رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريد الجمعة.. يكتبه: أحمد البرى
«الشخصية الفولاذية».. آخر ما قرأ وكتب عبد الوهاب مطاوع

أحـمــد البــــــرى

‎الأستاذ الحق، هو من يؤسس ويعلم ويترك وراءه عظيم الأثر، هكذا يكون الأستاذ، وهكذا كان الراحل الكاتب الكبير عبد الوهاب مطاوع، الذى احتفى باب « بريد الجمعة» بذكراه على مدار الأسبوعين الماضيين، ويختتم هذا الأسبوع حلقات الاحتفاء المستحق بإعادة نشر آخر رسالة وردت البريد وتناولها الأستاذ الراحل ( 1940-2004) بالقراءة والدراسة والرد. العنوان الذى اتخذته الرسالة عند نشرها بتاريخ 13 أغسطس 2004، كان «الشخصية الفولاذية»، فكانت من خير ما كتب ومن أفضل ما ترك وراءه، دليلا على أستاذيته للبريد الذى طور مدرسته العريقة فى «الأهرام» وجعلها ذات أثر وفضل على باقى التجارب الصحفية المماثلة.

‎يومها نعى محررو «البريد» أستاذهم قائلين: «نشيع إليكم الرسالة التى أرادت يد السماء أن تكون فصل الختام فى حياة الراحل الكبير الأستاذ عبد الوهاب مطاوع, حيث سلمها للنشر فجر الخميس قبل الماضى كعادته كل أسبوع.. إذ كثيرا ما أدركه شروق الشمس وهو فى مكتبه بالأهرام, قابعا بين رسائل قرائه, غارقا فى همومهم, باحثا عن كلمات تهدهد حيرتهم.. وكثيرا ما قضى ليله مؤرقا بين الورق باحثا عن خيوط النهار يبثها لقرائه من صحته ودمه... أما وقد فعل الراحل من ذلك كثيرا مما نعلم فى العلن وأكثر مما لا نعلم فى الخفاء فهنيئا له ماقدم فتلك هى جنته الجارية...»

‎وبذلك فإلى قراءة آخر ما قرأ وكتب أستاذ «البريد» عبد الوهاب مطاوع:

 

‎«أكتب إليك وأنا لا أدرى ما إذا كنت جانية أم مجنيا عليها؟ فلقد قرأت رسالة السيدة التى تتأثر بكلام والدتها وتعصى زوجها وتحرمه منها, وحجتها فى ذلك أنها لا تريد أن تعصى والدتها, لأن رضا الأم من رضا الرب. كما قرأت من قبل رسالة الشاب الذى يشكو من هجر زوجته وخلعها له ووضعها الشروط القاسية وتشويه صورته لدى طفلته وحثها على أن تكرهه. وقصتى شبيهة لهذه القصص مع بعض الاختلاف!

‎فأنا طبيبة أبلغ من العمر34 سنة وقد تزوجت من مدرس بإحدى الكليات منذ نحو7 سنين وكان شابا وسيما جذابا وحاصلا على الدكتوراه من لندن, ويعرف كيف يتعامل مع الناس والمشكلات, وأيا كانت المشكلة فإنه يتعامل معها بكل هدوء وبابتسامة لا تفارق شفتيه حتى فى أحلك اللحظات, ولقد واجه العديد من المشكلات بالصبر وتغلب عليها حتى وصل إلى درجة أستاذ مساعد, وفى فرع نادر من العلم, كما أنه كثير السفر إلى لندن للاستفادة من العلم, وأساتذته هناك يرشحونه دائما للمشاركة فى المؤتمرات فى بلدان العالم المختلفة وإلقاء محاضرات عن تخصصه النادر.وبالرغم من مشاغله وسفره الدائم فقد كان بارا بأمه وأخويه وكان دائم الزيارة لهم والاتصال بهم, وكان هذا يثير حفيظتي, حيث إن لى أخوين يعملان بالقاهرة ولا يزوران والدتى ووالدى إلا عندما يحتاجان إلى نقود لمعاونتهما على الحياة, بالرغم من أنهما يعملان فى عدة مستشفيات وعيادات خاصة, وكنت أرى بر زوجى بوالدته وجفاء شقيقى لوالدتى وأقارن بين هذا وذاك.

‎وأرى اعتماد شقيقى على مركز والدتى الاجتماعى ووالدي, واعتماد زوجى على نفسه وعدم لجوئه لأحد لحل مشكلاته, فكان هذا يثير فى نفسى الشجن .. وبحكم طبيعة العمل الذى تمارسه والدتى والذى يتطلب شخصية قوية فلقد كانت كذلك شخصية قوية داخل المنزل, وتركت مسئولية البيت لوالدى الذي

‎أصبح يرعى أمورى بعد أن هجرنا شقيقاي. وكنت أساعده فى أعمال المنزل التى أصبح يجيدها بطبيعة الحال. ثم تزوجت وغادرت بيت الأسرة.

‎ووجدت زوجى مختلفا عن والدى فهو لا يعلم أى شيء عن أعمال المنزل ويتركها لي, على عكس والدى الذى كان يقوم بكل شيء لكى تتفرغ والدتى لعملها, وبالرغم من أن زوجى كان يساعدنى فى عملى وفى بعض أعمال المنزل الخفيفة إلا أن هذا لم يرضنى ولم ترض به أمى فراحت تحرضنى عليه وتقول لى إن إذلالى لزوجى يجعله خادما لنا وعبدا لا يجرؤ على أن يرفع عينيه فى وجهى أو يعصى لى أمرا. فاستجبت لها إرضاء لأمى ولأننى وجدت فى والدى مثلا أعلى، لكن زوجى هاج وماج بعد أن أعيته الحيل معى وحاول معى بشتى الطرق التفاهم, خاصة وقد رزقنا الله بطفلة جميلة هى نسخة من والدها وشديدة التعلق به ولكن هذا كان يثير أيضا مخاوف والدتى لأنها لا تريد لطفلتى أن تكون لها علاقة بأهل زوجى بالرغم من أنهم لم يفعلوا أى شىء يسىء إلينا.

‎وتطورت بيننا الأمور فلجأت إلى محام كانت والدتى تتعامل معه فى القضايا التى رفعها ضدها بعض الموظفين نتيجة لشدتها معهم, ورفعت قضية خلع بناء على طلب أمى, وطلب منى المحامى أن أقوم بتحرير محضر ضد زوجى وأكيل له فيه الاتهامات مستغلا خبرته القانونية, فذهبت إلى قسم الشرطة مع المحامى وحررت هذا المحضر.

‎كانت خطة والدتى هى إذلال زوجى وتهديده, ولكنه رفض بكبرياء وعزة نفس مما استفز والدتي, فأصبحت القضايا التى أرفعها ضده وكأنها فى الحقيقة بين والدتى وزوجي, ثم جاءت قضية الخلع وذهب زوجى بنفسه إلى قاعة المحكمة ووافق على الخلع وقال للقاضى حسبما أخبرنى المحامى إنه مادامت زوجتى قد طلبت الطلاق بالمحكمة فلها ما شاءت، وقضت المحكمة بالخلع ورد المهر ‎أو الهدايا فلم أردها ولم يطالبنى هو بها وترك لى كل شىء, ومع أننى كنت الساعية إلى الطلاق .. وقد انهرت حين سمعت خبر طلاقي, ذلك أننى وحتى اللحظة الأخيرة كنت أظن أنه سيرجع إلى راكعا, كما وعدتنى أمى وهى تؤكد لى أن ما تفعله هو لمصلحتى حتى أتفرغ لعملى وأكون طبيبة كبيرة وأنهى دراستى العليا التى ساعدنى فيها زوجى بجمع المادة العلمية لى خلال سفرياته للخارج.

‎وعدت إلى منزل أمى مطلقة بالخلع ومعى طفلتي, فرحت أنفس فيها عن همومى وأحرضها على والدها وأشوه لها صورته وصورة أهله.. وقبل ذهاب طفلتى لرؤية والدها كل خميس لمدة ساعتين كانت والدتى تقوم بتلقينها درسا فى الكراهية والاستفزاز, وتملى على والدى أوامر صارمة أهمها عدم السماح للطفلة بالاقتراب من والدها وعدم أخذ أى مشروبات أو مأكولات منه حتى لا يدس لها السم فتموت وتنقطع النفقة التى نحصل عليها, فالطفلة بالنسبة لنا هى مصدر رزق ومنجم ذهب, حيث إننا نحصل على نفقات عالية تفوق مرتبى مرتين. وبالرغم من ذلك لم يعترض مطلقى على ارتفاع النفقة ولم يستأنف.

‎وقمت مع والدتى برفع عدة قضايا ضده, وهى للأسف عادة فى عائلة والدتى التى يكثر فيها الطلاق, وكنت أظن أن مطلقى سيقوم برفع قضايا معاكسة كما هى العادة فى النزاعات المماثلة لكنه لم يفعل وانصرف إلى عمله, وتابعت أحواله عن بعد فوجدته يزداد نجاحا بعد الطلاق.. أما أنا فلم أتقدم فى عملى خطوة واحدة, كما كانت تخطط لى والدتى سامحها الله ـ وهى الآن تخضع لإجراء جراحة كبيرة فى القلب فى القاهرة, وكم كنت أتمنى أن أجد زوجى إلى جوارى فى هذه اللحظات العصيبة.. إننى أتمنى لها الشفاء وأتمنى أيضا أن يسامحها الله فيما فعلته بى وبطفلتى وبوالدى من قبل.


ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

‎قولك فى بداية رسالتك أنك لا تدرين ما إذا كنت جانية أم مجنيا عليها .. يتناقض مع كل ما ذكرت بعد ذلك من سلوكك مع زوجك السابق, ومحاولتك أن تصنعى منه نسخة باهتة جديدة من أبيك فى علاقته بزوجته, حيث ارتضى أن تكون هى المسيطرة على الأسرة, وهو التابع المطيع الذى يقوم بأعمال البيت نيابة عنها,

‎ويستسلم لإرادتها على طول الخط, فضلا عن سعيك إلى قهر إرادة زوجك وإذلاله وتهديده والضغط عليه لكى يرضخ لأوامرك وأوامر والدتك ذات الشخصية الفولاذية, واعترافك بأنك قد حررت ضده محضرا ووجهت إليه من الاتهامات ما تعترفين بأنه غير صحيح, وأقمت عليه عدة دعاوى توجتينها بدعوى الخلع بناء على أوامر والدتك, وكل ذلك لأن زوجك السابق قد رفض الرضوخ لأوامرك والركوع أمام والدتك..

‎بل إنك تعترفين كذلك ـ وأنت الطبيبة المثقفة ـ بأنك لا تتورعين عن إفساد مشاعر طفلتك الصغيرة ضد أبيها وعمتها وعمها وجدتها لأبيها, والادعاء عليهم بالباطل أنهم يكرهونها وحاولوا إيذاءها بل وقتلها وهى طفلة وليدة, غير عابئة بما لذلك من أثر تربوى خطير على معنوياتها وتكوينها النفسي, قد ينعكس عليها فى سوء الظن بالآخرين والخوف المرضى منهم والشك فيهم, فكيف تتساءلين بعد ذلك عما إذا كنت جانية أم مجنيا عليك؟

‎الحق أنك جانية على زوجك السابق وطفلتك, ومجنى عليك من والدتك التى قدمت لك أسوأ المثل لما ينبغى أن تكون عليه الزوجة, وفتنت أنت بهذا المثال الفاسد وأردت التمثل به وتقليده مع زوجك, وغابت عنك الحقيقة البديهية، التى يعرفها أبسط البسطاء وهى أن البشر ليسوا أشباها متماثلين وإنما أشخاص شتى تختلف طباعهم ورؤاهم وشخصياتهم, وأن ما يصلح مع شخص ما قد لا يصلح ‎مع غيره, فإذا كانت والدتك قد أقنعتك بأن المثال الناجح للحياة الزوجية هو الذى تقهر فيه الزوجة إرادة زوجها وتتسم بشخصية فولاذية, فلقد غاب عنك أن الشخصية المسيطرة قد تتوافق مع الشخصية المستسلمة لأنها تسلم لها بالقيادة ولا تتصارع معها, أما الشخصية الطبيعية فإنها لا تسلم قيادها لأحد وتنفر ممن يحاول إخضاعها وقهرها وتتصارع معه, وهو ما حدث مع زوجك السابق.

‎فإذا كانت الحياة الزوجية لأبويك لم تنهر ولم تتعرض للقلاقل والاضطرابات مما أغراك بمحاولة تقليدها, فليس ذلك لأنها المثال الناجح أو الأفضل, وإنما لأنه, كما يقول الأديب الفرنسى باسكال فى كتابه الأفكار: لا يشعر الإنسان بقيوده إذا تبع مختارا من يجره, فإذا بدأ المقاومة محاولا الابتعاد تألم غاية الألم!

‎وهكذا الحال دائما يا سيدتى إذا استسلم لنا أحد دون مقاومة جررناه وراءنا وتبعنا هو بغير أن يشعر بألم.. أما إذا قاومنا فهنا يتألم أشد الألم.. فكيف غابت عنك هذه الحقيقة؟ وماذا جنت طفلتك البريئة حتى تعرضيها للاضطراب النفسى واختلال القيم والمعايير بغرس الكراهية فى قلبها ضد أبيها وذوى رحمها بدلا من أن تغرسى فيها قيم الحب والرحمة والعطف وصلة الرحم, وبقية المشاعر الايجابية التى تعينها على التواصل السليم مع الحياة؟

‎وهل حقا قد استوعبت الدرس وشعرت بالندم الصادق على ما فعلت بزوجك وحياتك العائلية وطفلتك؟

ر‎بما تكونين طبيبة ناجحة, والمؤكد أنك كنت فى مرحلة التعلم ذكية ومتفوقة دراسيا, لكن المؤكد كذلك أنك لم تبدى شيئا من هذا الذكاء فى التعامل مع حياتك الزوجية السابقة.. ولا مع زوجك ولا حتى مع طفلتك الصغيرة التى تدمرينها معنويا بغير أن تدركى ذلك.

‎وقديما قال أمير الشعراء أحمد شوقي:

‎كم منجب فى تلقى الدروس … تلقى الحياة فلم ينجب»

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق