رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

جسور الطاقة والتنمية بين مصر وأوروبا

حقق لقاء القمة الثلاثى التاسع بين مصر واليونان وقبرص قفزة نوعية فى عدة ملفات حيوية، توجت الجهود المبذولة خلال السنوات الأخيرة لتعزيز الشراكة، التى حققت نتائج فاقت التوقعات، سواء فى مشروعات أمن الطاقة، والمضى فى تطوير إنتاج الغاز والمشتقات البترولية، وإسالة الغاز وتصديره، ومشروع الربط الكهربى الممتد من مصر إلى قبرص فاليونان، ليتصل بالشبكة الأوروبية، ويربط قارتى إفريقيا وأوروبا لأول مرة، والمشروعان الواعدان أمامهما فرص كبيرة للتوسع والتطور، ومن شأنهما إرساء واقع جديد وخريطة مبشرة للتعاون الإقليمى والدولي، وتمديد شرايين الطاقة لتكون قاطرة استثمارات ضخمة، وتبادل تجارى واسع، وتنمية شاملة تتسع لبلدان كثيرة على جانبى البحر المتوسط.

وبرغم ذلك لم تتوقف الشراكة عند حدود الطاقة، بل امتدت إلى نطاق أشمل وأوسع، منها البيئة والهجرة غير الشرعية وحل النزاعات، خاصة فى سوريا وليبيا والتصدى للإرهاب والسلوك العدائى لتركيا فى المنطقة، وبلغت الشراكة نطاقا يشمل التعاون العسكرى والأمنى.

لقد تحقق الكثير فى تلك القمة التى استضافتها أثينا بمشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى ونظيره القبرصى نيكوس أناستاسياديس ورئيس الوزراء اليونانى كيرياكوس ميتسوتاكيس، رغم الصعوبات المتعددة والجسيمة التى مرت بها المنطقة والعالم، فالتوتر مازال يخيم على عدة بلدان، منها سوريا التى تسعى تركيا إلى السيطرة على شمالها، والأوضاع الصعبة فى غزة والضفة الغربية، والعراقيل التى تحاول إيقاف مسيرة التسوية فى ليبيا، وعرقلة القرارات المتعلقة بانسحاب المرتزقة المسلحين والقوات الأجنبية، ليتمكن الشعب الليبى من اختيار حكومته وتنظيم مؤسساته، وإعادة تعمير بلده الذى دمرته الحرب الطويلة.

إن القفزة الجديدة التى تحققت فى هذه الشراكة سيكون لها تأثيرها البعيد فى مختلف المجالات على دول البحر المتوسط، وتضع أعمدة جسور أخرى أوسع فى العلاقات بين دول ضفتى البحر المتوسط، بل ستجتازها إلى القارات الثلاث الكبرى فى العالم، فتلك المنطقة الجيوستراتيجية تعد أهم مراكز التجارة والتنافس الدولي، وبمقدورها وإمكاناتها، وما تتمتع به من ثروات فإنها ستكون محورا رئيسيا فى صناعة القرار ومفتاح الكثير من المشكلات والأزمات الدولية، ولهذا كان نجاح تلك القمة، وتدشين مشروعات اقتصادية إستراتيجية فى ظل تلك التعقيدات الإقليمية والدولية يبشر بمستقبل واعد للمنطقة، تكون بمثابة طريق جديد لعالم أكثر أمنا وتطورا وعدالة، يرسى قيم التعاون البناء، والاحتكام للعقل والمواثيق الدولية وينبذ التقاتل والحروب واستعمال القوة.


لقد شعرت يوم الثلاثاء الماضى فى أثينا بأننى أشهد يوما غير عادى فى تاريخ المنطقة، وأن هذا الطقس الخريفى الجميل يحمل طاقة أمل جديدة، رغم أجواء التوتر والأخبار المتلاحقة حول الأزمات، سواء المتعلقة بالأنشطة الإرهابية أو بأزمات الاشتباكات والتفجيرات والأعمال الإرهابية التى تحاول جر العالم إلى ويلات جديدة، وكذلك قرار تركيا بتمديد بقاء ثلاث سفن فى المنطقة المتنازع عليها فى ظل مساعيها لتأجيج التوتر والأزمات، واستمرار سياساتها فى الابتزاز، وادعاء أنها أبرمت اتفاقيات مع فصيل ليبى بترسيم حدود بحرية تتعارض مع كل المواثيق الدولية، فمازالت ليبيا لم تنجز إنشاء مؤسساتها لوضع دستورها وتنظيم انتخاباتها، وبدون ذلك لا قيمة لأى اتفاقيات مع أحد الفصائل غير المنتخبة ولا المعبرة عن إرادة الشعب الليبي، والتى لا يمكن تمثيلها إلا عبر انتخابات سليمة معترف بها.

ومع ذلك فإن تركيا ماضية فى استفزازاتها، سواء بالسفن التى تواصل التنقيب فى المياه الدولية أو طائراتها التى تخترق المجال الجوى لدول الجوار أو دورها المؤجج للصراعات فى سوريا، والذى يعكس نزعة عدوانية، ودعما لجماعات مسلحة مُصنَّفة إرهابية، لتجبر الدول على الإذعان لأطماعها، ونهب ثرواتها، وأعتقد أنها لن تجنى شيئا من تلك المحاولات اليائسة والخارجة عن المواثيق الدولية، بل ستزيد من عزلتها وأزماتها، وأن عليها إذا أرادت أن تكون شريكة فى تلك الجهود التنموية أن تتخلى عن تلك السياسة العدوانية، وأن تعرف الطريق نحو مسار التعاون وجسور التنمية المستندة إلى المواثيق الدولية، وأن تدرك أن سياسة فرض أمر واقع بالقوة لن تجدى شيئا، بل تضيع على حكومتها وشعبها فرصة الانضمام إلى مسيرة السلام والشراكة فى مشروعات تنموية دولية عملاقة ستكون لها نتائجها الإيجابية الملموسة والسريعة على جميع شعوب المنطقة، بدلا من هدر الأموال فى حروب ومناكفات لن تحقق شيئا سوى المزيد من الخسائر وتفويت فرص العمل التنموى الإيجابى.

لقد كانت تسود أجواء القمة الثلاثية فى أثينا روح إيجابية، تناقش بكل جدية ودأب مشروعات فى مختلف المجالات، شملت التعليم والبحث العلمى والصناعة والزراعة والتبادل التجاري، وسبل الحفاظ على البيئة، والحد من الهجرة غير الشرعية، والتغلب على الجماعات الإرهابية، والتعاون فى مجال مكافحة الحرائق والحد من الآثار المدمرة للتغير المناخي، وتوسيع نطاق التعاون ليشمل بلدانا أخرى فى المنطقة، ليعم السلام والرخاء مختلف البلدان.

هذه كانت الرسالة التى تبنتها القمة الثلاثية، والتى خرج بيانها ليبشر بنهج جديد، وآمال مبنية على أرضية واقعية مستندة إلى مشروعات قابلة للتنفيذ، مثل الربط الكهربائى الذى يؤمِّن الطاقة للكثير من البلدان، ويجعل منها تجارة رابحة للجميع، سواء الدول المنتجة أو المستهلكة، ويشجع على التوسع فى مشروعات إنتاج الطاقة النظيفة، واستثمارات تأتى من بلدان أوروبية لتدعم المشروعات الواعدة فى إفريقيا، لتتمدد شرايين الطاقة والمواصلات والتجارة لتشمل بلدانا حول البحر المتوسط، ولا تقتصر على الدول المتشاطئة وبهذا يعم الرخاء الجميع.

بينما جاء البيان التركى الرافض لكل ما جاء فى القمة الثلاثية ليحاول بيأس أن يوقف تلك المسيرة الخلاقة والواعدة، وأن يضع أمامها العراقيل، متمسكا بنهج الابتزاز والعدوانية، رافضا دخول مفاوضات تسوية تستند إلى القانون الدولي، وماضيا فى الطريق اليائس الذى يسعى إلى فرض أمر واقع بالقوة والتهديد، وشتان بين التوجهين، وسيتضح أن طريق التنمية على أسس عادلة تحمل الخير والفائدة للجميع سوف يشق طريقه نحو التحقق، مستندا إلى قوة الحق ورغبة الشعوب فى تحقيق الرخاء، ونبذ الإرهاب ورفض الابتزاز، والسعى لاستكمال جسور التنمية والتكامل والتعاون الخلاق من أجل خير شعوب المنطقة والعالم.


لمزيد من مقالات علاء ثابت يكتب من أثينا

رابط دائم: