أتحفظ كثيرا على قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بشأن الدعوة لبحث ومناقشة بنود (كود جديد) لتغطية حوادث الانتحار ومحاولاته على أن يصدر خلال أسبوعين فقط بعد استطلاع الآراء!! وسر تحفظى يعزى إلى أن هذا التوجه يعطى انطباعا قويا بأن الانتحار فى مجتمعنا الإسلامى الشرقى تحول بين عشية وضحاها من حالات فردية أقرب إلى الندرة إلى (ظاهرة عامة) وأن قتل الذات وحرمانها من نعمة الحياة لسبب أو لآخر أصبح أمرا مألوفا وسلوكا معتادا وعرفا سائدا فى بلادنا؟!! وأتساءل وعلى الوجه دهشة وفى الحلق غصة: هل انتحار 1.29 شخص كل 100 ألف نسمة - طبقا لتقرير المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية - يعد (ظاهرة) تستحق استحداث كود جديد لتغطيتها؟!! فإذا كانت الإجابة بالإيجاب فبماذا إذن نصف حوادث الانتحار فى روسيا والمجر واليابان وكوريا الجنوبية والصين وفرنسا والدنمارك وقد بلغت معدلاتها 72 و67 و48و45و47و37و27شخصا كل 100 ألف نسمة على الترتيب؟!! وهل من المنطق والموضوعية والحكمة أن نعلن تلميحا لا تصريحا - من خلال استحداث (كود إعلامي) - أن بلادنا تئن تحت وطأة ظاهرة الانتحار فى الوقت الذى وضعها تقرير حديث للبنك الدولى فى المرتبة الــ 150 من أصل 183 دولة فى معدلات الانتحار؟!! و على أى نحو نصف الانتحار فى الدول الــ 149التى سبقت مصر فى الترتيب؟!! أما إذا كانت الإجابة بالنفى - وأحسبها كذلك - فما الهدف إذن من الإعلان عن إعداد (كود جديد) لتناول وقائع انتحار تحدث بمعدلات تكاد تلامس الصفر وعلى فترات زمنية متباعدة؟!! وما الحكمة من التعجل فى إقراره وتفعيله؟!! ثم ألا يدرك أعضاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أن إثارة موضوع (الانتحار) على النحو الذى يعكسه الإعلان عن (كود جديد) له يمكن أن يأتى بنتائج سيئة وردود أفعال غير مستحبة كأن يتأثر به المواطنون فيحفز ذلك من يمرون بضائقة أو ظروف قاسية إلى السير على خطى من سبقوهم بالانتحار للتخلص من معاناتهم بإزهاق أرواحهم بأيديهم لوضع حد لمعاناتهم؟!! وأخيرا.. أليس من الأفضل حظر نشر وقائع (الانتحار) أو تقليص المساحة المخصصة لنشر مثل هذه الحوادث التى تدمى القلوب وتحرك فى النفوس بواعث الحزن والأسى مما يسهم فى مجابهتها وقطع الطريق على كل من تسول له نفسه أو يوسوس له شيطانه بارتكاب هذه الفعلة الشنعاء والذى قد يستقر فى ذهنه – جراء الحظر - انحسارها (الافتراضي) أو ندرتها على أقل تقدير فيتراجع عن الفكرة الآثمة غير المشروعة!
...
كانت هذه سطور رسالة تلقيتها من المهندس هانى أحمد صيام وقد أغنتنى عن الإدلاء برأيى فى ظاهرة التسابق الإعلامى لتغطية حوادث الانتحار بصورة تكاد تعطى انطباعا بأنها ظاهرة مجتمعية مع أن العكس هو الصحيح، وأن غالبية شباب مصر بخير، ومن حقهم علينا أن نحميهم من خطر الترويج لهذا السلوك المذموم بأن نحظر النشر تماما لأن حظر النشر أكثر فائدة مهما قيل عن حق المعرفة استنادا إلى القاعدة الفقهية التى تقول بأن الضرورات تبيح المحظورات!
خير الكلام:
<< الضرر لا يزال بالضرر!
[email protected]لمزيد من مقالات مرسى عطا الله رابط دائم: