رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«الأهرام» تنفرد برصد ظواهر فلكية نادرة فى قلب الصحراء الغربية
سياحة الفلك..بين الواقع والمأمول

تحقيق ــ إبراهيم سنجاب ــ أحمد يحيى جادالله
مجرة درب التبانة من الصحراء البيضاء بطريق الفرافرة تصوير ــ هاشم أبوالعمايم

  • «الأهرام» تتبنى الدعوة لنشر الوعى بالسياحة الجديدة
  • المصورون رصدوا شهب البرشاويات..ومولد هلال المحرم واقترانه بكوكب الزهرة 
  • د. عمرو عبدالوهاب ــ مدير مرصدى «مصطفى محمود» و«الحيز»: نواجه عقبات أهمها ارتفاع تكلفة إنشاء المراصد  وغياب الوعى الفلكى 
  • مصر متقدمة فلكياً …ووكالات «ناسا» و«الفضاء الأوروبية» و«ناشيونال جيوجرافيك» تنشر صورا للفضاء من مراصدنا

 

 

ثلاثة أيام فى قلب الصحراء الغربية مليئة بالإثارة وترقب لحركة النجوم والكواكب والشهب، على بعد ٤٥٠ كيلو مترا من القاهرة وفى مرصد «الحيز» الفلكى بالواحات البحرية ، قام فريق «الأهرام» بمهمة صحفية لتصوير سقوط «البرشاويات»، ذلك الحدث الفلكى الذى يحدث مرة كل عام، كما قام الفريق بزيارة «للصحراء البيضاء» على مسافة ٩٠كيلو مترا أخرى ليقيم ليلته الثانية، ويوثق هذه الظاهرة بالصور الحصرية والأفلام القصيرة.

وفى انتظار الصورة الأجمل ، تبدلت مواقع المصورين وعدساتهم على مدى ساعات الليل وسط عتمة الصحراء، فبمحرد دخول الليل بدت السماء المتلألئة كلوحة فنية ربانية زاهرة تزخر بمليارات النقاط المضيئة، فرؤية مجرة «درب التبانة» بالعين المجردة من هذا الموقع وهى متراصة جنباً إلى جنب إحدى صور تجلى القدرة الإلهية  الخالصة ، ولكن حين تراها بالتليسكوب والأجهزة الحديثة وتلتقطها عدسات فريق التصوير ، نجد أن المنظر أشبه بأفلام  الخيال العلمى التى يتم تصويرها فى الفضاء.

فريق «الأهرام» كان محظوظا برؤية الظواهر الفلكية، التى حدثت خلال الأيام الثلاثة، حيث كانت البداية ميلاد هلال شهر المحرم للعام الهجرى الجديد، الذى ظهر لعدة ثوان ثم اختفى ، ثم رصد اقتران الهلال بكوكب الزهرة اللامع، وكذلك فى ليلته الثانية ولكن لوقت أطول.

المهمة الصحفية كانت برفقة الدكتور الشاب عمرو عبد الوهاب أستاذ الفلك وعلوم الفضاء ، الذى هجر كل شيء وذهب إلى «قرية الحيز» بالواحات البحرية لينشئ مرصدا يتابع فيه الظواهر الفلكية وينشر توضيحات لها فى المنتديات واللقاءات وصورا وأفلاما قصيرة عبر صفحات التواصل الاجتماعى بالتنسيق مع المؤسسات الأوروبية والأمريكية والعربية الفلكية .

فى عشق السماء يقطع الدكتور عمرو الصحراوات المصرية جيئة وذهابا لاختيار مواقع التصوير، قال انه يتابع ظاهرة معينة تستلزم البقاء فى الواحات سبع ليال متتالية، خاصة أن منطقة الواحات يتعدى فيها عدد الأيام فى السنة التى تكون فيها السماء صافية ٣١٥ يوماً فى السنة، فالمنطقة فى قلب الصحراء الغربية وبعيدة عن الرطوبة، وتلك هى المعادلة الصعبة التى يسعى كل من يهتم بعلوم الفلك والفضاء إلى تحقيقها.


هلال المحرم واقترانه بكوكب الزهرة > تصوير ــ أحمد عجمى

ويوضح الدكتور عمرو أن أغلب وسائل الإعلام الأجنبية التى زارت المنطقة كانت من خارج مصر، وإنه لأول مرة تقوم وسيلة إعلام مصرية بالمشاركة فى هذا الحدث الفلكى من قلب الصحراء الغربية، حيث وصل وقت التصوير إلى ٣ دقائق للصورة الواحدة وذلك نتيجة دوران الأرض حول محورها كل ٢٤ ساعة، مضيفا: تم اختيار التوقيت لرصد ظاهرة عظيمة جداً تتكرر مرة واحدة كل عام وهى ظاهرة شهب البرشاويات، وهى المجموعة النجمية التى تظهر بها الشهب، ولأول مرة يقوم إعلام مصر بتصوير السماء بتعريض أطول من ٣٠ ثانية، وهذا يعتبر حدثا حصرياً وخاصا لمصورى جريدة «الأهرام».

وعلى بعد ١٨٠كيلو متراً من موقع المرصد بالواحات البحرية، قام فريق «الأهرام»  بالذهاب إلى الصحراء البيضاء على مقربة من واحة الفرافرة، وفى مغامرة صحفية وسط الظلام الدامس ، كانت الأهرام فى انتظار مفاجأة وحدث فريد يحدث كل عدة سنوات مرة واحدة ، وهو اقتران هلال شهر محرم فى السنة الهجرية الجديدة بكوكب الزهرة، مع إمكانية رؤيتهما بالعين المجردة عن قرب والتقطتهم عدسات مصورى «الأهرام» مع صخور وجبال الصحراء البيضاء، حيث أن تجمع تلك الظواهر فى هذا التوقيت يعد حدثا فريدا، فظهور شهب البرشاويات مع أفضل توقيت لظهور مجرة درب التبانة مع اقتران هلال القمر مع كوكب الزهرة أمر ليس له ترتيب ولكنه كان صدفة رائعة عاشها فريق العمل.

سياحة الفلك

وأضاف الدكتور عمرو ، أنه خلال السنوات العشر الأخيرة تعرضنا لصعوبات، حيث اقتصر نشاط البرامج التليفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعى على الاهتمام بالتنجيم وحظك اليوم والأبراج والتنبؤات الفلكية ، ولكن مع تزايد الاهتمام بالنظر إلى السماء يريد الكثيرون التعرف على بداية الطريق ، نحو  نشر الثقافة الفلكية والعلمية و تبنى إخراج المصطلح الجديد الذى دعت إليه «الأهرام» إلى النور وهو «السياحة الفلكية» كنوع من أنواع السياحة العلمية .

فالسياحة الفلكية تدر دخلاً قوياً ، حيث إن السائح الفلكى يقوم بإنفاق مادى كبير يقارب من ١٠ إلى ١٥ ضعف السائح العادي، وسنحاول خلال الفترة المقبلة ما بعد جائحة «كورونا» أن نقوم بدعوة المهتمين بالسياحة الفلكية فى العالم، ولكن أتمنى أن تدعم  الدولة هذا النشاط، خاصة أن وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» و«ناشيونال جيوجرافيك» و«بى بى سي» و«وكالة الفضاء الأوروبية» قامت بنشر صور لمرصدنا، كما قامت زوجة الرئيس الأمريكى الأسبق ميشيل أوباما بنشر إحدى صورنا على صفحتها الشخصية، مما لفت نظر الكثيرين فى العالم ممن يهتمون بعلم الفلك والفضاء.


شهب البرشاويات من مرصد الحيز > تصوير ــ محمد منير

أما عن خطوات المرصد للنهوض بالسياحة الفلكية فى مصر والعقبات التى تحول دون ذلك، والأماكن التى يمكن أن يتم فيها إنشاء مراصد فلكية فى مصر، فيقول د. عمرو إن أبرز العقبات التى تواجهنا ، هى التلوث الضوئي، بالإضافة إلى أننا نتمنى أن تتدخل الدولة وتدعمنا فى إنشاء مرصد بشكل أكثر احترافية، خاصة أنه من الصعب إدخال التليسكوبات إلى مصر بجانب أنها مكلفة جدا وتتخطى أسعارها عشرات الآلاف من الدولارات للتليسكوب الواحد وكذلك كاميرات التصوير وغيرها، كما أن هناك عقبة أخرى تحدث عنها الدكتور عمرو تتعلق بخريجى كليات العلوم الفلكيين، فيشير إلى أن عددهم ليس كبيرا وبعد تخرجهم يبحثون عن فرص عمل بالخارج، على الرغم أن لهم مستقبلاً مبهراً جدا بالداخل، فلدينا الهيئة القومية للاستشعار من البعد وعلوم الفضاء، والتى تساعد الخريجين فى العمل.

وحول وضع مصر عالمياً فى مجال الفلك والفضاء، أكد مدير مرصدى «مصطفى محمود» و«الحيز» الفلكيين، أن مصر متقدمة عملياً فى هذا المجال، فهى تعد أول دولة عربية تطلق قمراً صناعياً إعلامياً «نايل سات» وأقماراً صناعية خاصة بالأبحاث الرادارية والجيوفيزيائية ، والتى تطلعنا مثلا حول وجود مياه فى الصحراء الغربية ومدى كثافتها وتقدير مسافة بعدها عن سطح الأرض.

وفى علوم الفلك ، يكفى أن أول من اختار نقطة سقوط الإنسان على سطح القمر كان العالم الدكتور فاروق الباز، كما أن هناك اثنين من العلماء المصريين اكتشفوا كويكب سموه «روزيتا»، وكان التنسيق بينهم لحظة بلحظة بوكالة «ناسا» للفضاء حتى هبطت أول رحلة على سطح الكويكب، وباعتبار الدكتور عمرو عبدالوهاب مديراً للمرصدين، إلا أن مرصد الحيز يلزمه العديد من الدعم والتجهيزات حتى تدخل مصر مجال الفلك والفضاء بقوة، ولكن مرصد مصطفى محمود التابع للجمعية لا يقدم مثل هذا الدعم، لأن الجمعية خيرية وتهتم أكثر بالمجال الطبى ومساعدة المواطنين، ونشر علوم الفلك لرصد الأحداث الفلكية فى الجمعية دون تحمل لعناء وتكاليف السفر.

100 نوع تصوير فلكى

وعن عمليات التصوير الفلكية، أوضح د. عبد الوهاب أن هناك ما يقرب من ١٠٠ نوع من علوم التصوير الفلكي، فهناك مثلاً علم تصوير القمر وعلم تصوير الكواكب، وكل نوع له أدواته ومعداته الخاصة وعدسات مختلفة، فمثلاً الكواكب عملية تصويرها معقدة، حيث تنقسم لنوعين صخرى وغازي، فالكواكب الصخرية مثل عطارد والزهرة والأرض والمريخ تعتبر عملية تصويرها أسهل من الغازية المشترى وزحل ونبتون وأورانوس وبلوتو، حيث إنها عبارة عن مجموعة من الغازات لا تستطيع حتى المراكب الفضائية أن ترسو عليها مثل الشمس.

فمثلاً كوكب المشترى كما يقول علماء الفلك أنه بعد مليارى سنة سيتحول إلى شمس ليكون لدينا شمسان إحداهما نهارية والأخرى ليلية، فتصوير الكواكب الغازية يتطلب استخدام فلاتر خاصة وعدسات لنتمكن من رؤيتها خاصة أن بها عواصف غازية تستطيع أن تلتهم ٤ كواكب مثل كوكب الأرض، مع ضرورة توفير بعض المعلومات الأساسية مثل إحداثيات موقع التصوير وبعض المعلومات الأخرى عن الكوكب المراد تصويره، خاصة أن تلك الكواكب تبعد عن الأرض مليار كيلومتر وسطحها غازى غير مستقر وعواصف غازية. كل هذا يتطلب معلومات غزيرة ودقيقة ومتراكمة لكى يستطيع المصور أن يلتقط صورة حية للكوكب بالتفصيل، مشيراً إلى أن٩٠٪ من التليسكوبات ليست بصرية ولا نستطيع أن ننظر إليها فى نطاق الضوء المرئى وإنما عبارة عن تليسكوبات «رادياوية» مثل طبق الدش تتمثل فى موجات يتم تحليلها لكى نستطيع الحصول على المعلومات، ومن بينها الثقب الأسود الذى لا نستطيع تصويره أنه يبتلع الضوء ولا يمكن رؤيته بالتليسكوب، وعلى الرغم من أن العالم آينشتاين توقع وجود الثقب الأسود منذ أكثر من ١٠٠ سنة فإننا تمكنا من اكتشافه فى ٢٠٢٠.

وعن الأحداث الفلكية على مدى العام يقول عبد الوهاب إن هناك أحداثا فلكية لا نستطيع تفويتها مثل الكسوف والخسوف وزخات الشهب وارتباط الكواكب ببعضها البعض كما رأينا، وظهور النيازك والمذنبات، وأحياناً يصادف رؤية بعض الأحداث الفلكية مثل المذنبات من قبل هواة التصوير والمراصد، مشيراً إلى أن ما نراه الآن من نجوم فى السماء ليس النجم وإنما هو موقعه وأقرب نجم لنا يبعد عنا ٣٫٧ سنة ضوئية والضوء خرج من النجم ووصل إلينا بعد ٤ سنوات تقريبا، ولا يستطيع أحد أن يعرف موقع النجم الحقيقى فربما يكون قد انفجر أو ابتلعه نجم آخر أو اندمج مع غيره، وهذا ما أكده القرآن الكريم قبل ١٤٠٠ سنة فى قوله تعالي: «فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم» صدق الله العظيم.

واختتمنا حديثنا الشيق مع الدكتور عمرو عبدالوهاب، قائلاً إن الفلك والنجوم علم اهتدى به الإنسان لمعرفة التقويم السنوى منذ قديم الأزل، بهدف معرفة التغيرات اليومية على مدى الساعة، وأول من اخترع التقويم كان الإنسان المصرى القديم ما قبل الحضارة الفرعونية ، وكان هناك مرصد فى أقصى الجنوب الشرقى من مصر، جاءت الحضارة الفرعونية لتضع تقويماً آخر معتمداً على النجوم واعتمدوا فيه على نجمة شهيرة وهى «الشعرى اليمانية» وكانت مرتبطة بفيضان النيل والسنة الزراعية عند القدماء المصريين ومازلنا نستخدمها حتى الآن، وهناك التقويم القبطي، ثم بعده التقويم الميلادى الذى يعتمد على حركة الشمس، وكانت الخاتمة بالتقويم الهجرى الذى يعتمد فى الأساس على حركة القمر لتحديد الشعائر الإسلامية، والعلم الحديث يعتمد على التقويم النجمى لإرسال المراكب الفضائية إلى الفضاء.

واليوم ولأول مرة فى تاريخ مصر منذ وقت الفراعنة وحتى الآن نقوم فى مرصد الحيز ومعنا فريق «الأهرام» بالتقاط صورة للسماء لم يسبق أن التقطها أحد فى مصر، لمجرة درب التبانة فى نطاقات الضوء غير المرئية التى لا تراها الكاميرات ولا العين المجردة ، وهذه اللقطة سيكون لها أثر عالمى خلال الفترة المقبلة.

 

-----------------------------------------------------

                         شهب البرشاويات

زخة شهب أو Meteor shower فى كل عام يتقاطع مدار الأرض مع مدار نيزك يسمى «swift - Tuttle» وعلى أثره نتيجة لجاذبية الأرض تدخل بسرعة عالية بقايا المذنب ونتيجة للاحتكاك بينها وبين الغلاف الجوى للأرض ، فإنها تحترق ويرى هذا الاحتراق على سطح الأرض ، وسميت  بالبرشاويات، لأن  هذه الشهب ترى وكأن مصدرها مجموعة نجمية تسمى بالبرشاويات ، وترى كضوء فى السماء نتيجة احتكاكها بالغلاف الجوى للأرض واحتراقها على مسافات عالية. ويمثل نوع الضوء المرئى من احتراق الشهب ، التركيب الكيميائى لها ووالشهب مجرد حبيبات من الأتربة والحجارة الصغيرة، تندفع مخترقة الغلاف الجوى للأرض بسرعة بين 8 و45 ميلاً فى الثانية لتحترق وتظهر خلال فترة قصيرة جداً لامعة، ومتوهجة أثناء احتراقها لتتساقط على الأرض على هيئة غبار دقيق .

يعتبر لون الشهاب مؤشراً لمكوناته، فذرات الصوديوم تعطى للشهاب لوناً برتقالياً أو أصفر، والحديد يعطى اللون الأصفر، الأزرق المخضر من الماغنيسيوم، والأحمر من السيليكون، ويضفى الكالسيوم لوناً بنفسجياً بعض الشيء، وتصبح الشهب مرئية وواضحة عندما تكون على بعد من 65 إلى 120 كم فوق سطح الأرض.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق