رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مرسى عطا الله.. مدرسة صحفية وإنسانية

جميع من اقتربوا وتعرفوا على الكاتب الصحفى الكبير مرسى عطا الله يدركون قيمة هذه القامة الصحفية، التى أرست أسس مدرسة صحفية تقوم على احترام القارئ عبر التأهيل الجيد للصحفى، ليكون قادرا على تقديم كل ما يهم القارئ بكل سرعة ومهارة ترتكز على المصداقية، التى كان يراها معيار نجاح أى صحفى وكل صحيفة، وكان إيمانه بالمصداقية نابعا من تجربته العميقة والمؤثرة فى تكوينه منذ التحق بالجيش المصرى عقب نكسة 1967، والتى نالت من مصداقية الإعلام.

وكان ضمن دفعة المؤهلات العليا، التى بدأت بها إعادة بناء الجيش المصرى، وعمل كمراسل حربى، والتحق بمكتب المتحدث العسكرى الرسمى للقوات المسلحة، وأصبح أحد أعمدته، والذى كان عليه أن يستعيد الثقة فى بيانات القوات المسلحة، من خلال الدقة والمصداقية، والابتعاد عن التهويل أو التهوين أو التهليل، وهى الأسس التى تبنتها القوات المسلحة، وتجلت فى انتصار أكتوبر 1973.

وكان لهذه التجربة الشاقة فى أتون الحرب، والتى تعمدت بدماء الشهداء، ونقلت مصر من مرحلة الانكسار إلى مرحلة الانتصار، وتركت بصمتها على شخصية ومواقف وتوجهات مرسى عطا الله، التى كرست فيه حرب الاستنزاف ونصر أكتوبر مبادئ العمل الدقيق والدءوب مع احترام كل مجتهد، الصغير قبل الكبير، وألا يترك الأمور للمصادفة، فكل شىء يجب أن يسبقه تخطيط ويتلوه تقييم، فانطبعت تلك المبادئ فى ذهنه وسلوكه، وكانت طريقه نحو العمل الصحفى، الذى بدأه من الديسك المركزى فى جريدة الأهرام، حيث التدقيق فى كل المواد الصحفية من حيث اكتمال المعلومات وصحتها، واللغة السهلة والدقيقة المكتوبة بها، لتصل الرسالة بسهولة ويسر إلى عقل وقلب القارئ.

هكذا كانت الحرب كلمة السر فى مشوار الكاتب الصحفى الكبير مرسى عطا الله، ومنحته تلك الموهبة التى جعلته يؤسس جريدة «الأهرام المسائى» اليومية بمجموعة من الصحفيين الشبان فى يناير عام 1991 وشرفت بأن أكون واحدا من هذه الكتيبة الصحفية التى قادها ببراعة ، وظهرت فى الأسواق بعد أيام قليلة من الإعداد، وكان يصل الليل بالنهار، متنقلا بين الأقسام، يتناول طعامه مع الصحفيين والعمال، ويبيت أحيانا فى مقر الجريدة، وكنا نجده فى منتهى الشدة فى العمل، لا يسكت على أقل خطأ، ويعتبره جريمة فى حق القارئ، وينال من سمعة ومصداقية الجريدة وهيبتها أمام المسئولين، ولا يتوانى عن معاقبة المقصر، وأذكر أننى كتبت خبرا عن مصادرة بعض المنشآت التعليمية المصرية فى دولة شقيقة، وأحدث الخبر ضجة كبيرة فى وزارتى التعليم والخارجية، عندها استدعانى أستاذى مرسى عطا الله، وخيرنى بين ترك العمل الصحفى أو تقديم ما يثبت صحة الخبر ليقدمه إلى وزيرى التعليم والخارجية، وعندما جئت إليه بما يثبت صحة الخبر، تهلل واستدعى مجلس التحرير ليشيد بى أمامهم، وكانت مكافأته لى فورية، فاقت كل توقعاتى، من زيادة كبيرة فى مكافأتى الشهرية، ورفع اسمى من مركز متأخر فى قائمة المرشحين للتعيين إلى مركز متقدم جدا، وترك هذا الموقف أثرا عميقا فى نفسى، فكنت أصل الليل بالنهار فى الجريدة دون إحساس بالتعب، فالتقدير المبنى على احترام المبادئ أفضل أساليب التعليم، فأسس جيلا وأنشأ مدرسة صحفية، وهذا ما جعل جريدة «الأهرام المسائى» تحلق بعيدا بسرعة خلال الفترة التى رأسها مرسى عطا الله، لتحتل مكانة متميزة بين الصحف العريقة.


وعندما تولى رئاسة مجلس إدارة «الأهرام» تمكن خلال فترة وجيزة من تطوير الأداء وتحسين أرباحها واستكمل مشروعاتها ورفعها من عثرتها المالية، وحوَّل جامعة الأهرام الكندية إلى صرح تعليمى كبير، واشترى حصة مؤسسة التحرير الصحفية المجاورة، لاستكمال منشآت الجامعة، التى أصبحت من أهم موارد مؤسسة الأهرام.

والذى يرى الشخصية الصارمة والدقيقة لمرسى عطا الله فى العمل، يكاد لا يصدق مدى حنوِّه وطيبته خصوصا مع الشباب والعمال، فكان حريصا على أن يرفع مكافآت الشباب والعاملين قبل كبار الصحفيين، ولا يترك مناسبة إلا ويقدم لهم مكافأة، ولم يكن شغفه بالعطاء يقتصر على جريدة الأهرام المسائى أو مؤسسة الأهرام، فقد أنشأ مشروع «كسوة اليتيم» وبادر بالتبرع فانهالت التبرعات، لتجوب محافظات مصر حاملة الملابس للأيتام، خاصة فى مواسم الأعياد، كما تبنى مشروع تشغيل العاطلين، ليوفر آلاف فرص العمل، وكلما تحسن توزيع الجريدة وأرباحها كان يقتطع منها ما يجلب الفرحة للعمال ثم صغار الصحفيين قبل كبارهم، فى مفاجآت سارة لا تتوقف، وفى نفس الوقت يحاسب من لا يعطى الجريدة وقته وجهده، ويحصل على راتبه ليعمل فى أماكن أخرى، وكان يعتمد على إيقاظ الضمائر قبل توقيع الجزاء، ولأنه يدرك أن مهنة الصحافة مشحونة بالمنافسة، كان ينصحنا ويقول إن المنافسة شىء إيجابى بشرط ألا تكون عبر النَّيل من الآخرين أو على حساب القيم والمبادئ، ويذكرنا دائما بالسعى إلى الخير، فإن لم نستطع فعلى الأقل نتجنب إيذاء غيرنا والإساءة إليهم ، ويذكرنا بأن الطريق إلى النجاح يحتاج منا إلى البذل والاستفادة من الخطأ، فمن لا يعمل لا يخطئ، ومن يعمل يخطئ أحيانا، لكنه يصوب عمله ويحسنه.


تصوير: محمد عادل

أما عن مكانته المهنية كمحلل إستراتيجى فيدهشنا من قراءته الدقيقة للأحداث، والتعامل الهادئ مع المواقف الحرجة، وأن نتحرى الموضوعية ونخلع أهدافنا الخاصة فى التقييم، ولهذا كان غزير الإنتاج، تقلد الكثير من المواقع، وأسس أكثر من جريدة، قادرا على توجيه الدفة بمهارة، وأتعجب من تلك الخبرات الكثيرة والعميقة التى يتمتع بها، وأتساءل عن جذورها، فلا أجد إجابة إلا أنها جاءت من الأصالة المصرية التى لم تتلوث أو تتأثر بالمصلحة والهوى، ومن تجربته الثرية فى الجيش المصرى خلال فترة من أخصب وأغنى وأصعب الفترات التى مرت بها مصر.

هكذا تشكلت مدرسة مرسى عطا الله فى الصحافة والحياة، منحازا دائما للوطن والحق والحقيقة، متمتعا بحس إنسانى مرهف، وعقل راجح ومتأنٍ، وأقل ما يمكننى أن أقدمه كتلميذ فى مدرسته، أن أدعو له بالشفاء العاجل، وأن يمتعه الله بالصحة، ليواصل مسيرة العطاء التى ميزت حياته.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثــابت

رابط دائم: