رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريد الجمعة.. يكتبه: أحمد البرى
الوجه الخفى!

أحـمــد البــــــرى

ترددت كثيرا قبل أن أكتب رسالتى إليك، ثم حسمت أمرى بأن أسترشد برأيك فيما وصلت إليه بعد سنوات طويلة من الألم والعذاب، فأنا سيدة فى الرابعة والخمسين من عمرى، نشأت فى عائلة كبرى بإحدى مدن محافظة مجاورة للقاهرة لأب يحتل منصبا مرموقا فى هيئة شهيرة، وأم تفرغت لرعاية الأسرة، وكان لى أخ رحل عن الحياة فى عز الشباب فجأة وهو نائم فى سريره، فكانت فاجعة لم تفق الأسرة من صدمتها حتى الآن، وقد تربيت تربية صارمة، فالبنت لا حق لها فى الاختيار حتى شريك حياتها تقبل بمن يرشحه لها أهلها، ولكنى لم أرض بذلك، لكنى واجهت ضغوطا شديدة اضطرتنى إلى قبول الخطبة على مضض، ثم فسختها بعد أن تبين استحالة زفافى وانتقالى إلى بيت آخر وزوج لا أرغب فى الارتباط به.. حدث ذلك ثلاث مرات، إذ تمت خطبتى لمهندس، ثم عقد قرانى على طبيب ومهندس ثان، وكلها انتهت بالفشل.. وتعرضت لمتاعب جمة عند فسخ خطبتى الثالثة وطلاقى قبل الزفاف، إذ سارعت إلى دار الافتاء، وقابلت أحد الشيوخ الأجلاء الذى أكد لى من حقى ألا أتزوج من لا أرضاه، وأن أهلى مرغمون على تنفيذ طلبى، وأخذت فتوى مكتوبة بذلك، وحملتها إلى أبى وأعمامى الذين لم يجدوا بدا من الصمت، وبالفعل استرحت من هذا العذاب، وانصرف عنى الشباب، ولم يعد أحد يفكر فى التقدم لخطبتى بعد كل ما سمعوه عن خطباتى الفاشلة.

وطوال هذه السنين كان يتردد على منزلنا صديق لأبى يعمل معه فى الجهة المرموقة، واعتبره أبى بمثابة أخ له، فكان يزورنا بشكل شبه يومى ويمضى ساعات طويلة فى ضيافتنا، وهو يكبرنى بواحد وعشرين عاما، وكنت أناديه بـ«عمى»، وكان على علم بكل ما يخصنى، وبعدم رغبتى فى الزواج بمن تقدموا لى، وأرغمنى أهلى على الخطبة لهم واحدا تلو الآخر.. وحدث وقتها أن نظرته إلىّ تغيرت تماما، وأصبح يتصل بى من منزله بالساعات، ويحدثنى فى مختلف أمور الحياة دون أن يصرح لى بأنه يريدنى زوجة له ربما لفارق السن الكبير بيننا، وكنت أتساءل فى نفسى: كيف سمح لنفسه أن يهاتفنى دون علم أبى؟، وكان اتصاله على هاتف المنزل فى أوقات متأخرة من الليل، وكان عمرى وقتها ثلاثة وثلاثين عاما، وقبل أن أصارحه بما فى داخلى، فاجأنى بطلبه الارتباط بى، فلم أنطق بكلمة، ثم فكرت فى الأمر فوجدتنى أميل إليه ربما بحكم وجوده الدائم بيننا، فطلبت منه أن يعرض الأمر على أبى، وبالفعل طلب يدى منه، ولم يمانع أبى، ولا أهلى، وإن كانوا قد تحفظوا على فارق السن الكبير بيننا.. وبالفعل تمت خطبتى له، وتعرض أبى لوعكة صحية، وتم بتر ساقيه وأصبح قعيدا على كرسى متحرك، وعقدنا قراننا فى حفل عائلى، والغريب حقا هو أن زياراته لنا قد تباعدت، وعندما أتصل به يحاول الهروب، ويتذرع بأسباب واهية، وعرفت أنه تضايق عندما كان فى زيارتنا فى أحد أيام رمضان، وتناول طعام الإفطار بمفرده، إذ كان أبى مريضا على سريره، ولم يكن ممكنا أن أجلس معه بحكم العادات والتقاليد، فضايقه ذلك، وعندما حل موعد الزفاف أخذنى معه فى سيارة أجرة عادية، وليس فى زفة كما يفعل العرسان، ولم أعر ذلك اهتماما.. وما أن دخلت بيته حتى وجدت شخصا آخر غير الذى عرفته، إذ تعمد عدم الكلام معى، وظهر بخله الشديد حتى فى أساسيات المعيشة، وكان له صديق يعرف ذلك، وقال لى إنه حريص على ماله حرصا قاتلا، ولم أنتبه لذلك، واعتبرت ما قاله كأن لم يكن.

وبعد شهور من الزواج انتابتنى حالة قلق بسبب الإنجاب، خاصة وأن علاقتنا الجسدية لم تكن طبيعية لعيب من جانبه، فتحدثت معه فى الذهاب إلى طبيب متخصص فى هذا الشأن، فرفض تماما، ولم يمانع فى زيارتى له بمفردى، فأخذت والدتى معى، وبعد الكشف الطبى والتحاليل أكد لى أننى سليمة تماما، وطلب أن يخضع زوجى للفحوص نفسها.. فكررت طلبى عليه، لكنه زاد ضيقا وضجرا، فقلت له سوف أذهب إلى طبيب آخر، فطلبت منه ثمن الكشف والتحاليل، وإذا به يخرج من جيبه مبلغا من المال ويلقيه على الأرض، بينما هو جالس على الأريكة وأنا واقفة أمامه.. فلقد كان يريد إذلالى بأن أركع لأخذ «الفلوس».. فرفضت أن آخذها، وهنا اشتد بى الغيظ، فقلت له «إن صديقك عنده حق»، فأنت بخيل، ولم أتصور أبدا أن تكون معاملتك لى بهذا الشكل برغم تنازلى عن أشياء كثيرة، وأبرزها الفارق الكبير بيننا فى السن، وهنا لم يتمالك نفسه، وألقى علىّ يمين الطلاق، ثم أمسك بى وضربنى فى الحائط عدة مرات إلى أن سقطت على الأرض، واتصل بأبى وقال له إنه طلقنى، وضربنى، ولا يريدنى فى حياته.. وتحاملت على نفسى وعدت إلى بيت أهلى أجر أذيال «الخيبة» فيمن وثقت فيه، وفضلته على الكثيرين الذين كانوا يفوقونه فى كل شىء، لكنه الوحيد الذى ارتحت له.. ولم أنم فى تلك الليلة، وأردت أن آخذ حقى منه، فذهبت إلى قسم الشرطة وحررت له محضرا بالتعدى والضرب المبرح، واتصل المأمور بأبى، ثم اتصل بزوجى واستدعاه، وحاول إصلاح ما فسد من علاقتنا، لكن مطلقى رفض بإصرار، ولم أكن أنا الأخرى مهيأة للعودة إليه.. ووجدتنى مرغمة على التنازل عن المحضر منعا للشوشرة علينا فى المنطقة التى نقطن بها خصوصا لدى عائلتنا.. وانزويت فى المنزل ما يقرب من ثمانى سنوات، ثم قررت الاتجاه إلى العمل، وبحثت فى جميع الوظائف المناسبة لى، وهدانى الله إلى وظيفة مرموقة بلا واسطة، ولم آخذ أى حقوق لى منه، وأشار علىّ البعض بأن من حقى أن آخذ نفقة المتعة، وانها لا تسقط بالتقادم، فوكلت محاميا برفع الدعوى ضده، ولما علم بذلك اتصل بى، وقال لى إنه يريد إعادتى إلى عصمته، وبأن نبدأ صفحة جديدة، وكفانا ما حدث لنا طوال السنين الماضية، فوجدتنى أتغاضى عن الدعوى، وأوافق على العودة إليه، لكنه اختفى من جديد، ولم يرد على اتصالاتى.. ولا أدرى ما الذى جعلنى أذهب إليه لأستطلع أخباره من بعيد، حيث وقفت بالقرب من المنزل قبل صلاة الظهر، حيث إننى أعلم أنه يذهب إلى الصلاة فى المسجد القريب منه، وما أن وقعت عيناى عليه حتى انخرطت فى بكاء يكاد يسمعه المارة ـ يا الله.. ماذا حدث له؟.. لقد وجدته مصابا بالشلل الرعاش فى رقبته ورأسه، ويمشى بصعوبة بالغة، فاهتز كيانى كله.. وأسرعت إليه، وقلت له إننى موافقة على العودة إليه بلا شروط، فقال لى إنه سيذهب إلى عمى للاتفاق معه على ترتيب هذا الأمر، وأنه هو الآخر يرغب فى إصلاح ما فسد من علاقتنا، خصوصا وأنه فى الخامسة والسبعين من عمره، وفى حاجة إلى من تؤنس وحدته.. وعدت إلى أهلى ونقلت إليهم ما حدث، وبأننى تأثرت بشدة لحاله، ولم يعد فى العمر ما يجعلنا نفكر فى أى شىء غير السكينة والهدوء، فلا أمل فى الإنجاب، ولا أستطيع الزواج من غيره، فطول عمرى لا أرغب فى الزواج لمجرد أن أكون زوجة، ولا يمكننى أن ارتبط إلا بشخص أحبه.. هذه مسألة فى أعماقى، ولا أستطيع أن أغيرها بقرار.. وارتاح الجميع لقرارنا، وأرسلت إليه سيارة أجرة نظرا لظروفه المرضية، وقابل أهلى، وقرأنا الفاتحة.. وللأسف الشديد اختفى من جديد، وتأكدت أن مثله لا يمكن أن يتغير مهما تكن ظروفه وأحواله.

ومضى حتى الآن ما يقرب من ستة أشهر، ولا يرد على الهاتف، ولا أدرى لماذا فعل ذلك بى برغم كل تنازلاتى من أجله؟، وأريد الآن أن أحصل على حقى منه بالقانون، فمهما طال الزمن لابد من رجوع الحق إلى صاحبه، فبماذا تشير علىّ؟.

 

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

لقد صنعت متاعبك بنفسك منذ البداية، ولا أدرى كيف أجبرك أبوك على الخطبة وعقد القران ثلاث مرات متتالية، ثم يتم الفسخ أو الطلاق قبل الزفاف؟.. إننى أفهم أن يحدث ذلك مرة واحدة من باب عدم العلم الكافى بأحوال خطيبك، أو أن حقائق جديدة تكشفت بشأنه، أما أن يصل الأمر إلى حد عقد القران، ثم الطلاق قبل الدخول، فإن ذلك يستعصى على الفهم، فمن ارتبطت بهم لم تذكرى عيبا واحدا فى أى منهم، وكان التصرف السليم هو أن تحددى موقفك قبل عقد القران، سواء بالقبول أو الرفض، وهذا الأمر معروف، ولا يحتاج إلى فتوى دينية، فلا إجبار لامرأة على الزواج، إذ أن الإيجاب والقبول أول شروط الزواج الصحيح الذى يرجى استمراره، ولابد من رضا الطرفين لإتمامه، وفى ذلك يقول رسول الله: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله كيف إذنها؟ قال: أن تسكت».. وإذا لم ترض بالزواج، فليس لوليها أن يجبرها، لا الأب ولا غيره لأن الحاجة لها، وهى أعلم بنفسها، فقد يكون بها مانع من الزواج وأهلها لا يعلمونه، والمقصود أنها لا تجبر ولكن تنصح، إذا جاء الكفء تنصح، ويبين لها أنه مناسب لها، وأن الواجب عليها أن تبكر بالزواج لما فيه من إحصان الفرج وغض البصر والإنجاب، وينصح الرجل كذلك الذى لا يرغب بالزواج ويوجه إلى الخير لعله يقبل به،

والناس فى الزواج ثلاثة أنواع، الأول: من يخاف على نفسه الوقوع فى محظور إن تركه، وهذا يجب عليه أن يتزوج، لأنه يلزمه إعفاف نفسه، وصونها عن الحرام، والثانى: من يستحب له، وهو من له شهوة، ولا يأمن الوقوع فى محظور، والثالث: من لا شهوة له, أو كانت له شهوة، ثم ذهبت بكبر أو مرض ونحوه, ففيه وجهان; أحدهما: يستحب له النكاح; لما ذكرناه، والثانى: التخلى له أفضل; لأنه لا يحصل على مصالح النكاح, ويمنع زوجته من التحصن بغيره, ويضر بها, ويحبسها على نفسه, ويعرض نفسه لواجبات وحقوق لعله لا يتمكن من القيام بها، وإذا لم يكن ثمة سبب شرعى للبنت فى ترك الزواج، فإنه يجب عليها طاعة والديها فيه، ويكون عصيانهما عقوقا، وإذا كان ثمة سبب شرعى يمنعها من الزواج يحرم على والديها إجبارها عليه، فرضاها وقبولها شرطٌ لصحة عقد الزواج.

والفتاة التى ترفض الزواج من كل رجل يتقدم لها تجعل نفسها محلا لإثارة الأقاويل والشائعات التى تسىء إلى سمعتها، ومع الوقت لا تجد من يطرق بابها، والشىء نفسه بالنسبة للرجل حتى لو كان ذا مركز مرموق، كما تترافق مع الزواج المتأخر مشكلات متعددة فى الولادة وصحة الجنين، فالحمل المتأخر قد يؤدى إلى ولادات مشوهة، وكان الواجب عليك وعلى أهلك مراعاة ذلك منذ البداية، وهى مسائل تقديرية تختلف من حالة إلى أخرى.

أما فيما يتعلق بما قاله لك صديق زوجك عن بخله، فإن العلاقة الزوجية مقدسة، وما كان يجب أن تتحدثى معه فى أمر يخص شريك حياتك، فالتحدث فى الحياة الزوجية وأسرارها وتفاصيلها تصرف بعيد كل البعد عن تعاليم الإسلام، الذى جعل للعلاقات الزوجية خصوصية شديدة، فقد كان ما قاله لك، وأخبرت زوجك به من أنه بخيل، هو السبب الرئيسى فيما آلت إليه علاقتكما الزوجية من الطلاق، وانهيار العلاقة الوطيدة التى ربطت بين أبيك وزوجك، وتوجت بزواجكما، باعتبار أنه الشخص الوحيد الذى ارتحت إليه دون جميع من تقدموا للزواج منك، أو خطبت لهم.

لقد خلق الله الرجال والنساء، وجعل كل طرف يميل إلى الآخر بغريزة أودعت فى النفس لبقاء هذه الحياة، وحدد الإسلام طريقة ومنهج التعامل التى يجب أن تكون بين الذكر والأنثى، فإما أنه تعامل مع المحارم كالأمهات والبنات، أو مع الزوجة التى أحلها الله.. وأما كل تعامل بين الرجل والمرأة خارج هذا النطاق، فيجب أن يكون على سبيل الاضطرار أو الحاجة، مثل الاضطرار نحو أمر لا يملك المرء تغييره، كمدرس للذكور والإناث معا، وفى هذه الحالة الاضطرارية يجب أن تكون العلاقة فى حدود التعلم؛ لأن الاختلاط منهى عنه شرعا، فإذا تطور إلى الخلوة كان محرما، وعلى هذا الأمر فإنه لا يوجد ما يُسمَّى «علاقة عادية»، فاللقاء بين الرجال والنساء في حد ذاته ليس محرما بل هو جائز، وقد يكون مطلوبا إذا كان القصد منه المشاركة فى هدف نبيل، من علم نافع أو عمل صالح، أو غير ذلك مما يتطلب جهودا متضافرة من الجنسين، وتعاونا مشتركا بينهما فى التخطيط والتوجيه والتنفيذ، ولا يعنى ذلك أن تذوب الحدود بينهما.. من هذا المنطلق فإنك أخطأت بالحديث مع زميل زوجك السابق فى أمر يخصه، حتى وإن لم ترتكبى شيئا محرما، فهذا الرجل هو الذى جرّ عليكما كل المتاعب التى بدأت بتطيلق زوجك لك فى اليوم نفسه الذى أبلغتيه فيه بما قاله لك صديقه.

أما عن نفقة المتعة، فهى من حقك، ولكن ما الذى جعلك تتغاضين عنها كل هذه السنين، ثم أيقظها فجأة فى نفسك؟.. إنها على أى حال لن تكون مبلغا كبيرا، ولا أظنك فى حاجة إليه، ولكنه الانتقام الذى يسيطر عليك، خصوصا بعد أن أبديت رغبتك فى العودة إليه، تأثرا بحالته الصحية، وقد وافق على عرضك، ثم درس المسألة، ووجد أن ظروفه الصحية والنفسية لا تسمح له باستئناف العلاقة الزوجية بعد سنوات طويلة من الطلاق، فماطل أو تناسى عرضك الذى لا أظنه فكّر فيه من زاوية إنسانية أو اعتبره تراجعا منك، وربما رآى أنه «عودة» من باب «الانتقام»، أو أنك تفكرين فى الحصول على معاشه الكبير بعد رحيله عن الحياة، فلا يمكن التكهن بأسباب تراجعه، وأحسب أن التفكير فى رفع دعوى جديدة للحصول على نفقة المتعة ليس هو الحل الصائب، فهذه النفقة تعطى للمطلقة مرة واحدة فقط، وقد أقرها الإسلام لجبر كسر الطلاق على نفس المرأة، ومبلغها غير مقدر، ويختلف باختلاف عسر الرجل ويسره، بحيث يعطيه الرجل المطلق إلى مطلقته لتطييب خاطرها، ولعل مطلقك، وهو رجل يعرف ربه، وملتزم دينيا كما وصفتيه يعطيها لك بعد السنوات الطويلة التى مرت على انفصالكما، أما عن عودته إليك، فكل إنسان أدرى بظروفه الصحية والنفسية، والأفضل لكليكما أن يطوى صفحة الماضى، ويبدأ مرحلة جديدة بها من الهدوء والسكينة ما يساعده على استكمال ما بقى له من عمر بلا منغصات، وليتق كل منكما الله فى الآخر، ولعلك تجدين ضالتك مع شخص آخر يقدرك، ويكون لديك قبول به، والله المستعان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق