هل صحيح كما يقول الغرب إننا لانهتم بآثار الحضارة المصرية المجيدة التى كانت أساسا لكل ما ظهر على أرض هذا الكوكب من حضارات.. حتى ان ما كتب عن الهرم الأكبر (خوفو) خاصة لدى الغربيين بلا حدود، ولعل أول من ذكر الهرم الأكبر من المؤرخين القدامى, المؤرخ الإغريقى أبو التاريخ واسمه هيرودوت (484 ـ 420 ق. م) فقد ذكر الهرم الأكبر وعصر فرعون مصر (خوفو) فى الفقرات (141-142-124-129) من الجزء الثانى من تاريخه المخصص لمصر. كما وضع المؤرخ المصرى الكاهن (مانيتون) كاهن بلدة سمنود المصرية حوالى عام 280ق.م مؤلفا فى تاريخ مصر القديمة بعنوان (ابيتومه Epitome) بين فيه حكم ثلاثين أسرة ملكية تعاقبت على مصر، ذاكر أنه استند إلى الوثائق المصرية القديمة، ولكن مؤلفه ــ بكل أسف ــ ضاع! أو سرقوه .. ولكن بقيت منه شذرات لدى المؤرخين الإغريق والرومان واليهود!
فماذا وجدوا؟ وماذا قالوا ياترى؟
فى عام 56 ق.م زار المؤلف (ديودورس الصقلى) مصر ووصف الهرم الأكبر وصفا علميا مدعما بالمقاييس حسب وحدات القياس المصرية القديمة وهى: الذراع والبوصة (الإصبع) المقاييس الهرمية. وتحدث عن مصر الفراعنة بناة الأهرام (خوفو وخفرع ومنقرع) مازحا تاريخه بالخيال.
> كما كتب فى الرومانى (استرابون) حوالى عام 24 ق. م متحدثا عن الهرم الأكبر فى كتابه : الجغرافية فى الفقرة (37) من الفصل (17).
> كما ذكر المؤرخ الاسكندرى (فيلون) حوالى عهد الميلاد فى تاريخه عن أهرام مصر (خوفو) وهو أحد أعاجيب الدنيا السبع وتحدث عنه فى الفقرتين 16، 17 فى كتابه السادس والثلاثين فى التاريخ الطبيعى.
> كما تحدث عنه الكاتب (انتيباتر) وعده أحد أعاجيب الدنيا السبع، وذكر الأعاجيب السبع.
***
وقد سمى المؤرخون والكتاب العرب فرعون مصر (خوفو) باسم (سوريد) وهو من أسماء خوفو الحقيقية فاسمه مسجل على خرطوش باسم (سوريس خوفو) .
أما منقرع فسماه العرب باسم منقاوس أو مناوس وهو تحريف بدون شك لكلمة (مكرينوس) اليونانية المحرفة: عن كلمة (منقاورع) الفرعونية القديمة.
***
لقد كان كهنة مصر القدماء أساتذة فلاسفة الإغريق بدون شك، فلا يكاد يوجد فيلسوف يونانى شهير إلا وشد الرحال إلى مصر لينهل من فلسفتها ويتعلم الحكمة على يد كهنتها، فهذا (تاليس) الميليتى الفيلسوف اليونانى الأول والأشهر بين فلاسفة اليونان السبعة العظام، فقد تعلم من كهنة مصر أصول الهندسة وبعض الأسرار العلمية الأخرى.
وكذلك الفيلسوف (فيثاغورس) الصوفى الأشهر فقد استقى أسس نظريته الشهيرة (فى المثلث القائم : مربع الوتر يساوى مجموع مربعى الضلعين الآخرين) من مصر بعد أن اختتن فى مصر ثم رحل إلى بابل ليتلقى أصول علم الفلك متاجرا بالزيت والملح.
وكذلك فعل الفيلسوف المتأله امبيدوكليس (أنباذوقلس) صاحب نظرية الأصول المادية الأربعة للكون وهى الماء والهواء والنار والتراب.
أما عمنا أفلاطون الذى يستند جميع تشريعنا الإنسانى فى أصوله الفلسفية إلى فلسفته العامة، فقد تعلم فى مصر وتنسك فى جبل الكرمل فى فلسطين ثم رحل إلى بابل ويقال إنه ذهب إلى الهند وتعمد هناك فى نهر الغانج، وأتانا بأسطورة دمار قارة أطلنتيك التى دمرها الزلزال ونيزك فضائى تلك الأسطورة التى لم تزل حتى تاريخه تثير كثيرا من التساؤل والجدل حول مصداقيته ومكان وجودها وكيفية دمارها والتى ذكرها بالتفصيل فى كتابه (كريتياس).
إن عددا كبيرا من عباقرة اليونان والرومان أيها السادة جاءوا مصر يتعلمون منهم الشاعر هوميروس صاحب ملحمتى الإلياذة والأوديسة، والحاكم أورفيوس،، والمؤرخ هيرودوت، والأديب يوروبيدس والمشرع العظيم صولون والحكيم والرياضى أرخميدس الذى علم فى مدرسة الاسكندرية وايراتوستن الذى قاس محيط الكرة الأرضية.
وكما ذكر لقد سجل الفيلسوف العظيم (افلاطون) عظمة الفراعنة فى أحد كتبه المسمى (ثيماوس) جاء على ألسنة أحد كهنة معبد سايس قال: «أنتم الإغريق أطفال إذا ما قورنتم بما لدى المصريين من علم، أنتم أضعتم علومكم، ولكن المصريين احتفظوا بالعلم والحكمة فى المعابد والمقابر، وأنتم مضطرون أن تبحثوا من جديد دائما، ولكن المصريين لديهم علم متصل وحكمة موفورة، وهذه الحكمة كالنهر يفيض دائما بالنور والحياة والخير والسلام».
وياسلام.... وياسلام هذه من كاتب هذه السطور!
ويجب ألا ننسى علماء مدرسة الإسكندرية كهيرون وإقليدس وأرخميدس وايراثوستين.وكذلك بطليموس القلودى (كلوديوس ـ بتولماس) صاحب أهم كتاب فى الفلك فى العصور القديمة والوسطى المدعو لدى العرب بالمجسطى وكان (هيرودوت) أبو التاريخ أهم من كتب عن مصر فى العصور القديمة، وكان شديدالإعجاب والتعصب لمصر وحضارتها.
وفى العصور الوسطى كان المؤرخون العرب يعتقدون أن هرم (خوفو) يحتوى على الكثير من الأسرار العلمية، فقال المؤرخ (المسعودي) فى كتابه أحبار الزمان: أن (سوريد) ــ وهو اسم (خوفو) كما بينا ـ أحد ملوك مصر قبل الطوفان بنى الهرمين الكبيرين، وأمر الكهنة أن يودعوهما كتابات تحتوى على علوم فى الحساب والهندسة وإجماع حكمتهم ومعارفهم فى شتى العلوم والفنون وأن تنقش عليهما كتابات حسابية وهندسية حتى تبقى شاهدا لما بعدها، وليستفيد منها من يستطيع فهمها، ويضيف المسعودى، أنه نقشت على الهرمين مواقع النجوم ومداراتها وتواريخ الأزمنة الخالية، وكل الأحداث المهمة المقبلة التى ستقع فى مصر والعالم. وذكر المقريزى فى خططه : أن الهرم الأول (خوفو) خصص للتاريخ والفلك والهرم الثانى (خفرع) خصص لعلوم الطب.
ويروى أن العرب فى أول عهدهم فى بلاد مصر عثروا على أوراق بردى فى دير (أبو هرمس) جاء فيها بعد قراءاتها من القبطية القديمة: أن سجلت على جدران الهرم أسرار علوم الفلك والهندسة والطبيعة وشتى المعارف الثمينة، وقد أورد المقريزى رأى الطبيب العربى على بن رضوان قائلا فى خططه: (فكرت فى بناء الأهرام فأوجب علم الهندسة العلمية ورفع ثقل إلى فوق أن يكون القوم هندسوا سطحا مربعا ونحتوا الحجارة ذكرا وأثنى رصوها بالجبس البحرى، إلى أن ارتفع البناء مقدار ما يمكن رفع الثقل، فكانوا كلما صعدوا خيموا البناء حتى يكون السطح الموازى المرعب الأسفل أصغر من المربع السفلانى، ثم علموا لاسطح المربع الفوقانى أصغر بمقدار مابقى من الحاشية مايمكن رفع الثقل إليه، وكلما رفعوا حجرا مهندما رصوه إليه ذكرا وأثنى إلى أن ارتفع مثل المقدار الأول ـ ولم يزالوا يفعلون ذلك إلى أن بلغوا غاية لايمكنهم بعدها أن يفعلوا ذلك فقطعوا الارتفاع ونحتوا الجوانب البارزة التى فرضوها لرفع الثقل، ونزلوا فى (النحت) من فوق إلى أسفل وصار الجميع هرما واحدا.
وأبدى عمنا المقريزى دهشته وعجبه من هذه الأهرامات فقال : (وأى شيء أعجب وأغرب من المقدرة على بناء جسم جسيم من أعظم الحجارة، مربع القاعدة مخروط الشكل، ارتفاع عمودى ثلاثمائة ذراع وتسع وعشرون ذراعا ـ يحيط به أربعة سطوح مثلثات متساوية الأضلاع طول كل منها أربع مائة ذراع وستون، وهو من العظم مع إحكام الصنعة وإتقان الهندام وحسن التقدير بحيث لم يتأثر بعصف الريح وهطول المطر وزعزعة الزلازل، وبالرغم من عوادى الزمان التى جرت على الهرم إضافة على يد الانسان التى امتدت نحو الهرم وما احسب على وجه الأرض بناء أعظم منه ولا أحسن هندسة ولا أطول عمراً) فهرم (خوفو) كان يرتفع سامقا فى السماء نظيفا ومصقولا تتلألأ عليه أضواء أشعة الشمس خلال رحلتها اليومية فى السماء، فكان قمة منشآت الإنسان الحجرية على مر العصور وكان يقوم على قاعدة حجرية مرصوفة بالحجر الجيرى لاتزال بقاياه ظاهرة إلى اليوم، ويحيط بالقاعدة سور خارجى منيع وبديع كالسور الذى أقامه المهندس والحكيم المصرى (ايمحوتب ) حول هرم (زوسر ) المدرج فى سقارة قبل زمن (خوفو) بمائة عام.
***
لقد كان الهرم الأكبر (خوفو) بكسوته المصقولة أشبه بمرآة هائلة فوق قاعدة حجرية ترتكز على الرمال الصفراء وتنعكس عليها أشعة الشمس وأضواء القمر والنجوم، فيبدو من بعد كأنه منارة أرضية أو بوصلة جغرافية يهتدى بها المسافرون فى الصحراء التى تحيطها الرمال فى منطقة محيطها عشرات الكيلو مترات. كانت الكسوة الخارجية للهرم تغطى واجهاته الأربع حتى القرن الثانى عشر الميلادى، وقد شاهدها الرحال العربى عبداللطيف البغدادى وذكر أنها كانت تحمل أعدادا لا حصر لها من النقوش على حد تعبيره (كتابات هيروغليفية قديمة غير مفهومة اليوم) لم ألتق بشخص فى مصر يستطيع أن يفهمها وهى نقوش كثيرة على الهرمين إذا نسخ منها فإنها تكفى لملء ستة آلاف صفحة، وبعد عامين حدث زلزال عظيم بمصر دمر معظم أبنية القاهرة فأخذ الأهالى ينزعون من الهرم الأكبر بعض أحجار أسواره وكسوته الخارجية لإعادة بناء منازلهم التى دمرها الزلزال تماما، وكذلك عمرت قلاع ومساجد القاهرة فى معظمها من أحجار الهرم الأكبر أو من المنطقة المحيطة به، ومنها جامع السلطان حسن وهو واحد من أجمل مساجد القاهرة.
وذكر المقريزى أن منطقة أهرام الجيزة خربت فى زمن السلطان صلاح الدين الأيوبى على يد الطواشى بهاء الدين (قراقوش) الذى نزع حجارتها لبناء القناطر والجسور والقلاع! وأن الملك عثمان بن عبدالعزيز بن صلاح الدين الأيوبى سول له الجهلة من أصحابه أن يهدم الأهرام فأقام نحو ثمانية أشهر يحاول أن يهدم الهرم الأصغر منها ولكن دون جدوى!
لقد ظلت عادة نقل الحجارة من الآثار مستمرة فى مصر حتى وقت قريب حيث قال العالم الإنجليزى (السير فلندر بيترى) إنه وقت الفيضان لنهر النيل، كانت الأحجار تنتقل من منطقة الأهرام فى أبى رواش بمعدل حمولة 300 جمل كل يوم عام 1881.. وضعوا هنا عدة علامات استفهام ومثلها تعجب!!
وذكر الأخباريون أن محمد على باشا والى مصر حاول استعمال أحجار الهرم الأكبر (خوفو) فى بناء القناطر الخيرية ولم يتراجع عن عزمه إلا بعد أن أقنعه المهندسون الأجانب بأن قطع الأحجار من محاجرها أسهل وأقل كلفة من استلالها من جسم الهرم العتيد. وفى بناء الفسطاط استخدموا كسوة الأهرام وحجارة المعابد والمقابر القريبة لتأسيس العاصمة الجديدة كما جاء فى كتاب: (نهب آثار وادى النيل إيران ـ م/ فاجان).
Email:
[email protected]لمزيد من مقالات عزت السعدنى رابط دائم: