظنوا أنه ليس إلا متمردا أو معاديا كل من نَبههُم إليها حرصًا عليهم، أو على بلاد حكموها بالحديد والنار.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: