ذكريات صحفية:9ـ فى مساء أحد أيام عام 1954 دعا الأستاذ هيكل لأول مرة جميع محررى آخر ساعة إلى مكتبه وأمسك بمجموعة أوراق كانت مكتوبة بخط يده وراح بصوت واضح يقرأ المكتوب ورقة ورقة وقد فهمنا أنه عبارة عن حلقة من ثلاث حلقات ستنشرها آخر ساعة على ثلاثة أسابيع تحت عنوان فلسفة الثورة بقلم جمال عبد الناصر. وصحيح أن الورق كان بخط هيكل إلا أنه كما فهمنا كان ثمار حوار بين جمال عبد الناصر وهيكل حول محاولة استكشاف نفوس الذين قاموا بالثورة وبالطبع مع تأكيد أن عبد الناصر هو القائد الحقيقى للثورة.
تسابق المحررون إلى تهنئة الأستاذ على هذه الخبطة وقد نشرت فى نفس الأسبوع، وانتظرنا الحلقة الثانية فى الأسبوع التالى ولكن مضى أسبوع والثانى وشهر ولا حس ولا خبر عن الحلقتين التاليتين، وأصبح مفهوما أن جلسة الاستماع التى عقدها هيكل قد نقلت بالكامل إلى جمال عبد الناصر مما أثار غضبه الشديد، وبصرف النظر عن التفاصيل التى لا نعرفها فقد ظهرت الحلقة الثانية من فلسفة الثورة وجرى نشرها بعد ستة أسابيع ومنذ ذلك التاريخ لم يحدث أن نطق الأستاذ هيكل بكلمة واحدة عن شىء كتبه لجمال عبد الناصر رغم أنه كتب له مئات الخطب والخطابات والوثائق. ولو سئلت عن أهم ماكتبه هيكل لعبد الناصر طوال حكمه لقلت بلا تردد خطاب التنحى الذى قرأه عبد الناصر يوم 10 أكتوبر 67 بعد الهزيمة المدوية التى جرت، ففى هذا الخطاب استطاع هيكل أن يحول الهزيمة إلى نكسة وأن يحول بكلماته الفريدة عواطف الملايين إلى دروع تحمى عبد الناصر وتمنعه من ترك مكانه.
فى المقابل أعتبر أن خطاب أنور السادات فى زيارته التاريخية للكنيست فى نوفمبر 77 أهم خطاب ألقاه فى حياته وقد شارك فى كتابة هذا الخطاب الصحفى اللامع موسى صبرى والسياسى المتميز أسامة الباز، فرغم كل الانتقادات التى وجهت للزيارة إلا أن أحدا لم ينتقد الخطاب بكلمة!
[email protected]لمزيد من مقالات صلاح منتصر رابط دائم: